استغرق الفتح الاسلامي لبلاد المغرب عدة عقود و مر من عدة مراحل ، فقد واجه العرب صعوبات في اخداع هذه المنطقة الجديدة عنهم، و التي حذر منها الخليفة عمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين حين استأذن والي مصر عمرو بن العاص الخليفة لفتح افريقية (تونس) فأجابه :
"لا، إنها ليست بإفريقية، ولكنها المفرقة، غادرة، مغدور بها، لا يغزوها أحد ما بقيت"(1).
وهذا لأن عمرا كان على علم أن هذه الأرض مجهولة عند العرب و لا يعلمون ما ينتظرهم لكن هذا لم يمنع من لحقه من متابعة الفتح في المنطقة. فكيف كانت فتوحات المغرب في عهد الخلفاء الراشدين؟
- المرحلة الأولى : محاولة عمرو بن العاص :
بعد أن فتح المسلمون مصر وسيطروا على الأسكندرية وقضوا على الوجود البيزنطي بها أبدى واليها عمرو بن العاص رغبته في التوجه غربا فوصل إلى برقة ودخلها سنة 21 ه، التي كان يسكنها قبيلة لواتة الزناتية، والتي أسرعت إلى الدخول في طاعة المسلمين وصالحهم عمرو على جزية بلغت دینارا عن كل بالغ سنويا، وهكذا ضمن عمرو بن العاص بمعاهدته مع قبيلة لواته أن يكسبهم إلى جانب المسلمين ونجح في إدخال بعضهم في الإسلام، وبعد ذلك اتجه عمرو بن العاص إلى إقليم طرابلس وفتحه وفي نفس الوقت تمكن أحد قواده وهو بسر بن أرطأة من فتح ودان، ثم وجه أحد قواده وهو عقبة بن نافع للتوغل إلى الجنوب فوصل إلى واحة فزان بالصحراء الليبية ففتحها وواصل زحفه إلى زويلة 23ھ/644م .، ولكن عملية الفتح في اتجاه إفريقية (تونس الحالية) توقفت بسبب رفض الخليفة عمر بن الخطاب لمواصلة الفتح في اتجاه الغرب.
- المرحلة الثانية :محاولة عبد الله بن سعد بن أبي السرح:
و بعد تولي عثمان بن عفان للخلافة قام بعزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر وتم تعيين عبد الله بن سعد بن أبي السرح عليها، فواصل إرسال حملات استطلاعية إلى العرب إلى أن إذن له الخليفة بافتتاح إفريقية.
وقد تكون جيش بالمدينة من العديد من القبائل العربية وانضم إليه نفر من الصحابة وأسندت قیادته إلى الحارث بن الحكم، ليتم بعد وصوله إلى مصر تسليم القيادة إلى ابن أبي السرح. وعندما وصل إلى برقة التحقت به الطلائع التي كانت تحت قيادة عقبة بن نافع.
سار الجيش نحو إفريقية سنة 27 ه/648م والتقى بجيش الروم بقيادة جرجير (جريجوريوس) عند سبيطلة عاصمة البيزنطيين بإفريقية، وقبل أن تنطلق المعركة أرسل القائد ابن أبي السرح إلى جرجير يدعوه إلى الإسلام أو أداء الجزية فامتنع، وبدأت بين الجيشين مناوشات بسيطة امتدت بضعة أيام كان القتال أثناءها يستمر من الصباح حتى الظهر، وذلك بسبب تفوق جيش الروم من الناحية العددية، مما دفع أحد قادة المسلمين وهو عبد الله بن الزبير بن العوام إلى التفكير في طريقة لهزم البيزنطيين، فاتفق مع ابن سعد على أن يباغت ابن الزبير الروم بالهجوم بعد انتهاء القتال اليومي عندما يكون التعب قد نال منهم، وقد نجحت تلك الخطة وتمكن ابن الزبير 649م، وتعرف تلك الموقعة بموقعة سبيطلة (جنوب غرب القيروان) وأدى الانتصار إلى استيلاء المسلمين على حصن سبيطلة بعد حصاره عدة أيام. وقد تفاوض البيزنطيون مع ابن أبي السرح أن يخلى المدينة ويرحل عنها مقابل حزية سنوية بدفعونها للمسلمين فوافق على ذلك لأن أخبارا وصلته بزحف أهل النوبة على جنوب مصر.
وهكذا غادر الجيش الإسلامي إفريقية نحو مصر دون أن يستغل انتصاره في معركة سيبطلة. ومع ذلك فإن حملة عبد الله بن أبي السرح كانت تجربة مفيدة للمسلمين لأن المسلمين اكتشفوا فيها طبيعة البلاد وتمكنوا من إضعاف قوة البيزنطيين وجاءت معركة ذات الصواري البحرية سنة 34 م كآخر حملة قادها عبد الله بن أبي سرح في البحر الأبيض المتوسط، وكانت نتيجتها انهزام البيزنطيين هزيمة ساحقة مما أثر أيضا على قوة الجيش البيزنطي بإفريقية.
توقفت الفتوحات الإسلامية في إفريقية عدة سنوات بسبب فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم الصراع بين الخليفة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان حول معاقبة قتلة الخليفة عثمان، ولم تتجدد الفتوحات مرة أخرى إلا بعد أن استقر الأمر لمعاوية سنة 41 ه/662م بعد مقتل الخليفة علي على يد الخوارج.
اقرأ أيضا مقاومة ديهيا
أحمد بن خالد الناصري- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى الجزء الأول
احمد عزاوي - مختصر في تاريخ الغرب الإسلامي , الجزء الأول , الطبعة الثالثة , rabat net maroc , الرباط , 2012.
محاضرات الأستاذ محمد المغراوي - كلية الأداب و العلوم الانسانية جامعة محمد الخامس الرباط.