جاءت فتوحات عقبة بن نافع في يلاد المغرب التي كانت اخر محطات حياته . حيث ستنتهي بمقتله على يد القائد العسكري كسيلة أو أكسيل . وقد كانت الفتوحات الإسلامية في المغرب متوقفة قبل مجيء عقبة بن نافع عدة سنوات بسبب فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم الصراع بين الخليفة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان حول معاقبة قتلة الخليفة عثمان، ولم تتجدد الفتوحات مرة أخرى إلا بعد أن استقر الأمر لمعاوية سنة 41 ه/662م بعد مقتل الخليفة على على يد الخوارج. و بعد استئناف الفتح بزغ نجم التابعي عقبة بن نافع الفهري الذي وصل حتى المغرب الأقصى . فكيف كانت ولاية عقبة؟
استئناف الفتح من جديد
- حملة عقبة بن نافع الأولى على إفريقية (46-50 ه/667-671م)
-
بناء القيروان :
فكر عقبة في اتخاذ معسكر أو مرکز عسكري دائم، ليتابع خطة سلفه، خاصة وأن البيزنطيين ومن كان يناصرهم من أمازيغ المنطقة كانوا يرجعون إلى العصيان بعد كل تراجع للجيش الإسلامي وينفضون الصلح.
أمر عقبة بن نافع ببناء معسكر أطلق عليه اسم القيروان سنة 50 ه/671م، في مكان روعي فيه توفره على بعض المؤهلات المجالية مثل توفر المرعى للإبل والماشية، كما كان الموضع شبيها ببادية العرب، إضافة إلى بعده عن البحر الذي يسيطر عليه الروم بفضل أسطولهم القوي، كما أنه كانت طريقا للقوافل التجارية.
فبعد اختيار موضع المدينة أمر عقبة بن نافع بالشروع في اختطاط دار الإمارة والمسجد الجامع. وحدد عقبة موقع المسجد بوجود بئر عذبة في المكان سمیت بئر أم عياض، ثم فصلت دار الإمارة بشارع طويل ووزعت الأراضي المقابلة على القبائل لاتخاذ سكناها، وبمرور الوقت بدأ المعسكر يتحول إلى مدينة، فصار في وقت وجيز مدينة كبيرة تضم ساكنة متنوعة من العرب والأمازيغ.
-ولاية عقبة بن نافع الأولى على افريقية 50-55
- ولاية أبي المهاجر دینار (55-62 675 -682م) :
- ولاية عقبة بن نافع الثانية و اساءته لزعيم أوربة (64-62 ه/684_682م) :
"وكان عقبة في غزواته – للمغرب - يستهين كسيلة ويستخف به وهو في اعتقاله. وأمره يوماً بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلمانه، وأراده عقبة على أن يتولاها بنفسه، وانتهره، فقام إليها كسيلة مغضباً.وجعل كلما دس يده في الشاة يمسح بلحيته، والعرب يقولون: ما هذا يا بربري؟ فيقول: هذا جيد للشعر، فيقول لهم شيخ منهم: إن البربري يتوعدكم. وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب، وأنت تعمد إلى رجل جبار في قومه بدار عزة قريب عهد بالشرك فتفسد قلبه، وأشار عليه بأن يوثق منه وخوفه فتكه، فتهاون عقبة بقوله"
كان جيش عقبة في حملته مكونا من عشرة آلاف فارس، وترك على القيروان . سار عقبة غربا وكان أول مراحل حملته هي الاستيلاء على حصن باغاية والتي تعتبر من أهم المراكز العسكرية، وكانت فيها حامية رومية انتصر عليها عقبة وحاصرها، ولكنه لم يستولي عليها، وترك الحصار واتجه غربا إلى إقليم الزاب الفسيح وقاعدته مدينة المسيلة فهزم فيها الروم، وبهذا النصر أصبحت هذه الناحية مركزا ثانيا للقوة العربية بعد سهل إفريقية الذي توجد به القيروان.
ظلت الحرب إلى هذا الحين دائرة بين البيزنطيين والعرب، وكان الأمازيغ يقفون على الحياد إلى أن بدأ اقتحام العرب للأقاليم الداخلية فشعر الأمازيغ بالتهديد فاستغاثوا بالروم ووقفوا إلى جانبهم. وعندما وصل جيش عقبة إلى تيهرت وجد نفسه أمام مقاومة عنيفة رومية أمازيغية، وتمكن من هزيمتهم وقضى على كل مقاومة لهم في المغرب الأوسط، غير أن عقبة في إحدى محطات التوقف قد أساء معاملة كسيلة زعيم أوربة وأهانه مما أدى إلى فراره هو وأصحابه من جيش المسلمين وقرر الانتقام.
بعد ذلك واصل عقبة الزحف نحو الغرب قاصدا المغرب الأقصى ودخله عام 62 ھ/682م، فقصد مدينة طنجة التي استقبله فيها صاحبها يليان الغماري الذي كان يحكمها باسم القوط الإسبان. وعندما علم يليان برغبة عقبة في فتح الأندلس، اقترح عليه بدلا من ذلك التوجه جنوبا لفتح بلاد الأمازيغ التي كان أهلها على الدين الوثني، فواصل توغله حتى المحيط الأطلسي وتذكر المصادر أنه وصل إلى مدينة ماست (ماسة) بالسوس الأقصى على البحر المحيط الذي أصبح فيما بعد رباطا، كما وصل إلى مرفأ على البحر يسمى إيغير أن يطوف جنوبي وادي السوس، ودخلت بعض القبائل المصمودية في طاعته، ولم تكن له في رحلته هذه إلا مناوشات قليلة مع بعض القبائل الجبلية.
يبدو أن خطة أبي المهاجر دینار في مسالمة الأمازيغ ودعوتهم بالحسنى قد أتت أكلها، عندما تحمست قبيلة مغراوة الزناتية وقبيلة ركراكة المصمودية للتحرك بالدعوة في أوساط القبائل الأمازيغية مما سهل من مهمة عقبة بن نافع بشكل ملموس. وفي هذه الحملة تم تأسيس المساجد الأولى بالمغرب بكل من أغمات و نفیس بمجال ركراكة، ثم طلبت القبائل من عقبة أن استبقي أحد أصحابه ليعملهم الدين فترك معهم شاکر بن عبد الله الأزدي الذي توفي بالمنطقة وبنت ركراكة على قبره ضريحا اعتبر أول ضريح بالمغرب.
مقتل عقبة بن نافع
بعد وصوله إلى السوس الأقصى في رحلة دامت سنتين، غادر عقبة البلاد عائدا إلى القيروان من الطريق الجنوبية التي تمر بدرعة وتافيلالت، وأمام شعوره بالأمان أمر جيشه بالإسراع في العودة إلى القيروان، واستبقى معه عددا قليلا من الرجال لم يتعد المائة والخمسين وتوجه شرقا، لكن كسيلة الأوربي باغته عند مدينة تهودة بالمغرب الأوسط في جيش ضخم من الأمازيغ والروم، فدارت المعركة عند تهودة سنة 64 ه/684م تمكن فيها جيش كسيلة من القضاء على كامل الفرقة العسكرية المرافقة لعقبة الذي قتل كما قتل أبو المهاجر دینار. يقول ابن خلدون :
"فلما قفل – عقبة - عن غزاته وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجاً ثقة بما دوخ من البلاد، وأذل من البربر حتى بقي في قليل من الناس. وسار إلى تهودة أوبادس لينزل بها الحامية. فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلوه على الفرصة فيه فانتهزها، وراسل بني عمه ومن تبعهم من البربر ، واتبعوا عقبة وأصحابه... حتى إذا غشوه بتهودة ترجل القوم وكسروا أجفان سيوفهم، ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه... ولم يفلت منهم أحد..."
فلما علم نائبه بالقيروان زهیر بن قيس البلوي بمقتله وبكثرة جيش كسيلة قرر الانسحاب بالجيش الذي معه متجها نحو برقة، وبذلك تمكن كسيلة من الاستيلاء على القيروان دون صعوبة سنة 64 ھ/684م.
أحمد بن خالد الناصري- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى الجزء الأول
احمد عزاوي - مختصر في تاريخ الغرب الإسلامي , الجزء الأول , الطبعة الثالثة , rabat net maroc , الرباط , 2012.
محاضرات الأستاذ محمد المغراوي - كلية الأداب و العلوم الانسانية جامعة محمد الخامس الرباط.
ابن خلدون، كتاب تاريخ ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، الجزء الرابع والجزء السادس (بيروت: مؤسسة الاعلامي للمطبوعات، 1971).