ظهرت الحركة العياشية في النصف الاول من القرن السابع عشر بعد أن شهد المغرب ظروف سياسية هامة تمثلت في وفاة أحمد المنصور الذهبي سلطان السعديين وتنازع ابنائه على الحكم ثم اقتصار سلطتهم على مدينتي فاس ومراكش مما ولد زعامات محلية في المناطق الغير التابعة للسلطانين من بينها الحركة العياشية في مدينة سلا وما جاورها. فما هي اوضاع الدولة قبل ظهور الحركة العياشية ؟ وما هي العياشية و من اين استمدت مشروعيتها و كيف استطاعت السيطرة على المجال ؟
اوضاع الدولة قبل ظهور الدولة العياشية
شهدت الدولة
السعدية في حكم السلطان احمد المنصور ازهى عهودها رخاءا و علما و عمرانا اذ عمل
المنصور على اتساع رقعة المغرب باستيلائه على السودان الغربي. و حافظ على قوة
المغرب و كيانه. لكن مع وفاة المنصور سنة 1603 عرفت الدولة مند هذه السنة مجموعة
من الاوضاع دعت الى تقهقرها .اذ عج المغرب الاقصى بالتطاحنات الداخلية تحت وطاءة
الهجمات الاوربية .فقد سقطت العرائش و المعمورة في ايدي النصارى فسادت حالة
من التدمر في صفوف المغاربة بالاضافة ال مد اللصوص ايديهم على المال و الحريم و
قطع طرق التجار. جعل هذا درورة ظهور الحركة العياشية لصد هذه المخاطر.
بداية الحركة العياشية
سميت الحركة العياشية بهذا الاسم نسبة الى مؤسسها محمد بن احمد المالكي الزياني العياشي المعروف بالمجاهد السلاوي ولد في بيت خير و صلاح سنة 1573 و كانت عائلته الرئاسة المتوارثة لبني عبد المالك في الغرب. تلقى مبادئ القراءة و الكتابة في مسقط راسه, ثم انتقل الى سلا حيث لازم الشيخ عبد الله بن حسون و كرس نفسه لخدمته. كان تعليمه ذو وجهين , وجه علمي و وجه المصاحبة في الطريقة. بزغ نجم العياشي في النصف الاول من القرن السابع عشر حيث فرضت شخصيته نفسها بقوة في تاريخ المغرب اذ عرف المغرب في تلك الفترة مرور سلاطين ضعاف و هذا ما أهل له الجو الملائم لظهور كمخلص للأمة.
خرج العياشي الى ازمور بأمر من استاذه عبد الله بن حسون فخاض معارك ضارية ما
بين 1604‑1615 حوالي 10 عمليات جهادية ضد البرتغال الذين كانوا يسيطرون على
البريجة . واصل العياشي حركاته الجهادية فداع صيته و نمت شعبيته و أضيف على
اسمه لقب سيدي الشيء الذي أرعب السلطان زيدان و خشي منه عن الملك فبعث القائد محمد
السنوسي لاغتياله إلا أن هذا الأخير تعاطف مع العياشي و أرسل له احد رجاله لأمره
بالهرب لأنه اتا لاغتياله بأمر من السلطان .
هناك مصادر
اخرى تقول ان العياشي غادر ازمور بأمر من السلطان زيدان و باذنه و ذهب الى سلا لأن
اهلها كانوا يتضايقون من تحرشات الاسبان في المعمورة. فانسحب العياشي الى
سلا في حدود سنة 1615 التي كانت تعرف نوعا من التسيب و الفوضى.
اتصل عدد من
اهل و اشياخ منطقة الغرب بالعياشي و طلبوا منه القيام بوظيفة الجهاد و
السعي في مصالح العباد فطلب منهم العياشي كتابة ظهير ينزلون خطوطهم فيه بانهم رضوه
و قلدوه و قدموه على انفسهم و التزموا طاعته فوافق اشياخ القبائل من عرب و أمازيغ
و روؤساء و عينوه واليا عليهم من تامسنا الى تازة و غدا اميرا للجهاد في السهول
الاطلسية من طنجة الى ازمور .
الحركة العياشية و العمل السياسي
بدأ العياشي
عمله السياسي بمحاولة ضبط امور بعض القبائل التي استغلت ظروف الفترة للتضيق على
القبائل المجاورة لها بدعم من الامراء السعديين.استعان العياشي في هذه العمليات
بابي بكر الدلائي الذي انجده بقوة يقودها ابنه محمد الحاج . و بالفعل تمكن العياشي
و من معه باقرار نوع من الاستقرار بالمناطق التابعة له, وأصبح مستعدا لانجاز عمله
الجهادي. اذ حاصر المعمورة مرتين و أوقع الاسبان المحتلين للعرائش في عدة معارك و
هاجم الحصون المحتلة في العرائش و طنجة و البريجة . لقيت انتصارات التي حققها
المجاهدون بزعامة محمد العياشي صدى واسعا في مختلف ارجاء البلاد و وصله التهاني من
عدد من العلماء و الصلحاء كما زاد من تعزيز ثقة الناس فيه بالاضافة الى
استقامته و سعيه في مصالح العباد .
في سنة 1631
وصلت للعياشي بيعة اهل فاس و مكناس و قبائل الشاوية و اعلان تطوان تابعة له. كانت
لتبعية تطوان له فضلا في انفتاحه على الدول الاوربية من خلال البحر الابيض المتوسط
, و ربط علاقات معهم بهدف جلب السلاح لتنفيذ عملياته الجهادية لكن القوى الاوربية
هي الاخرى كانت لها مبتغى وراء هذه العلاقات اذ كان المغرب و بالضبط سلا مقر
استقرار القراصنة و الجهاد البحري لهذا كانت تسعى لابرام اتفاقية هدنة مع المغرب
لتؤمن بها حركة سفنها, و تمكنها من ارجاع الاسرى . و كانت بريطانيا من بين
الدول التي عقدت اتفاقية مع المغرب و ذلك بارسال مبعوثين اشهرهم جان هارسون الذي
زار تطوان سنة 1625 فكان عرض العياشي عليهم هوالتحالف ضد الاسبان و بعد مفاوضات و
اتصالات توصل الطرفان الى ابرام اتفاقية بتاريخ 13 ماي 1637 تنص على :
- تأمين التجارة و عدم مهاجمة السفن التابعة للمتعاقدينالا تتعامل بريطانيا مع اعداء العياشي.
- تزويد العياشي بالسلاح و تسهيل له الحصول على ما يريده من مواد تجارية
كما تعامل
العياشي مع هولندا ايضا لتزويده بذخيرة و حصل سنة 1639 على 20 الف رطل من
البارود .
عندما رأى
العياشي ان انظار القوى والزواية تتجه نحوه اضطر الى الاعتراف بالسلطة
الدائمة للسعديين للمحافظة على نوع من التوازن كما اعتبر ولاء الناس له مجرد
وسيلة للقيام بما اعتبره مهمته الاساسية و هي تنظيم عمليات الجهاد لتحرير الثغور
المحتلة.
سقوط الحركة العياشية
لم يرق سطوع
نجم العياشي و اعترافه بالسعديين الى بعض الأطراف المتعطشة للسلطة .فأصبح
الدلائيون يدسون له الدسائس .و قد كانت تربطهم علاقة متينة معه سابقا. و كانت تقدم
له دعم مادي و معنوي باعتبارها محط العلم و العلماء اعتبارها بمثابة فاس في تلك
الفترة. لكن هذا الدعم كان مع مؤسس الحركة ابي بكر الدلائي اذ لم تكن له اطماع
سياسية, و كان غرضه الاساسي الجانب الديني. ومع موته و تقلد ابنه الحاج الدلائي
الذي كانت له اطماع سياسية اكثر من دينية. فأقام جيشا للقضاء على الحركة العياشية
التي أصبحت تعتبر منافسا له. و بهذا, و أثناء رجوع العياشي من طنجة الى سلا ,وجد
الدلائيين و هم بقيادة محمد الحاج الدلائي مترصدين له بالطريق نواحي تادلة .و
استطاعوا ان يحشدوه الى قبائل الخلط فغدرو به و قتلوه ثم فصلو رأسه عن جسده و
حملوه الى سلا .و كان سقوط الحركة في شخص محمد بن احمد العياشي.
و هكذا كان
مقتل المجاهد السلاوي على يد الدلائيون سنة 30 ابريل 1641 تنفست على مقتل
العياشي القوى الاوربية الصعداء كما اغتنم الدلائيون نهايته ليمدوا نفوذهم نحو مصب
ابي رقراق. و عين محمد الحاج الدلائي ابنه عبد الله اميرا على مدن المصب في سنة
1651 و اتخد من قصبة الوداية مقرا له.
عرفت هذه
المرحلة من تاريخ المغرب الكثير من التشابك في المعطيات و التعقيد في الحياة
السياسية. الى جانب تعدد مراكز القوى و اصطدام بين القوى السياية المتعايشة
كما كان للقوى الاوربية ايضا تأثيرا اذ كانت تلعب دور تحريض هذه القوى فيما بينها.
معلمة المغرب ج 4 ص .6261