بقي البحث التاريخي للثورة الفرنسية حبيس الأقلام الأوروبية ،رغم أهميته وما أحدثه من تحولات شملت مختلف المجالات، سواء النظم السياسية والإجتماعية في القارة الأوروبية أساسا، وفي بقية العالم انذاك، ولم يعرف هذا الحدث إهتمام لدى مؤرخي المغرب أو المسلمين عامة، سواء في الفترة المعاصرة له أو في الفترة الحديثة. وقد عرفت الجامعة المغربية في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة فيما يخص البحث التاريخي حول الثورة الفرنسية، وفي هذا السياق يندرج عمل الدكتور عبد الحفيظ حمان وهو أستاذ بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان، الذي آختار موضوع أطروحته المغرب والثورة الفرنسية الصادر عن مؤسسة الزمن ،ظمن سلسلة شرفات، الطبعة الأولى ،لسنة 2002، يقع هذا الكتاب المستخرج من الأطروحة ، في 260 صفحة ، يظم مقدمة المؤلف تم المدخل المخصص لموقع المغرب في علاقته بالقارة الأوروبية، خاصة فرنسا، بالإضافة يتكون الكتاب من ثلاثة فصول.
- الفصل الأول: خصص لدراسة كيفية إطلاع المغاربة على حدث الثورة.
- الفصل الثاني خصص لدراسة موقف وعلاقات المغرب مع فرنسا الثورة اثناء الحملة الفرنسية على مصر 1801-1798
- أما الفصل الثالث فخصصه المؤلف لرصد ودراسة العلاقات المغربية الفرنسية خلال فترة حكم نابليون1801-1815
وفي الأخير يضم الكتاب بالإضافة إلى الخاتمة والبيبليوغرافيا ملاحق لعدد من الوثائق المهمة. وقد واجهة الكاتب عدة معوقات أثناء نسج خيوط كتابه ،خصوصا فيما يتعلق أساسا بندرة مصادر البحث ،فقد إعتمد بالأساس على المادة الخام التي توفرها الوثائق والمخطوطات الفرنسية في أرشيفاتها. وبدرجة أقل المصادر المغربية،ونحن بدورنا سنحاول مقاربة موظوع المغرب والثورة الفرنسية من خلال قراءة في كتابه، وبالتالي سنحاول الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسية خصصنا لكل واحد منها فصل ، وأسئلة أخرى فرعية ستظهر إتباعا في مثن الموضوع.
- كيف تعرف المغاربة على حدث الثورة ؟
- ماهو موقف المغرب من الحملة الفرنسية على مصر؟ وكيف تعامل المغاربة معها؟
- ماهي نوع العلاقات المغربية الفرنسية أثناء حكم نابليون بونابرت؟
الفصل الأول: تعرف المغاربة على الثورة
المبحث الاول : السياق وكيفية الإطلاع المغربي على حدث الثورة الفرنسية
تعتبر سنة 1789 سنة إندلاع الثورة الفرنسية ، غير أنها تمثل إشكالية مطروحة ، فهل تمكن المغرب في هذه السنة بالتحديد من الإطلاع على حدث الثورة الفرنسية؟
هذه الحقبة التاريخية تعتبر على الصعيد المغربي، فترة تحول وإنتقال الحكم إلى يد ثلاثة سلاطين فسنة 1789 تمثل أخر سنة لحكم السلطان سيدي محمد بن عبد الله، بحيث انه بعد وفاته آعتلى العرش إبنه اليزيد سنة 1790 ، ليدوم حكمه سنتين ويتسلم بعده السلطة أخوه المولى سليمان، سنة 1792 وفترته هي التي عاصرت التقلبات والمتغيرات السياسية والإقتصادية والفكرية، التي شهدها حوض البحر الأبيض المتوسط.
1 السياق التاريخي للعلاقات المغربية الفرنسية
ترجع بداية العلاقات بين المغرب وفرنسا إلى القرن 16 ، وبالتحديد 1533 عندما أرسل ملك فرنسا فرنسوا ألأول أول سفارة فرنسية إلى العاصمة المغربية فاس، برئاسة بيير دو بيتون ، تمثل غرض هذه السفارة في ربط علاقات دبلوماسية مع المغرب ، وإنحصرت أهدافها في محاولة الحصول في السواحل المغربية على ملجأ للسفن الفرنسية التي كانت تعترض سبيلها السفن البرتغالية والإسبانية ،في إطار الصراع والتنافس للسيطرة على أراضي ما وراء البحار بعد ظاهرة الإكتشافات الجغرافية ، والجدير بالذكر أن هذه الأهداف التي رسمتها أول سفارة فرنسية للمغرب ،وتحولت فيما بعد إلى مشروع سيطرة ،ظلت تراود السياسة الخارجية الفرنسية على طول الفترات الحديثة والمعاصرة.
وبعد هذه السفارة الأولى ،بدأت الخطوات ألأولى لتنظيم العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ففي سنة 1577 عينالملك هنري الثالث قنصلا فرنسيا في المغرب، هو غليوم بيرار بغية الإهتمام بقضايا الجالية الفرنسية المستقرة في المغرب.
وفي القرن 17 تم طرد أخر المسلمين من إسبانيا بالضبط سنة 1609 ، حيث إستقروا في المدن الساحلية المغربية ، كتطوان و سلا والرباط، وهو بمثابة إنطلاق عملية الجهاد البحري الكبرى للمغاربة ضد السفن الأوروبية وتبعا للأضرار الجسيمة التي ألحقها المغاربة بالسفن الأوروبية، تحتم على هؤلاء التفاهم والتفاوض مع القوى البحرية المغربية، ولم تكن فرنسا من جانبها بمعزل عن هذه القاعدة العامة ، حيث أن كل الإتفاقيات التي عقدتها مع المغرب منذ هذه الفترة حتى فترة الثورة الفرنسية لم تكن لها أهداف أخرى ، بصفة أساسية سوى المحافضة على أمن وسلامة التجارة والسفن الفرنسية وإطلاق سراح الأسرى الفرنسيين.
وبعد وفاة السلطان مولاي إسماعيل ، دخل المغرب في أزمة حكم دامت مدة ثلاثين سنة ، 1727_1757 تميزت بالأضطراب والعنف وعدم الإستقرار لأي ملك من الملوك السبعة من أبناء السلطان إسماعيل الذين توالو على العرشطيلة فترة ألأزمة. حيث كانت الكلمة الأخيرة في تعيين ملوك البلاد ترجع إلى جيش العبيد، وطيلة هذه الفترة وحتى سنة 1767 لم يكن لفرنسا أي ممثل رسمي في الساحة المخزنية.
وعندما تولى سيدي محمد بن عبد الله الحكم 1757_ 1790 استطاع تهدئة الأوضاع ، ووضع حد للتنافس على الملك ، وإستأنف العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا، وقد أرسلة فرنسا سفارة رسمية إلى المغرب برئاسة الكونت دوبرونيون إلى مراكش للامضاء معاهدة مع السلطان ، كان المغزى ألأساسي منها هو إلتزام السلطة المركزية المغربية ضمان سلامة وأمن التجارة والسفن الفرنسية
2 الإطلاع المغربي على الثورة الفرنسية
لعب دور المغرب الجغرافي دورا أساسيا في إطلاعه على ألأحداث الكبرى ، فهو يرتبط ثقافيا وتجاريا بالداخل الإفريقي، ومن الناحية الغربية أكتسب أهمية كبرى عبر المحيط الأطلسي منذ بداية ظاهرة الإكتشافات الجغرافية، ومن الناحية الشرقية اعتبر امتداد للعالم الإسلامي، ومن الناحية الشمالية يطل من جهة على البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارات الإنسانية وبؤرة الصراعات الدولية، وفي هذا المجال كان طبيعيا أن يتبادل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الدول الأوروبية ، ويكون له إحتكاك مستمر مع مجريات الأحداث الأوروبية والهزة السياسية والفكرية والإجتماعية التي أحدتثها الثورة الفرنسية، في فرنسا وفي القارة الأوروبية ، ماكان لها أن تمر دون أن يصل صداها إلى بلدان العالم الإسلامي وظمنها المغرب، وتجد من يطلع عليها سواء على مستوى النخبة الحاكمة أو فئة العلماء وكذالك الرأي العام.
وفي هذا السياق نتطرق إلى إبراز الكيفية التي بها آطلع المغرب على مستوى المخزن والعلماء والرأي العام على الثورة الفرنسية.فهل كان المغاربة بمختلف فئاتهم على دراية بما يجري في فرنسا ؟ وإذا حصل هذا الإطلاع هل كان إنطلاقا من السنة ألأولى للإندلاع الثورة 1789 ،أم تأخر وصول أخبارها لسنوات بعد ذالك؟
تمثلت سنة 1789 أخر سنة لحكم السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، وهي ذات السنة التي أرسل فيها القائد محمد الزوين في رحلة سفارية إلى كل من مدريد ونابولي والباب العالي، مع توقف في مدينة مرسيليا ، وقد عاد السفير المغربي في 10 يوليوز 1790 ، أي السنة الموالية للإندلاع الثورة الفرنسية، وقد إستقبله في مرسى الرباط المولى سليمان خليفة السلطان الجديد المولى اليزيد بمراكش ، وكان خبر وفاة السلطان سيديمحمد بن عبد الله قد وصل إلى القائد محمد الزوين وهو في بلاد العثمانيين.
إن المهمة الدبلوماسية التي كلف بها السفير المغربي دفعته للمكوث في الدولة العثمانية ، وخلال مقامه هذا وصلت إليه أخبار عن الثورة التي إندلعت في فرنسا ،وخصوصا أنه يتواجد في عاصمة الدولة الممثلة للعالم الإسلامي والتي تتابع ببالغ الأهمية أخبار الثورة الفرنسية، هذا من جانب ومن جانب أخر فإن مرور محمد الزوين بالعواصم الأوروبية ، مدريد ونابولي خصوصا مكوثه بمدينة مرسيليا مكنه بدون شك من الإطلاع على أوظاع فرنسا، وهي تعيش أشد لحظات الثورة وما أفرزته من متغيرات .ومن مهمة السفراء عند رجوعهم إلى بلدانهم ،لقائهم بالجهاز الرسمي وإعطاء تقرير عن مهمتهم الدبلوماسية
إذن يمكن إعتبار السفير أحد القنوات الأولى لأخبار الثورة الفرنسية إلى المغرب،ومن جهة ثانية أن السلطات الرسمية المغربية كانت على دراية بما يجري خارج المغرب من أحداث الثورة الفرنسية عند 1790،ومما يزيد في تعزيز هذا الإستنتاج ، هو أن السلطان اليزيد في السنة الموالية لحكمه ، اي سنة 1791 يطلع بواسطة القنصل الفرنسي دوريشي على تدشين العلم الجديد للثورة الفرنسية ذي ألألوان الثلاثة في دار القنصلية الفرنسية بسلا
إذن من خلال ما سبق يمكن التأكيد بأن السلطة المركزية المغربية كانت على إطلاع إبتداءا من 1790_1791 على المتغيرات الجديدة التي بدأت تفرزها احداث الثورة الفرنسية .
أما من جهة المؤرخين والعلماء الذين عاصروا هذه الفترة، فهل كانوا على إطلاع بهذه المتغيرات؟ وبالتالي هلحظيت هذه الأحداث بالإهتمام الفكري والسياسي الذي يليق بها،تعريفا ودرسا وموقعا في كتاباتهم؟
إن المؤرخين والعلماء الذين عاصروا هذه الفترة وشهدوا أحداث الثورة الفرنسية، ونذكر في مقدمتهم ، أبو القاسم الزياني و محمد بن عثمان المكناسي إلى جانب إهتماماتهم الفكرية ، شغلوا مناصب مهمة في الجهاز المخزني وقاموا بمهمات سفارية ، كلفهم بها كل من السلطان سيدي محمد بن عبد الله وخلفه المولى سليمان ، إلى مختلف البلدان الأوروبية والأقطار الإسلامية، سواء لتوقيع إتفاقيات وعقد معاهدات تجارية أو لتحرير الأسرى ، وبذالك إستطاعوا الإحتكاك بشعوب هذه البلدان ولقاء حكامها ،كما تمكنوا من الإطلاع على أحوالها وأوضاعها السياسية والإقتصادية.
إذن يمكن أن نستنتج من خلال كل هذه المعطيات بأن الفئة المثقفة من العلماء والمؤرخين المغاربة كانوا على إطلاع بأحداث الثورة الفرنسية ،ولكن لماذا لا نجد كتابات عن هذا الحدث في مؤلفاتهم سوى بعض الإشارات البسيطة عند البعض منهم
يمكن إرجاع سبب عدم ذكر أحداث الثورة الفرنسية وما ترتب عنها عند المؤرخين المغاربة ، هو إرتباط الكتابات المغربية في هذه الفترة بالفكر العربي ،بحيث أن الفكر العربي لم يكن يتعامل بصفة أساسية إلا مع مايجري داخل منظومة العالم الإسلامي ،ولم يكترث في كتاباته بما يجري في الدول الأوروبية أو دار الكفرخصوصا إذا كانت هذه الأحداث تشكل خطر على المستوى الإيديولوجي.
ومن زاوية ثانية وبصفة خاصة نرد هذا التقصير إلى العلاقة الكامنة بين هؤلاء المؤرخين وجهاز الحكم في المغرب ، فبعض هؤلاء المؤرخين شغل مناصب مهمة وحساسة في الجهاز المخزني، فكان طبيعيا أن يتجنبوا في كتاباتهم كل ما لايحبذه هذا الجهاز .فالسلطان سليمان من جهة لم يكن مرتاحا للثورة الفرنسية،بعد الشعارات الفاصلة بين الدين والدولة التي رفعتها، ومن جهة أخرى بعد إعدام الملك لويس السادس عشر 1793 الذي ترك صدى وإستياء عميق لذى السلطان المغربي، فعبر عن شعوره وردود فعله في رسالة مؤرخة في 22 رمضان سنة 1209، 3ماي 1793.جائة بعض فقراتها كالتالي: " لقد بلغني أن كل سلاطين أوروبا... جمعوا قوتهم واستعدوا لإعادة عرش فرنسا. إلى يد الملك الذي أغتيل بكل بشاعة... وأعلن أمام الملأ أنني أساندهم وأرغب أن ينفذوا ما عزموا عليه من أجل سعادة البشرية ...وبذلك فإنني مستعد للتعاون معهم في هذه المسألة ،كما أنني أمنع الدخول إلى أراضينا على كل هؤلاء الفوضويين والأوباش الذين لا يعترفون بعاهلهم الشرعي ".
إذن فآرتباط المؤرخين بجهاز الحكم في المغرب بالإضافة إلى هذه الإعتبارات جعلتهم يتحاشون تخصيص مجال في كتاباتهم للثورة الفرنسية،فهل كان لهذا تأثير على الرأي العام المغربي ؟
عبر القنوات التاريخية كان للمؤرخين والعلماء دور أساسي ومتميز في الحقل الديني والسياسي للمجتمع المغربي، وبذلك كانوا الناطق الرسمي والمعبر عن الرأي العام ، إذا وقفنا في البداية عن تاريخ إندلاع الثورة الفرنسية وقيامها ، لا يمكن لنا أن نحسم بصفة نهائية في إطلاع الشعب المغربي عن هذا الحدث نظرا للمبررات التالية.
عدم توفرنا على وثيقة أو نص واضح يمكن من خلاله الحكم بصفة مباشرة على أن حدث الثورة الفرنسية وجدله صدى لدى الرأي العام المغربي ، ثم إنعدام حظور هذه الثورة في كتابات المؤرخين والعلماء ،وكذلك توجه المغاربة وإنشغالهم آنذاك بالمتغيرات والأحداث السياسية التي تعرض لها المغرب إنطلاقا من 1789إلى سنة 1795 وقد تمثلت في وفاة السلطان سيدي محمد بن عبد الله وتسلم الحكم ولده اليزيد الذي شهدت فترة حكمه الوجيزة 1790_1792 فترة حروب، ليترك الأمر بعد ذلك في زمام أخيه سليمان الذي استمر في توطيد دعائم حكمه إلى غاية 1795 ، كل هذه الأحداث شغلت الرأي العام المغربي وجعلته محصورا في حدوده لا يبالي بما يقع خارجها.
المبحث الثاني : قنوات ومصادر الإطلاع
إن الإطلاع بأحداث الثورة الفرنسية ونتائجها لم يكن ليحصل لولا المصادر التي نقلته وعرفت به ويمكن تقسيم مصادر الإطلاع على أحداث الثورة إلى قسمين : قسم داخلي وآخر خارجي.
المصادر الداخلية : ويشمل هذا النوع من المصادر،السفراء المغاربة إلى أوروبا والبعثات المغربية في الفترة مابين 1789 و1815، بحيث ارسل المغرب بعثات سفارية الى فرنسا اختلفت مهامها ، ونوع أخر يتكون من التجار المغاربة الذي كان بعضهم يحمل رسائل من السلطان إلى فرنسا. وكذلك تمكن المخزن المغربي من الإطلاع على الأحداث التي أفرزتها الثورة الفرنسية وبالأساس المتعلقة بالحملة الفرنسية على مصر ومجرياتها ، من خلال ركب الحج المغربي ، فعن طريق الحجاج العائدين من الشرق تعرف المخزن على إستيلاء فرنسا على مصر ، هذا ما أكده حجاج منطقة سوس عندما رجعوا إلى المغرب في شعبان 1213 الموافق نهاية يناير1799 ليخبروا أنهم إلتقوا النصارى عشرة أيام قبل دخولهم مصر .
وما يعطي أهمية لهذا العنصر من الناحية الإخبارية، أن أفراد ركب الحج المغربي كان لديهم الوقت الكافي للاطلاع على مبادئ وأفكار الثورة التي حملها معهم الجنود والضباط الفرنسيين إلى مصر،وعند رجوعهم إلى بلدانهم يطلعون أفراد المجتمع المغربي على ما سمعوه أو رأوه أو خبروه عن الثورة بلإضافة إلى ذلك فقد بلغ تميز العلاقات بين المغرب ومصر إلى درجة التمثيل الدبلوماسي . حيث صار يوجد بمصر قنصلية مغربية تهتم بالنظر في أمور المغاربة بالقاهرة والإسكندرية،وقد وجد أول قنصل مغربي في مصر أواخر عهد السلطان سليمان .
فيمكن التأكد من أن الجهاز الدبلوماسي المغربي قد اطلع على أحداث الثورة الفرنسية من خلال حملة نابليون.
المصادر الخارجية: تمكن كذلك المغرب من التعرف على الثورة الفرنسية ومجرياتها من خلال مصادر خارجية متنوعة ومختلفة، وفي طليعتها نذكر الدولة العثمانية بآعتبارها مصدر إخباري رئيسي ، فبحكم تمثلها رمز القوة الإسلامية ،ولها إحتكاك وإتصال مباشر بأحداث أوروبا، كان لزاما عليها إحاطة ولاياتها العربية بكل ما يجري في الساحة الأوروبية وضمنها المغرب ، رغم عدم تبعيته للحكم العثماني ،نظرا للعلاقة المتميزة التي جمعت المغرب والدولة العثمانية في القرن 18 .
وقد عرفت الثورة الفرنسية وأفكارها بعض الرواج لها في الدولة العثمانية ووصلت الى قلب عاصمتها، بفضل المطبعة التي أدخلتها حكومة الثورة إبتداءا من 3 غشت 1795 إلى السفارات الفرنسية وعملت على نشر بيانات تهتم بموضوع الثورة وأحداثها، وقد ترجمت إلى التركية والعربية وتم نشرها في كل الأرجاء. وقد نشأ موقف عثماني أتجاه أفكار الثورة بحيث ان السلطان ارسل فرمانات الى ولاياته المجاورة للمغرب وكذلك مباشرة لسلطان المغرب المولى سليمان .فأحد البيانات النقدية الصادرة عن جهاز الحكم العثماني ،تبرز من جهة أفكار الثورة كونها تدعوا إلى المساواة وحرية الفكر والعقيدة،ومن جهة أخرى يحاول كشف خطرها بكونها تدعوا الى القضاء على الملوك ،وإشعال الفتن في الإمبراطوريات وإثارة شعوبها،وينتهي البيان بخاتمة نقدية لاذعة يصف فيها الثوار الفرنسيين بهذه العبارة..ينبحون كالكلاب.ويعوون مثل الذئاب.
ويبرز أحد الفرمانات الصادرة عن سليم الثالث المتعلق بالجانب الديني،فيعتبر الثوار ملحدين وزنادقة،لا يحكمهم دين ولا قانون،لأنهم إستحوذوا على ثرواة وأموال معابدهم، وطردوا رهبانهم،وعلماء دينهم،أما الكتب المقدسة فهي عبارة عن اكاذيب وتظليل.
شكلت إذن الدولة العثمانية مصدرا إخباري رئيسيا للمغرب حول الثورة الفرنسية وما تلاها من أحداث في البحر الابيض المتوسط.
لعبت كذلك الدوائر الدبلوماسية والقنصلية الأجنبية بالمغرب ،وخاصة منها فرنسا دورا هاما في تسريب المعلومات والأخبار عن الثورة الفرنسية والتغيرات التي شهدتها أوروبا والحوض المتوسطي.ومن جانبه لعب الجهاز القنصلي الممثل للدول الأوروبية والذي استقر في طنجة ابتداءا من 1795 ، دورا نشيطا في إخبار المخزن المغربي بأحداث أوروبا ونخص بالذكر هنا قنصل كل من بريطانيا و اسبانيا وفرنسا،من حيث التنافس الذي طبع سياساتهم ومحاولة كل واحد من خلال عمليات إطلاع المخزن على ماكان يجري في أوروبا التأثير عليه وكسبه إلى جانبه العنصر السابق كمصدر إخباري يمكن إضافة عنصر أخر يتمثل في الجالية الفرنسية المقيمة في المغرب, والتي إستقرت خصوصا في طنجة ، فعلى إثر الإنقلابات السياسية والفكرية التي عرفتها فرنسا إتجهت مختلف فئات الشعب الفرنسي إلى أوروبا وإلى مختلف بلدان العالم،ومنهم من لجأ الى المغرب . وكانت أغلب هذه الفئات تنحصر في رجال الدين الفرنسيين المعارضين لمبادئ الثورة، وكذالك بعض رجال السياسة المعارضين لسياسات الثوار و المنحازين للنظام الملكي ، الى جانب التجار الذين هددت الثورة مصالحهم،وبدون شك عند إستقرارهم بالمغرب كان لهم إحتكاك مباشر بالسكان ، فساهموا سلبا أو إيجابا في التعريف بأفكار الثورة والشعارات التي أعلنتها. وهناك عنصر دعائي أخر للثورة الفرنسية،ومبادئها وأفكارها ووسيلة لنشر أخبارها ونقصد بها الصحافة الفرنسية المطبوعة في فرنسا وفي خارجها باللغة الفرنسية،وفعلا بعد الثورة نشطت طباعة الجرائد في فرنسا وفي أوروبا،التي خضعت للإحتلال الفرنسي فتوسعت بذلك دائرة الدعاية للثورة ومستجداتها،لأن الدعاية كما قالت بعض الصحف المطبوعة بإيطاليا ،تتطلب أن نبذل كل جهودنا لجعل الأخرين يتمتعون بنفس السعادة ويتبنون نفس الأراء التي نتبناها نحن.
الفصل الثاني :المغرب و الحملة الفرنسية على مصر
عند اندلاع الثورة الفرنسية سنة 1789م, كانت انجلترا هي القوة البحرية الأولى في العالم حيث كانت تسيطر تجاريا و عسكريا على خطوط الملاحة في كل البحار و ضمنها البحر الأبيض المتوسط الذي كانت تتحكم في مدخله بمضيق البوغاز منذ استيلائها على جبل طارق سنة 1704م . و بما ان فرنسا كان غرضها الأساسي هو حمل أفكار الثورة و مبدئها الى باقي شعوب العالم, فقد تحتم عليها الاهتمام بحوض البحر المتوسط و نهج سياسة معينة لجعله بحيرة فرنسية تكون القاعدة للامتداد الثوري, خصوصا تجاه الظفة الجنوبية للمتوسط. كما كان لها غرض اخر و هو ضرب النفوذ البحري و التجاري لانجلترا المنافسة الأولى و المعارضة الرئيسية لنظام الحكم الجديد في فرنسا. غير أن توجهات فرنسا العسكرية في البحر المتوسط, لم تتركز على الجهة الغربية و انما أولت اهتمامها نحو الجهة الشرقية للسيطرة بالتحديد على مصر .
في سنة 1798 قامت فرنسا بشن حملتها على مصر . و أعلنت الدولة العثمانية بعدها الحرب على فرنسا بتحالف مع انجلترا . و عملت الدولة العثمانية في توسيع سلطتها القانونية و الشرعية على ولاياتها العربية في الشرق العربي و شمال افريقيا, كما قامت الدبلوماسية العثمانية بالاتصال بالسلطان المغربي , عبر مبعوثها الخاص و عبر الرسالة الرسمية من الخليفة العثماني الى المولى سليمان, طالبة منه, تحت الواجب الشرعي/ الديني, الانضمام الى الحلف العسكري و اعلان الحرب على فرنسا. فكيف كان رد و موقف السلطان المغربي من هذه الحملة ؟ و هل كان للمغاربة دور في هذه الأحداث ؟
1 - موقف المخزن المغربي من الحملة الفرنسية على مصر
في خضم الأحداث التي شهدها البحر الأبيض المتوسط كإفرازات لتطورات الثورة الفرنسية و المتمثلة بالخصوص في الحملة الفرنسية على مصر, وجد السلطان سليمان نفسه في مواجهة ثلاثة قوى لها وزنها في الساحة الدولية انذاك , تريد كل واحدة كسبه الى جانبها في صراعات البحر المتوسط. فانجلترا الحليف التقليدي للمغرب و أكبر قوة بحرية انذاك كانت ترمي الى توحيد جميع القوى الملكية ضد جمهورية فرنسا مستعملة دعاية مشوهة للثورة. وفرنسا التي تمثل قطب الرحى في التغيرات السياسية الجديد, كانت ذات علاقات متميزة مع المغرب طيلة الفترات التاريخية و أرادت في هذه الفترة بالتحديد المحافظة عليها و جعل المغرب منفذا بريا و بحريا لفك العزلة عليها في مصر.و الدولة العثمانية التي تمثل رمز القوة الاسلامية و لها ارتباط ديني بالسلطة المغربية.
وقد اختار السلطان المغربي المولى سليمان موقفا حيادي . فقد حافظ على علاقاته الجيدة مع جميع الأطراف المتنازعة , فهو من جهة أولى في علاقة جيدة مع انجلترا و يعتبر المصدر التمويني الأساسي لجبل طارق . و من جهة ثانية تربطه علاقات حسنة مع الدولة العثمانية بحكم الرابط الديني , و من جهة ثالثة حافظ على العلاقة القديمة التي جمعت فرنسا و المغرب مادام أن هذه الأخيرة لم تهدد مباشرة المغرب و لم تكن لها اطماع فيه خلال هذه السنوات.السبب في اتخاده لهذا الموقف هو الأوضاع الداخلية التي عاشها المغرب و التي لم تسمح له في الدخول فيحرب لا يعرف مدى عواقبها , و منها الطاعون سنة 1799 الذي ترك بصمة مهولة على المستوى الديمغرافي و الاقتصادي . كما أن مصالح بعض كبار التجار المغاربة المقربين للمخزن مهددة و بضائعهم و أموالهم محتجزة في فرنسا منذ قيام الثورة . و قد ترددت رسائل السلطان للمجلس التنفيذي يطلب فيها رد بضاعتهم و تعويض الخسائر. و عندما رأت حكومة الجمهورية الفرنسية أن المغرب لم يعلن الحرب عليهم استجابت لمطالب التجار المغاربة.
2 - دور المغاربة أثناء الحملة
ان كان موقف المخزن تجاه الحملة حياديا فقد كان موقف المغاربة العكس , فما كان للمغاربة أن يرضوا بالسيطرة المسيحية على أرض اسلامية. و هذا ما ترجمته خطب العلماء التي اعتبرت السيطرة الفرنسية على مصر اغتصابا لأرض اسلامية و عملوا على ايقاظ الحمية الدينية عند الشعب المغربي و حثهم على الجهاد و التطوع لانقاذ إخوانهم الرازحين تحت الاحتلال ''النصراني" . كما ترجمه موقف الحجاج المغاربة فقد أعلنوا مبدأ ''الجهاد أفضل من الحج".
و نجد أيضا دورا هاما للجالية المغربية في مصر , برز منهم علماء تزعموا حركات جهادية ضد الحكومة الفرنسية و أبرزهم الشيخ محمد الجيلاني و المغربي محمد.
كما أن ادوار المغاربة تعددت في هذه الحملة .فمنذ اللحظات الاولى لنزول القوات الفرنسية في مصر و بداية احتكاكهم مع السكان واجهتهم مشكلة تقنية و هي اللغة . و قد اعتمد بونابرت لحل هذا المشكل على المغاربة الذين فك أسرهم عند استيلاء فرنسا على مالطة(التي كانت قاعدة للقرصنة المسيحية ضد المسلمين) و ضم بعضهم الى صفوف الحملة. و في هذا الصدد يذكر لنا الدكتور عبد الحفيظ حمان على أن المؤرخ الجبرتي الذي عايش هذه الحقبة لاحظ عن المغاربة معرفتهم باللغات .
حيث لعب أحد المغاربة دور الوسيط بين المصريين و الجيش الفرنسي بعد هزيمة المماليك في معركة الأهرام 1798م سعيا لدخول سلمي من جانب الفرنسيين و سجل ذلك الجبرتي يقوله
" فاجتمع في الأزهر بعض العلماء و المشايخ و تشاورا فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة الى الفرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم, ففعلوا ذلك و أرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم و اخر صحبته, فغابا وعادا فأخبرا أنهما قابلا كبير القوم بونابرت و أعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانه و مضمونها استفهام قصدهم".
وبعد تدمير الأسطول الفرنسي في معركة أبي قير البحرية و فقدان جيش الحملة لأي اتصال بحري بينه و بين فرنسا نتيجة للحصار المفروض عليه من طرف الأسطول الانجليزي, ترتب عن ذلك نقص في الجند ,فعمد بونابرت الى تعويض هذا النقص بتجنيد بعض العناصر المحلية في جيشه, و شكل المغاربة احدى هذه العناصر.
و من هنا نرى أن المغاربة لعبوا أدوار متعددة في هذه الحملة فمنهم من جاهد ضد جيش الحملة , و منهم من لعب دور الوسيط بين المصريين و القوات الفرنسية , و أيضا نجد من قاتل جنبا الى جنب مع جيش بونابرت.
الفصل الثالث :علاقة المغرب مع فرنسا في فترة نابوليون بونابرت
استمر الجهاز القنصلي لفرنسا في فترة بونابرت بنهج نفس السياسة التي كانت مرسومة له في الفترة السابقة و على الأخص في عهد المجلس التنفيذي . فالى جانب دوره الدعائي و الاعلامي كان حريصا على تمتين العلاقات مع المغرب و المحافظة على استمراريتها حسب ما تتطلبه الظروف الدولية و الأحداث المنبثقة منها. و في نفس الوقت يعمل على ضرب السياسة الانجليزية لدى المخزن المغربي, و المراقبة المستمرة و الدقيقة لتحركاتها الدبلوماسية في الساحة المخزنية و العسكرية في بوغاز جبل طارق . لكن سرعان ما ستأخذ العلاقات بين المغرب و فرنسا بالتظهور في فترة تتويج نابوليون بونابارت امبراطورا. فقد بدأ اهتمام بونابرت بشمال افريقيا بعد تفرغه من الجهة الشرقية في الاتفاق الذي برمه مع روسيا القيصرية, و الذي ينص على محاربة الامبراطورية العثمانية في كل الأراضي الأوربية الخاضعة لها, و بهذا اصبحت منطقة شمال افريقيا و المغرب بالخصوص تحتل في نظره أهمية سياسية و استراتيجية لمنافسة انجلترا و الأخذ منها زمام التحكم بالبحر المتوسط. حيث أن موقعها الاستراتيجي سيساعده على اغلاق مدخل البحر الأبيض في وجه السفن الانجليزية و ضرب مصالحها التجارية و البحرية.
اسنكشفت اطماع بونابرت للمغرب بعد احتلاله لشبه الجزيرة الايبيرية سنة 1807م. فقد أصبح المغرب بهذا يجاور فرنسا ,مما سهل على بونابرت استعمال عدة اوراق بل و تهديده. فمن الناحية القانونية اهلت هذه الوضعية فرنسا احتلال الثغور المغربية التابعة للاستعمار الاسباني , و من جهة اخرى دفعت سياسة الحصار القاري نابوليون للضغط على المغرب للتوقف عن تموين مستعمرة جبل طارق و تقديم المساعدة لفرنسا ضد انجلترا. و بذلك يمكن القول , ان حرب اسبانيا خولت نابوليون الذي اصبح الحاكم المباشر لاسبانيا , الاهتمام بالمغرب و اتخاد سياسة محددة تجاه هذا البلد.
فمنذ بداية شهر ماي 1808م , أصبحت مراسلات بونابرت تهتم بالمغرب . فمن جهة أولى , طلب باعداد مذكرة حول الثغور المغربية التي تستعمرها اسبانيا. ومن جهة ثانية طلب نابوليون معلومات دقيقة حول مدينة طنجة و كيفية الولوج فرقة عسكرية خليج هذه المدينة. و أما من جهة ثالثة فقد راسل نابوليون السلطان سليمان و طلب منه ارسال التموينات للجيش الفرنسي المقيم في اسبانيا . و كل هذه الوقائع تدل على الاهتمام الذي اصبح يحتله المغرب في سياسة نابوليون بونابرت.
كان لابد ان يترك هذا التدخل الفرنسي في اسبانيا أثره في أوساط المخزن المغربي و المغاربة بصفة عامة. فعند الغزو الفرنسي للبرتغال سنة 1807م, انتشرت في المغرب اشاعات حول إحتمال غزو فرنسا للمغرب. و قد زود لنا الكاتب عبد الحفيظ حمان تسجيل المؤرخ ''الضعيف" لهذا الحدث الذي عاصره و الذي يقول فيه
" وفي هذه السنة 1222, قوي سلطان الفرنسيس و هو نابوليون بنابارطي و قهر أجناس النصارى و غلبهم و لا بقي مخالفا عليه الا اللنقليز, و أراد الخروج للمغرب و أتى بأجناس النصارى للبوغتز و الى طريفا و الخزيرات و صنع قنطرة من اللوح ليقطع عليه"...
كل هذه الأحداث و التحركات تدل على أن المغاربة كانوا على اطلاع بما يجري في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط منذ تدخل بونابرت في شبه الجزيرة الايبيرية . غير أن عدم ضبط الأخبار و المبالغة في نشر الاشاعات جعلهم يعيشون في هلع و ترقب و استعداد للجهاد ضد ''النصارى'' حتى لا يحدث لهم ما وقع باخوانهم في مصر.
و قد ساهمت انجلترا في نشر الاشاعات داخل الرأي العام في المغرب لاغتنام الفرصة و دفع المخزن المغربي لعقد تحالف معها , هذا التحالف الذي كانت تطمح اليه منذ الحملة الفرنسية على مصر . و عندما أحس المغرب بالتهديد المباشر لنابوليون فتح المجال للتعاون مع انجلترا و سهل لها عملية التمركز في بعض النقاط الاستراتيجية في المغرب. كما ان السلطان المغربي قبل هذه الأحداث كان يراسل الانجليز لمساعدته في تحرير الثغور المغربية المحتلة مقابل امتيازات تجارية في المغرب و امتيازات خاصة و هنا وعند اندلاع الأحداث الاسبانية استخدمت انجلترا هذه الورقة من أجل ضمان مصالحها العسكرية و الاقتصادية. فأظهرت استعدادها لقبول الاقتراح . و قد وضعت الحكومة المغربية ثقتها في المساعي البريطانية , غير أن هذه الأخيرة كانت ترمي في الواقع الى تحقيق هدفين . أولهما , كسب المغرب الى جانبها في اطار التحالفات الدولية التي تعقدها ضد فرنسا , و ثانيهما اغلاق بوابة البحر الأبيض المتوسط في وجه التحركات العسكرية الفرنسية و منعها من السيطرة على هذا البحر في اطار صراعات المتوسط التي جسدتها هذه الفترة.
بالرغم من الوعود التي قدمتها بريطانيا للمغرب حول سبتة , فان تطور الأحداث في شبه الجزيرة الايبيرية جعلها تدخل في اعتباراتها مصالح سياسية اخرى , ذلك أنها وجدت في المقاومة الاسبانية للاحتلال الفرنسي ورقة ايجابية لخلق الفتنة في صفوف الجيش الفرنسي , و بالتالي وضع صعوبات و عرقلات أمامه تمكنها من طرد فرنسا من شبه الجزيرة الايبيرية. و فعلا استطاعت المقاومة الاسبانية , بمساعدة انجلترا , من تحقيق نجاح كبير ضد جيوش نابوليون و هزمها في يوليوز سنة 1808م في معركة بايلن Baylen و طرد الفرنسيين من العاصدة مدريد عند ذلك فضلت انجلترا سحب قوتها و ترك سبتة تحت الحكم الاسباني . رغم أن انجلترا خلفت وعدها للمغرب فقد بقية العلاقة الجيدة قائمة مع بريطانيا تابع المخزن المغربي تموين جبل طارق و الجنود الانجليز هذا لصد التهديد الفرنسي.
بعد أن رأى بونابرت انحياز المغرب لبريطانيا أخد يرسل رسائل تهديدية للسلطان المغربي معطيا له خيارين اما أن يحافظ على العلاقات الحسنة مع فرنسا او أن يصبح عدوا لها. و يحثه عن الايقاف الفوري للامتيازات الممنوحة لانجلترا و الا سيرسل جيشه معبرا له بقوله " وبهذه القوات العسكرية نستطيع دحر أي هجوم أو انتقام من الذين يلحقون الأضرار بنا , سواء بطريق مباشر أو عبر حياد خادع" .
اعتبر السلطان هذه الرسائل مخالفة لأعراف الدولية و قرر عدم الاستجابة لمطالب نابوليون و تهديداته .فالظروف الدولية تلعب لصالحه ما دام أن القوة الفرنسية التي أرعبته و هددت شواطئه الشمالية لاقت الهزيمة في اسبانيا .
و يعود السبب الى اكتفاء نابوليون بالتهديد و ارسال بعثات دبلوماسية فاشلة للمغرب و عدم احتلاله للبلد هو انه كان مدركا أنه عليه محاربة الانجليز و القضاء على قوتهم البحرية ان اراد أن يجعل من المغرب مستعمرة تابعة لفرنسا , وهذا الدي لم يكن باستطاعته بعد كثرة الهزائم التي مني بها عند كل مواجهة بحرية مع الاسطول الانجليزي. و بذلك نعتبر هذا السبب هو العامل الأساسي الذي دفع نابوليون في هذه الفترة الى عدم تنفيذ اطماعه و مشاريعه الاستعمارية في المغرب .
بعد انهيار العهد النابوليوني و عودة الملكية الى فرنسا فتحت عهدا جديدا على الساحة الدولية الأوربية التي اشتعل فتيلها بسبب الثورة الفرنسية و بلغت أوجها في عهد بونابرت , و عادت أنظمة الحكم الملكية , التي ازاحتها الثورة الفرنسية , الى بعض الدول الأوربية, و الأهم من ذلك زال التهديد الفرنسي للشواطئ المغربية .
فكان على المولى سليمان ان يعقد صلاته مع النظام الملكي الفرنسي , و يعبر له على استئناف العلاقات الحسنة بين البلدين , و ذلك تبعا للسياسة الخارجية التي رسمها السلطان طيلة هذه الظروف الدولية الحرجة, و حاول خلالها أن تظل علاقاته مرتبطة و مستمرة مع كل القوى المتحاربة في الساحة الدولية حسب ما تمليه الظروف و الضرورة السياسية.
عرض من انجاز الطالبين سفيان العماري و جواد اومهرة بإشراف الأستاذ عبد العزيز الطاهري ، شعبة تاريخ وحضارة السنة الدراسية 2019/2018 كلية الأداب وعلوم انسانية جامعة محمد الخامس الرباط ، المغرب