معلومات عن مقال صورة المرأة في خطاب الممارسات السحرية الدينية بالمغرب
العنوان : صورة المرأة في خطاب الممارسات السحرية الدينية بالمغرب
المؤلف : عبد الهادي أعراب/ استاذ علم الاجتماع بجامعة شغيب الدكاليالمصدر : مجلة عمران للعلوم الاجتماعية. مجلد 7. العدد 26. سنة 2018
عدد الصفحات : 18
مقتطف من المقال
تسعى هذه الدراسة إلى " مسائلة صورة المرأة في خطاب الممارسات السحرية الدينية في المغرب، بالتوقف عند معطيات ودراسات ميدانية مقارنة. وهي فرصة لتحليل منطقها الذكوري التبريري الذي استطاع عبر سيرورة التاريخ أن يرسخها صورا غير قابلة لدحض في سياق ثقافي عامي وعالم على حد سواء. وتعالج الورقة أيضا العديد من الدراسات التي تناولت موضوع التدين في المغرب،ورسمت صورة المرأة بعيدة عن الالتزام بالشعائر الدينية، وفي المقابل متورطة في أعمال السحر وعبادة الأضرحة والمزارات".
من بين الصور السلبية العديدة حول المرأة بالمغرب، اخترنا الوقوف عند تلك التي تجعلها أشد ارتباطا بالسحر من الرجل، وأخرى تنظر إلى تدينها بنوع من الارتياب والتشكيك. ولعل واحدة من الأمثال العديدة والجمل المسكوكة والمُرسِّخة لهذه الصور، تعتبرها ذات دين منقوص، أو أن «سحرها يضاهي عمل الشيطان ذاته». تختلف الإجابات المُفسرة لهذا الربط القوي بين النساء وعالم السحر ولإقصائهن من دوائر التدين والمقدس، غير أنها عموما تتركز حول طبيعتهن النسوية وضعفهن السيكولوجي، والحال أنها تعبيرات خطابية لتبرير التفاوت بين الذكور والإناث، أكثر منها أجوبة تفسيرية للواقع الذي تعانيه النساء في صمت أو تواطؤ ثقافي. فالواضح عندنا أنها تنطوي على عنف رمزي ترسخه الثقافة عبر ترسیمات Schemes غير واعية ومحمّلة بعلاقات الهيمنة تهب للذكر ما لا تهبه للأنثى، بما يسمح لهذا العنف أن يجد فيها شروط استدامته وتأبيده.
من بين الصور السلبية العديدة حول المرأة بالمغرب، اخترنا الوقوف عند تلك التي تجعلها أشد ارتباطا بالسحر من الرجل، وأخرى تنظر إلى تدينها بنوع من الارتياب والتشكيك. ولعل واحدة من الأمثال العديدة والجمل المسكوكة والمُرسِّخة لهذه الصور، تعتبرها ذات دين منقوص، أو أن «سحرها يضاهي عمل الشيطان ذاته». تختلف الإجابات المُفسرة لهذا الربط القوي بين النساء وعالم السحر ولإقصائهن من دوائر التدين والمقدس، غير أنها عموما تتركز حول طبيعتهن النسوية وضعفهن السيكولوجي، والحال أنها تعبيرات خطابية لتبرير التفاوت بين الذكور والإناث، أكثر منها أجوبة تفسيرية للواقع الذي تعانيه النساء في صمت أو تواطؤ ثقافي. فالواضح عندنا أنها تنطوي على عنف رمزي ترسخه الثقافة عبر ترسیمات Schemes غير واعية ومحمّلة بعلاقات الهيمنة تهب للذكر ما لا تهبه للأنثى، بما يسمح لهذا العنف أن يجد فيها شروط استدامته وتأبيده.
وللتقدم في التحليل نؤكد ملاحظة منهجية اعتمدناها خلفية بحثية، سيساعد عرضها المقتضب القارئ على متابعة فكرتنا ومفادها أنه في الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية الكلاسيكية حدث جدل واسع بشأن العلاقة بين الأسطورة والدين والسحر، وبشأن الفرق بينها، وكذلك بشأن المقدس والمدنس (2). وقد تضمنت الدراسات الكولونيالية حول هذه الظواهر، كما تبلورت تاريخيا في التجربة المغاربية، غموضا كبيرا بسبب إسقاط مفهوم المقدس في المسيحية على التجربة الاجتماعية الإسلامية، وكذا بسبب غياب مناقشة دقيقة للعلاقة المعقدة والدينامية بين الطقوس الدينية والطقوس السحرية في هذه التجربة، إذ يمكن لفئة معينة من رجال الدين لا ينتمون إلى الإسلام الرسمي – أن يجمعوا على نحو غامض بين الوظيفة الدينية والوظيفة السحرية.
من ناحية أخرى نشير إلى أن بحثنا لا يعمّم الخطاب موضوع الفحص على جميع أصناف النساء. ففي التاريخ المغاربي والأندلسي، كتب السير مليئة بأسماء نساء فقيهات، قمن بدور ديني أساسي في حياة المؤمنين رجالاً ونساء، سواء بأفعالهن الخيرية - نذكر هنا فاطمة الفهرية التي قامت ببناء جامع القرويين بمدينة فاس في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي 265هـ/ 878م – أو بعلمهن في الفقه ونحوه. ونحن إذ نشير إلى هذه المسألة، فإننا نهدف إلى أخذ مسافة من الدراسات الكولونيالية النمطية المعممة. وبناء على هذه الملاحظات فإن بحثنا لن يخوض في هذه النقاشات، ولو أن لها علاقة وطيدة بالقضية التي نطرحها من ناحية الإطار المعرفي العام الذي يشملها، إنما سيركز، في المقابل، على الخطاب الذكوري بشقيه المعرفي والعامي، الذي صنع صورة نمطية للنساء المغربيات، عبر تناوله لعلاقتهن بمجالي الدين والسحر، وهي صورة دونية تظهر من خلالها المرأة أقل تدينا وأقرب إلى ممارسة السحر.
بالتوقف مثلاً عند الكتابات الأنثروبولوجية الكولونيالية التي طبعت مرحلة التأسيس للسوسيولوجيا بالمغرب، سنجد أنها لم تبد اهتماما كبيرا بالنساء على نحو مباشر، مؤسسة بذلك تقليدا سوسيولوجيا يقصيهن من دوائر المقدس الديني، فكل ما أنتجته حولهن كان من قبيل المصادفة العارضة، ما دام هاجسها الأكبر قد ارتبط بفهم وتحليل للبنيات القبلية للمجتمع المغربي، لذا تسجل الباحثة رحمة بورقية على هذا الصنف من الدراسات، إلى جانب وفائه للمشروع المعرفي للسلطة الاستعمارية، مركزيته الذكورية Androcentrique ، لأنه رغم أهمية المرأة في المجتمع القبلي، لم تحظ بما يكفي من الاهتمام موضوعاً للبحث في هذه الدراسات بل عملت في المقابل على ترسيخ صورة المضطهدة والمحجبة ضد نظرات الرجال، وهي الصورة النمطية المتداولة ذاتها عن الشرق وثقافته المميزة، مذكرة الغرب بماضيه البعيد ومراحله التاريخية المنصرمة. فروبير مونتاني مثلاً لم يفرد للمرأة موقعا خاصا في مؤلفه الأساسي (3)، باستثناء إشارات تتعلق بالعرف والمعتقدات الدينية والطقوس السحرية المحلية، وبالنسبة إلى إدموند دوتي، ظل الإسلام المغاربي متأرجحا بين جانب العبادة المغرقة بالممارسات المحتقرة للنساء تارة والاندماج في العبادات الإسلامية ) تارة أخرى؛ ولأن المرأة مُبعدة من القداسة، فإنها تجتهد في الارتباط بالسحر وتقديس قدراته المفارقة فيما يشبه ديانة ذات طبيعة دونية ...