عرف المغرب المريني في القرن 15 مجموعة من المشاكل الخارجية المتمثلة في الأطماع الايبيرية المتزايدة و بداية احتلال المناطق الساحلية كسبتة سنة 1415. كما عانت الدولة من مشاكل اخرى كالطاعون الأسود.و ازدادت سوءا بعد موت أقوى وزراءها الوطاسيين. مما جعل السلطان المريني عبد الحق بن ابي سعيد يوكل الوزارة لليهود. كان لهذا نتائج سلبية تمثل اخرها بقتل السلطان و كان هذا سببا من الأسباب المباشرة في انهيار الدولة المرينية . فكيف كان عهد عبد الحق الثاني المريني؟ و كيف ساهم اليهود في زوال المرينيين ؟
عهد عبد الحق بن ابي سعيد المريني (1420م-1464م)
كان عبد الحق هذا آخر ملوك بني مرين وأطولهم عهدا ، إلا أن المراجع لا تفيد شيئا كثيرا عن هذه الحقبة الطويلة التي تقارب نصف القرن. وقد تولى عبد الحق وهو بعد صبي لم يبلغ أكثر من سنة وحاول ابن الأحمر أمير غرناطة أن ينصب أميرا مواليا له ، ولكن أبا زكرياء يحيى الوطاسي تمكن من تثبيت عبد الحق ، وبذلك بدأ النفوذ الوطاسي يشكل في البداية مظهر الوصاية على العرش ليتحول فيما بعد إلى نفوذ مباشر شامل . وقد بذل أبو زكرياء جهودا قوية بفضل معونة الحفصيين في تونس سنة 830ه (1426م) لاستعادة سبتة ، ولكن هذه الجهود فشلت ، ثم استمرت تدخلات الحفصيين عن طريق قراصنتهم بعد ذلك من غير جدوى .
وفي سنة 846 تمكن أبو زكرياء من إخضاع قبائل الشاوية الذين كانوا قد قدموا إلى المغرب منذ عهد يعقوب المريني وتولوا المحافظة على مواشيه فأعطوا اسم الشاوية ، ولم يستطع عبد الحق أن يتخلص من وصاية أبي زكرياء حيث شغله بالملذات والملاهي عن شؤون الملك ، وقد دهي المغرب بوباء عظيم سنة 846 ه ترك الدولة عاجزة أمامه .
وفي سنة 852 تولى رئاسة الوزارة على بن يوسف الوطاسي خلفا لخاله أبي زكرياء المتوفي . فاستمر في مباشرة وصايته على السلطان ، ولكن التدخل الوطاسي طيلة 30 سنة من عهد عبد الحق ضد التوسع الاستعماري الأجنبي بالمغرب جعل الوطاسيين جديرين بما كانوا ينعمون به من نفوذ.
وفي عهد عبد الحق بدأت تتشكل قوى المقاومة الشعبية ضد الأجانب ، ولعب الصلحاء في هذه المقاومة أدوارا بطولية فيما بعد، كما خرجت مراکش عن طاعة السلطان وتشكلت فيها إمارة هنتاتية مستقلة .
نكبة الوطاسيين ووزارة اليهود تأدي بحياة سلطان:
توفي الوزير علي بن يوسف سنة 863ه ، فخلفه يحيى بن يحيى بن عمر الوطاسي الذي كان أقل مقدرة وكفاءة من سلفه، فأساء التدبير بإقصاء عدد من الولاة والضباط وكبار الشخصيات وتعيين آخرين مكانهم مما أحفظ صدر السلطان عبد الحق الذي استفاق أخيرا من غفوته بعد أن قضى أربعين سنة من عمره تحت حجز الوزراء الوطاسيين، ولم يقض يحيى بن يحيى في الوزارة سوى شهرين حتى اعتقل هو وأسرته وأعدموا ذبحا ولم ينج منهم سوى محمد الشيخ الذي لجأ إلى أصيلا يتحصن بها.
يبدو أن عبد الحق فقد ثقته في شخصيات بني مرين فعين يهوديين في حكومته وهما هارون وشاويل ، ثم عين على حجابته يهوديا آخر اسمه حسين ، وهو من يهود الأندلس الذين استوطنوا فاسا وسموا بالمهاجرین ودخل كثير منهم في الإسلام نفاق و سموا الإسلاميين (هذه العبارة اطلقت على اليهود الداخليين في الإسلام حديثا في عهد المرينيين). وتحكم هؤلاء اليهود في رقاب سكان فاس وخولوا للمهاجرين امتیازات واسعة أهمها احتكار التجارة في اسواق العاصمة ، وأرغم الوزراء اليهود الناس بالضرب والعقاب على أداء الضرائب . وبينما كان السلطان غائبا في إخضاع ثورة بناحية الغرب اعتدى الحاجب الحسين على امرأة من شرفاء الأدارسة بالضرب والإهانة ، فثار أهل فاس بزعامة خطيب القرويين عبد العزيز الورياكلي ، وخلعوا طاعة المرينيين ثم نصبوا أبا عبد الله الحفيد نقيب الشرفاء الأدارسة سلطانا وفتكوا بیهود فاس (ما عرف بثورة الجوطي) . وبينما كان عبد الحق عائدا إلى فاس بعد أن بلغه خبر هذه الثورة ، تفرق عنه معظم جنوده ثم قتل الباقون وزیره هارون .
"ثم قالوا للسلطان عبد الحق « تقدم أمامنا إلى فاس فليس لك اليوم اختيار في نفسك » . فأسلم نفسه ، وانتهبت محلته ، وفيئت أمواله وحلت به الاهانة، وجاءوا به إلى أن بلغوا عین القوادس خارج فاس الجديد ، فاتصل الخبر بأهل فاس و سلطانهم الحفيد فخرج إلى عبد الحق و أركبه على بغل بالبردعة و انتزع منه خاتم الملك و أدخله البلد في يوم مشهود حضره جمع كبير من أهل المغرب و أجمعوا على ذمه و شكروا الله على أخذه ثم جنب إلى مصرعه فضربت عنقه صبيحة يوم الجمعة السابع والعشرين من رمضان 869 ه" (1)
وبذلك تنتهي الدولة المرينية التي دامت في الحكم أزيد من قرنين و انتهت باعدام السلطان.
حركات إبراهيم، المغرب عبر التاريخ، الجزء الثاني، نشر وتوزيع دار الرشاد الحديثة، الطبعة الثانية 1994.