بعد أن دخل الأتراك الإسلام أصبحوا يشكلون جزء من النسيج الاجتماعي للدولة الإسلامية يتمتعون بكامل الحرية و حقوق المسلمين والتنقل بين بلدان دول الإسلام ، وقد كان هذا بعد مراحل وعوامل أدت إلى اعتناق الأتراك الإسلام. ولم يمر وقتا طويلا حتى أصبحوا يحتلون المناصب القيادية في مختلف مؤسسات الدولة، وأصبحوا يلعبون أدوارا مهمة في المجالات السياسية والعسكرية والحضارية طيلة مرحلة التاريخ الإسلامي. هذا الدور تنامى مع تنامي ضعف الخلافة العباسية، وأسس الأتراك عبر تاريخ الإسلام لأنفسهم إمارات ودول مستقلة، انتهت بخلق الإمبراطورية التركية العثمانية التي اصبحت دولة تركيا في ما بعد. و كانت مركز الخلافة الاسلامية وسيطرت على كل العالم الاسلامي تقريبا وجزء كبير من أوروبا وآسيا.
كيف دخل الترك الإسلام
بعد معركة القادسية 14 ه/ 635 م ومعركة نهاوند 20 ه/ 641 م تابع العرب المسلمون فتوحاتهم لبلاد الفرس والتقوا مع الأتراك عند نهر جيحون عندما كانوا يلاحقون يزد جرد الثالث آخر ملوك الساسانيين.
في عهد معاوية بن أبي سفيان بعث عام 41 - 60 ه/ 661 - 680 م عبيد الله بن زياد على رأس جيش ليفتح بخارى عام 53 ه/ 672 م حيث حقق انتصارا مهما وفرض على ملكها جزية سنوية مقدارها مليون درهم. لكن المسلمين وبعد مرور ثلاثة سنوات، عادوا إلى بخارى (وراء النهر بغرب جمهورية أوزبكستان الحالية) وتوسعوا في فتوحاتهم ووصلوا إلى بلاد الصغد (بطاجكستان) وسمرقند (بأوزبكستان). لم تستطع دولة الأتراك الكوك ترك التي عايشت هذا التوسع الإسلامي أن تتحرك لإيقافه وتقدم العون للعشائر التركية.
عرفت بلاد الأتراك استقرارا حقيقيا عندما تم تعيين الحجاج بن يوسف واليا على العراق عام 94 ه/ 712 م، حيث بدأت الفتوحات من جديد. قاد قتيبة بن مسلم جيشا كبيرا إلى خرسان، ومنها زحف إلى بلاد ما وراء النهر. في السنة الثانية فتح بخارى وفرغانه، وهاجم أمراء الاتراك الإيغور بالمنطقة سنة 95 ه/ 713 م. كانت هذه الحملات لتأمين حدود الدولة الإسلامية ضد غارات الأتراك من جهة الشرق. هذا الوضع ضل سائدا إلى حدود بداية القرن الثاني الهجري.
لكن فيما بعد هذه المرحلة سيتغير الوضع ويبدأ المسلمون يحكمون مناطق التركستان الذي يسكنها الاتراك حكما مباشرا منذ بداية القرن الثاني الهجري حتى بداية النصف الثاني من القرن الثالث الهجري (النصف الأول من القرن العاشر الميلادي). لقد تم الحاقها بولاية خراسان. كان حكام خرسان المعينون من طرف الخلافة الإسلامية يبعثون نوابا عنهم لحكم بلاد ما وراء النهر.
إلا أن هذا الوضع سيتغير كذلك عندما أسس السامانيون دولتهم واتخذوا بخارى عاصمة لهم سنة 261 ه/ 874 م. انطلاقا من هذا التاريخ سيقوم السامانيون بالتصدي لغارات الترك ، كما بذلوا جهدا مهما في نشر دين الإسلام كذلك داخل المجتمعات التركية.
عوامل انتشار دين الإسلام بين الأتراك
من بين العوامل المساهمة التي دخل بفضلها الأتراك الاسلام:
- الهجرة التدريجية للمسلمين إلى المناطق المفتوحة واستيطانهم بها، ونشرهم لمبادئ الإسلام وقيمهم الحضارية السمحة التي كانت تعتبر نموذجا للمدنية والتحضر فدخل عدد من التركمان الاسلام .
- التبادل التجاري بين المسلمين والترك. يذكر المقدسي أن التجار المسلمون كانوا يجلبون من بلاد الترك ثياب التركستان والجلود والقسي الجيد، ومن سمرقند الديباج، ومن فرغانة الرقيق الترك وآلات السلاح والسيوف والنحاس. كما كان لهم دور مهم في نشر الإسلام وتياراته الفكرية والعقائدية والروحية في تلك البلدان و دخل العديد من الاتراك الإسلام في هذه المرحلة .
- الجماعات الصوفية: قامت بنشر دين الإسلام بين الأتراك بالمناطق المفتوحة حيث رافقت منذ البداية الفتوحات الإسلامية.
- كما كان للمدارس المستقلة دورا مهما في نشر دين الإسلام في خرسان وفي ما وراء النهر خلال القرن الثالث الهجري. ويذكر القزويني "أنه عندما دخل الإسلام بلاد ما وراء النهر حرص أهلها على بناء الربطات وعمارة الطرق والأوقاف، ولم تكن هناك قرية ولا مغارة إلا وفيها من الربطات العدد الكثير".
- مسلمي خوارزم: ساهموا في تأسيس المستعمرات الإسلامية بالقرب من نهر سيحون، كما قاموا بنشاط مهم في اتجاه الغرب والشمال، أي المناطق التي كانت معمرة من طرف الخزر وبلغار الفولجا الذين كانوا أكثر احتكاكا بالحضارة الإسلامية.
- بتصرف من محاضرة الأستاذ عبد الحي الخيلي استاذ تاريخ المماليك و العثمانيين و تاريخ الشرق الأقصى في جامعة محمد الخامس الرباط