يُعدُّ كتاب "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" للمؤرخ والمفكر التونسي هشام جعيط واحدًا من أبرز الدراسات التي تتناول الفتنة الكبرى، وهي واحدة من أكثر الفترات تأثيرًا في تاريخ الإسلام. يُركّز الكتاب على فهم الجوانب العميقة للأحداث التي قسّمت الأمة الإسلامية وأدت إلى انشقاقات سياسية ودينية ما زالت تلقي بظلالها على الوعي الإسلامي حتى اليوم.
موضوع الكتاب
يتناول هشام جعيط الفتنة الكبرى باعتبارها لحظة فاصلة في تاريخ الإسلام، حيث تداخل الدين والسياسة بشكل لم يسبق له مثيل. يشير جعيط إلى أن الفتنة لم تكن مجرد صراع على السلطة بل كانت أيضًا ساحة لتأويلات دينية متضاربة. كل طرف من الأطراف المتنازعة كان يسعى لتوظيف الدين لتحقيق مكاسب سياسية، مما أدى إلى تقسيم الأمة إلى طوائف متناحرة مثل السنة والشيعة والخوارج.
التحليل العميق لجذور الانقسامات الدينية والسياسية:
يقدم جعيط في هذا الكتاب دراسة مفصلة لجذور الانقسامات التي نشأت خلال الفتنة الكبرى. ويبين أن هذا الصراع لم يكن مجرد نزاع سياسي، بل كان تجسيدًا للجدل بين الدين والسياسة في الإسلام المبكر. الكتاب يعرض كيف أن القراء (الخوارج لاحقًا) كانوا يعتقدون بأنهم يقاتلون في سبيل تطبيق أحكام القرآن، لكن مع مرور الوقت، وتحديدًا مع بروز معاوية، تحول الصراع إلى نزاع على السلطة.
الفتنة الكبرى وتأثيرها على الفكر الإسلامي الحديث:
يُبرز هشام جعيط كيف أن آثار الفتنة الكبرى ما زالت تتجلى في الجدل المستمر حول العلاقة بين الدين والسياسة في العالم الإسلامي. يشير جعيط إلى أن هذا الجدل تجدد في العصر الحديث مع إلغاء الخلافة العثمانية، وتوالت المحاولات لتحديد دور الدين في السياسة، ما بين دعاة علمانية الدولة وأنصار إسلامية الحكم.
يُعتبر كتاب "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" مرجعًا لا غنى عنه لفهم الجذور التاريخية للانقسامات الدينية والسياسية في الإسلام. من خلال هذا الكتاب، يقدم هشام جعيط تحليلًا معمقًا لمرحلة مهمة في تاريخ الإسلام، ويضع بين يدي القارئ أدوات لفهم العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة، ليس فقط في الماضي بل في سياق الأوضاع الحالية.