تاريخ التاريخ : المدرسة الماركسية أحد المدارس والتيارات التاريخية
المدرسة الماركسية هي أعظم ثورة فكرية أثرت في الكتابة التاريخية، وذلك لجمعها بين العلم والأخلاق، وبين النظرية والتطبيق، وبين تفسير العالم وضرورة تغييره. ولا يوجد فرع من فروع المعرفة من فروع المعرفة الإنسانية والاجتماعية لم يتأثر-إن كثيرا أو قليلا- بالماركسية.
لقد شهدت أوروبا منذ أواسط القرن التاسع عشر هزات اجتماعية وسياسية عنيفة ناجمة عن رواج مفاهيم الديمقراطية والتحرر، وعن تناقضات الاقتصاد الرأسمالي، فانطلقت الماركسية في بدايتها انطلاقة قوية، وتحولت إلى شبح مخيف بالنسبة للحكومات البورجوازية، إلا أن هذا الفكر الماركسي فقد البعض من وهجه الثوري بعد موت مؤسسه كارل ماركس سنة 1883 ، إذ حدثت بعض التطورات في المجتمعات الصناعية الأوربية سارت في الاتجاه المعاكس لمقولات الماركسية. وسيعرف رواجا أكثر بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة عندما تحولت أوروبا الوسطى والشرقية والصين إلى الاشتراكية، وتبنت بعض مجتمعات العالم الثالث الماركسية.
ومن الصعب جدا تلخيص أفكار هذه المدرسة في فقرات معدودة، لكن الضرورة تحتم الإشارة إليها. فأهم كتاب ألفه كارل ماركس هو "رأس المال" سنة 1867 ، وهو من أعظم التحاليل العلمية لآليات النظام الاقتصادي الرأسمالي. ويؤكد المؤرخ الرأسمالي البعد التاريخي للإنسان القائم على التغير المتواصل، وقطع مع صور الإنسان الموروثة منذ زمن بعيد، وهي صورة الإنسان ذي الجوهر الثابت المستقل عن الزمان والمكان. بمعنى الاهتمام بالتاريخ طويل المدى وإدراج أي حدث ضمن المسيرة الإنسانية منذ فجر التاريخ، وإيلاء أهمية للمتحول والمتغير على حساب ال راكد والثابت، ا وعتبار عدم وجود اقتصاد سياسي أو تاريخ أو جغرافيا أو علوم قانونية مستقلة، إنما يوجد علم واحد هو علم التاريخ، وهو علم تاريخي، وجدلي ووحيد وموحد، يهم المجتمع بصفته كلا "Une totalité". كما يقوم بإسناد دور هام للعامل الاقتصادي في صنع الأحداث التاريخية، وتحقيب التاريخ الإنساني بالاعتماد على أنماط الإنتاج لا بالاعتماد على السلالات الحاكمة أو الحضارات. إلى جانب الاهتمام بدور الجماهير في صنع التاريخ، وبكل الذين غيبهم المؤرخ ون عن قصد أو عن غير قصد من عمال وحرفيين وعبيد ومزارعين ومشردين...1
ولا تنجو هذه المدرسة بدورها من بعض الانزلاقات، مثل وضع النتيجة مسبقا والبحث لها في الأرشيف والمراجع عن حجج وأدلة، وتحول العلموية إلى جمود عقائدي كما فعل ستالين عندما فرض لوحته الخماسية الشهيرة التي ترى أن كل مجتمع يمر بمراحل إلزامية وهي: المشاعية البدائية، ثم العبودية، والفيودالية، ثم الرأسمالية، ثم الاشتراكية.
ولعل أحسن ما نختم به هذه المدرسة هو ما قاله إنجلز في رسالة إلى أحد أصدقائه بتاريخ 11 مارس 1895 :"... ليست النظرية التي جاء بها ماركس مذهبا وإنما منهجية، ولا تمدنا بمقولات دغمائية جاهزة، وإنما بمنطلقات لدراستنا اللاحقة وبالمنهجية الضرورية لأبحاثنا" 2
وخلاصة القول، إن ظاهرة التنوع في المدارس التاريخية مستمرة ولا حد لها لكن لضيق الوقت اكتفينا بذكر هذه المدارس من باب تقريب الحقائق.
.129 - 1( التيمومي الهادي، المدارس التاريخية الحديثة، م س، ص. 127
. 1( نفسه، ص. 140
حبيدة محمد، المدارس التاريخية من المنهج إلى التناهج، الرباط، دار الأمان،
التيمومي الهادي، المدارس التاريخية الحديثة، بيروت، دار التنوير للطبع، 2013
سعاد زبيطة،محاضرات في مدخل لدراسة التاريخ بكلية الأداب و العلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة ، المغرب