ظهرت مجموعة من الحركات السياسية والثورات التي قامة ضد الدولة العباسية . فسقوط الدولة
الأموية المتهالكة وقيام العباسية الفتية والقوية لا يعني غاية الاندفاع السياسي
والاجتماعي، فقد ازدادت الاضطرابات والثورات وظهرت حركات سياسية تدعوا بالإطاحة بالدولة العباسية داخل وخارج الأسرة العباسية و في مختلف مناطق الدولة الإسلامية. وسنحاول في هذا الموضوع ذكر معظم هذه الحركات و الثورات.
1-
حركات الانشقاق العباسي:
حركة عبد الله بن علي العباسي: عم الخليفة المنصور الذي خرج عليه في الشام فقد ثار على خلافة المنصور وكان قائدا للجيش المتوجه إلى بيزنطة وبوفاة السفاح دعا إلى نفسه وخلع بيعة المنصور فبعث إليه المنصور أبا مسلم الخراساني لمحاربته فهزمه فقر إلى البصرة واختفى عند أحد أقاربه حتى قبض عليه المنصور فسجنه إلى وفاته سنة .(764/147)
-2 حركات المقاومة العلوية:
تعود جذور
الحركات السياسية العلوية إلى العهد الأموي حيث انقسموا إلى حركات متطرفة ومعتدلة
مثل المتطرفة الكيسائية الذين ادعوا اتباع محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب ثم
ابنه عبد الله أبو هاشم وعرفوا بالهاشمية | وانتهى أمرهم بالتحالف مع العباسيين،
والمعتدلة مثلها الزيدية أتباع زید (122/740م)
بن علي بن
الحسين وهم أعدل طوائف الشيعة، وقد خفت هذه الحركات وغيرها اثناء الدعوة العباسية
لتحالفهم معها ضد الأمويين و تشتت زعاماتهم ولكن بنجاح العباسيين في إقامة دولتهم
خاب أمل العلويين وعادوا بقوة للمطالبة بحقهم في الخلافة بكل السيل الممكنة فكانت
عدة ثورات أبرزها:
-حركة محمد بن
عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس
الزكية:
حركة سياسية بدأت سنة ( 762م/145 ) بالمدينة
المنورة وكانت من أخطر الحركات العلوية على العباسيين على يد محمد النفس الزكية
الذي سعى إلى الخلافة منذ عهد الدعوة العباسية ضد بني أمية، وبقيام الخلافة
العباسيين دون العلويين لم يبايع السفاح ولا المنصور واستر عنهم خوفا منهم فقبض
على أهل بيته فقتلوا فخرج للناس وثار على العباسيين، فسيطر على المدينة المنورة
ومكة والبصرة وجزء من بلاد فارس فحذره المنصور من مسعاه فرفض الرجوع عن ثورته فبعث
إليه جيشا ضخما تمكن من هزمه وقتله فانتهت حركته. 2- حركة إبراهيم بن عبد الله بن
الحسن: وهو أخو النفس الزكية ثار بالبصرة سنة (762م/145) سعت حرکتنه كذلك إلى
الخلافة و انتهت في نفس السنة بمقتل قائدها على يد العباسيين.
- حركة الحسين بن علي العابد بن الحسن بن الحسن بن علي:
حركة علوية
خرجت في المدينة ومكة، كانت تريد الخلافة، استطاع الخليفة الهادي القضاء عليها في
معركة فخ الشهيرة (قرب مكة) عام (169-785) التي تشتت فيها أكثر البيت العلوي أفلت
من هذه المعركة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن فوصل إلى المغرب الأقصى وأسس
دولة الأدارسة. 4- حركة يجي بن عبد الله بن الحسن بن الحسن سنة (793م/176): و کانت
ببلاد الديلم والذي أرهق الخلافة فترة من الزمن لكثرت جموعه و اشتداد شوكته حتى
احتالوا عليه بالأمان والصلح فألقي عليه القبض وسجن إلى غاية وفاته.
3- حركات
الزنادقة:
وهي حركات
سياسية ودينية سعت إلى القضاء على الاسلام والكيانات السلامية و تصادفت مع الدولة
العباسية أبرزها:
- حركة سنباذ
المجوسي:
حركة سياسية
ودينية قادها سنباذ والذي ظهر بعد قتل أبي مسلم الخراساني سنة ( 755/137 ) على يد
الخليفة المنصور، فطلب ثأره وخرج على الخلافة بنواحي أصفهان وتسمى ب"فيروز
أصبهين"،
وكان مجوسيا وكذلك أتباعه، وقال بأن أبا مسلم الخراساني لم يمت وبأن أمر الإسلام
إلى إدبار، ووعد أتباعه بدم الكعبة، وتبعه خلق كثير جدا، فقد كان عدد من قتل معه
على يد جند الخليفة المنصور حوالي ستين ألف ولم تزد أيامه عن سبعين يوما فكفى الله
المسلمين و العباسيين شره.
- حركة إسحاق
ترك: (137-140*7557-757)
حركة سياسية ودينية ظهرت بخراسان بعد قتل أبي
مسلم ايضا وتسمى زعيمها بذلك لدخوله بلاد الترك، ويسميهم الأديب ابن النديم
المسلمية نسبة إلى أبي مسلم الخراساني، قالوا بإمامة أبي مسلم و بنبوته و بأنه لم
يمت وسيعود ويقيم الدين وينقذ الناس من الظلم، انتهى أمرها في خلافة المتوكل (232-847/247-861).
-
حركة الراوندية:
حركة سياسية
ودينية ظهرت سنة (758/141) وقد خرجت على الخليفة المنصور مدينة الهاشمية، وهم من
أتباعه من أهل خراسان يقولون بتناسخ الأرواح، ويزعمون أن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم
هو المنصور، وجعلوا يطوفون بقصره و يقولون: "هذا قصر ربنا"، فقد قالوا
بألوهية أبي جعفر المنصور الذي لم يقرهم على هذا فقاتلوه، فمكنه الله منهم وقتلهم
عن آخرهم، وفي قولهم بألوهية المنصور ثم مقاتلته تناقض صارخ يحتاج إلى كثير من
البحث لإظهار حقيقة مثل هذه المذاهب ودوافعها.
- حركة المقنع الخراساني: (159-776/163-780م)
حركة سياسية ودينية ادعى زعيمها
الألوهية، وإحياء الموتى وعلم الغيب، والنبوة وقال بتناسخ الأرواح وقصد بذلك نفسه،
بأن روح الله حلت في الأنبياء ثم في بعض آل علي ، وأبي مسلم الخراساني ثم حلت فيه،
وقال بأن أبا مسلم الخراساني أفضل من النبي ، فاتبعه أناس كثيرون فكانوا يسجدون
له، وكان لا يسفر عن وجهه لأصحابه، فلذلك قيل له المقنع، وكان يتعاطى السحر يخل به
على أتباعه فكان يخيل هم قمرا ثانيا، يقول في هذا الشاعر والفيلسوف أبو العلاء
المعري (1057/449 ) في إحدى قصائده:
أفق
إما البدر المعمم رأسه
ضلال وغي مثل بدر المقتع
فاستغوى بكل ذلك أهل العقول الضعيفة واستمالهم
إلى مقالته، فبعث الخليفة المهدي في طلبه ففر إلى ما وراء النهر وتحصن في قلاعها،
وجمع فيها من الطعام وبث الدعاة في الناس، فألح الخليفة المهدي في طلبه فحوصر فلما
اشتد الحصار عليه و أيقن بالهلاك جمع نساءه وأهله كلهم وسقاهم السم فماتوا عن
آخرهم وأحرق كل من في القلعة من دواب وثياب وطعام، وألقى نفسه في النار لئلا يلقى
جسده العباسيون، واقتحم العسكر القلعة فوجدوها خالية وكان ذلك مما زاد في افتتان
من بقي من أصحابه بما وراء النهر، فقد كان وعد أتباعه أن روحه ستتحول، وأنه يعود
إليهم بعد كذا سنة، ويملكهم الأرض، فهم ينتظرونه ويسمون المبيضة وهم ما وراء
النهر.
- حركة بابك
الخرمي:
حركة سياسية
ودينية كانت ما بين سنتي (201-817/222-837)
قادها بابك الخرمي الذي خرج على العباسيين وعلى الإسلام وقال بالتناسخ
وبأنه إله، وبإباحة المحارم على دين مزدك (ت 529)، وكان ابتداء خروجه سنة (817/201)
في خلافة المأمون، فحارب وغلب على أذربيجان وما جاورها، وأراد أن يقيم عقيدة
المحوس، فهزم جيوش الخلافة العباسية في عدة وقائع حتى ارعب الناس رعبا شديدا
واحتوى إليه القطاع وأصحاب الفتن وتكاثفت جموعه حتى بلغ فرسانه عشرين ألفا، سوى
الرحالة وأخذ ينگل بالناس، فكان أصحابه لا يدعون رجلا ولا امرأة ولا صييا ولا طفلا
مسلما أو ذميا إلا قطعوه وقتلوه، وكانوا يرتكبون الفاحشة بنساء الناس أمام أعينهم،
وأحصي عدد القتلى بأيديهم فكانوا أكثر من مائتي ألف، واستمر شره فأنفق المأمون
والمعتصم ما لا يحصى من الأموال في حربه، حتى ظفر به المعتصم سنة (837/222 ) فحاکمه
وقتله.
4- حركات
الخوارج
لم يجد الخوارج
بالمشرق موطئ قدم ثابت طوال العهد الراشدي والأموي بالرغم من قوتهم وكثرتهم
(الأزارقة مثلا) بفعل الجهد المحمود الذي بذله علي بن أبي طالب ثم الأمويون (خاصة
واليهم الحجاج بن يوسف) في محاربتهم و بالرغم من ضعف بني أمية في اخر عهدهم إلا أن
الخوارج اهزمت فلولهم المتبقية أمام آخر الخلفاء مروان محمد الأموي و تشتتوا في
الأمصار، منها المغرب وخراسان واليمن وعمان هذه الأخيرة التي أقاموا بها إمارة،
ومع قيام الخلافة العباسية نظر إليها الخوارج نظرة عدائية لا تختلف عن نظرهم
للأمويين ولم تمض فترة طويلة حتى ثاروا عليهم في عدة مناطق کالجزيرة الفراتية
(إقليم بين العراق وسوريا وتركيا) بقيادة بريكة بن حميد الشيباني و في عمان التي
استقروا بها منذ نهاية العصر الأموي و استطاعوا أن يجدوا بها أتباعا وشوكة
لطبيعتها الجبلية والصحراوية ما مكنهم من النجاة من ضربات العباسيين المتوالية
الساعية إلى إخراجهم منها (عمان) في عهد السفاح وظل الخوارج بالمنطقة اسميا فقط
تحت سلطة العباسيين واشتدت ثوراهم وكثرت أيضا في عهد هارون الرشيد خاصة بالموصل
التي قصدها بنفسه سنة (180*/796م) لاجتثاثهم بنفسه وثاروا مجددا بقوة بالجزيرة
الفراتية حتى اجتهد الرشيد في قتالهم كحركة الوليد الشاري الذي ظهر سنة (793/177
م) وحب الكثير من المدن ووصل إلى أذربيجان وأتعب الخلافة إلى سنة .(795/189)
وقد خفت
حركاتهم بعد ذلك، ومن تحركام في العصر العباسي الثاني مواجهتهم لجيوش الخلافة
بالموصل سنة (2896283)، وكان قائدهم هو هارون الشاري الصفري، ولكنها كانت حركة
ضعيفة سهل على الخلافة اقتلاعها بعد القبض على قائدها وصلبه .
5- حركة
القرامطة:
حركة سياسية
ودينية منحرفة ظهرت في خلافة المعتمد على الله الذي لم يكد يلتقط أنفاسه من بعد
ثورة الزنج حتى واجهته حركة أخطر من الأولى زعمت كذلك النسب إلى آل البيت، وكانت
بداية ظهورها سنة (891278)، وسموا بالقرامطة نسبة إلى رجل يقال له کرميتة ثم خفف
فقالوا قرمط، وكان مذهبهم ظاهره | الرفض وباطنه الكفر، وقد كانت حركة معقدة قوية
النفوذ بدأت بداياتها من جنوب العراق ثم استفحل أمرها و تفاقم الحال كما وأكدرت
عيش الخلفاء، جزمها لجيوش الخلافة عدة مرات، وكادوا - القرامطة - أن يدخلوا بغداد
سنة ( 927/315 )، وعطلوا مصالح الناس الدينية والدنيوية، كقطعهم طريق الحجيج
والفتك بهم، فتوقف حج أهل العراق وغيرهم بسببهم عدة مرات، وآل هم الأمر إلى أن
دخلوا المسجد الحرام سنة (2929317)، في أيام الحج و سفكوا دماء الحجيج، فاستشهد
خلق كثير، ثم قام قائدهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسين الجنابي المعروف بأبي
طاهر القرمطي بقلع الحجر الأسود وأخذه معه، ولم يبطل الحج منذ كان الإسلام إلا هذه
السنة، وأعادوا الحجر سنة ( 950/339 )، واستمروا في مواجهة العباسيين وترهيب
المسلمين حتى كانت نهاية أمرهم سنة ( 1077/470 ) على يد العباسيين بعد حروب طويلة
أنهكتهم مع العبيديين والقبائل العربية في البحرين.
6 - حركة الزنج (256-870/270-884):
حركة سياسية عنيفة قادها رجل خرج بالبصرة سنة ( 870/256 )،
زعم أنه من آل البيت كذبا، والتف حوله خلق من الزنج الذين كانوا يعملون بالسياخ،
ولهذا عرفت حركته بحركة الرنج وسمي هو بصاحب الزنج واسمه | الحقيقي هو علي بن محمد
بن عبد الرحيم، وكذلك عرف باسم دعي آل علي و أيضا بالخبيث، وكان يدعي الكرامات
فتبعه الجهلة من الطعام وطائفة من الرعاع العوام، وقد عاثت هذه الحركة في العراق
فسادا، من ذلك دخولهم البصرة سنة (2871/257 ) وإبادهم لأهلها فقد ذكر العلامة
السيوطي أنهم قتلوا في يوم واحد ها ثلاثمائة ألف، ولما أرهجوا البلاد وعجز القادة
عن أجتثاثهم خرج إليهم الموفق أخو الخليفة المعتمد بالله (256892-870279 ) بنفسه
في جيوش عظيمة، واجتهد في محاربتهم إلى أن مكنه الله منهم سنة (884/270 ).
7-
حركة الباطنية الحشاشون:
وهي إحدى حركات
الشيعة الأكثر تطرفا و اجراما، ظهرت أفكارها منذ القرن (93) في عدة مناطق بالمشرق
والدولة العبيدية بالمغرب ثم المشرق والحشاشون في قلعة ألاموت ببلاد فارس بقيادة
الحسن الصباح الذي روج لفكرة الأمام المستور وأنه نابه وينقل المعرفة عنه، وأن لكل
نص معنی ظاهر ومعنی باطن وقد نظم حركته تنظيما دقيقا و محکما، على رأسها داعي
الدعاة ونائب الامام المستور ويسمى في الشام شيخ الجبل والمرتبة الثانية كبار
الدعاة والثالثة الدعاة والرابعة الرفاق والخامسة الضراوية أو الفدائيون وهم الفئة
المسلحة المستعدة للقيام بالأعمال والتضحية في سبيل الدعوة والسادسة اللاصقون
والسابعة المستجيبون وهم عامة الناس المؤيدون للدعوة وقد استعملت أسلوب العنف
والاغتيال للنيل من أعدائها، واغتالت عدة قيادات بارزة أشهرهم الوزير السلجوقي
نظام الملك (ت 1092,485 م)، والخليفتين المسترشد (512-1118/529 -1135)، والراشد ،
وكادوا يغتالون صلاح الدين الأيوبي وانتهى أمرهم على يد المغول سنة (1257/655).
8 - حركة
التمرد الأموي:
والتي تركزت
بشكل خاص بالشام، لما كان لبني أمية من فضل بين الشاميين منذ عهد معاوية بن أبي
سفيان | به، ولكن كانت حركات ضعيفة جمعت التشيع للأمويين والبغض للعباسيين من
ناحية دينية، واختص بذلك العرب دون باقي الأعراق، وأشهر هذه الحركات حركة تميم
اللخمي المشهور بالمبرقع سنة (2842227) بفلسطين بفعل ميوله للأمويين و بغضه
الممارسات العباسيين والذي انضمت إليه قبائل كثيرة، وأرهق الخلافة العباسية وقال
بأنه سيعيد الخلافة الأموية ولكن اجتهد العباسيون في حربه حتى انفض عنه أصحابه
وألقي عليه القبض سنة (843/228 ).
يظهر لنا من كل
هذا الدولة العباسية بالرغم من قوتها وقوة عصبها إلا أنها عرفت حرکات سياسية
اصطبغت أغلبها بالصبغة العسكرية ساعية إلى القضاء عليهم وهذا راجع إلى عدم اعتبار
العباسيين ممن سبقهم فكانت عبر قم بأنفسهم والشقي من اعتبر بنفسه والسعيد من اعتبر
بغيره.
محاضرة الأستاذ حميد اجميلي : تاريخ الاسلام من صدر الاسلام الى العصر العباسي. جامعة بن طفيل القنيطرة. المغرب.