كان تاريخ دخول التبغ للمغرب في أواخل القرن 16. وكان دخول نبتة التبغ للمغرب والتدخين الذي تبعها والتي اختلف حكم الفقهاء فيه بعد حملة المغرب على السودان الغربي.
في النصف الثاني من القرن 16 كان يعيش المغرب حالة من الاختناق . فبعد فوزه على البرتغال في معركة واد المخازن سنة 1578 وجد المغرب نفسه محاصرا بين أمبراطورتين العثمانية و الاسبانية. وجيش مغربي مكون من علوج (1) واندلسيين مسلمين غاضبين يحثون السلطان على استرجاع الأندلس. و بهذا بقي الجنوب هو المنفذ الوحيد للتوجيه عذا الجيش و التحكم في تجارة الذهب. و بعد حملة احمد المنصور الذهبي الشهيرة على السودان الغربي سنة 1591، عاد المغاربة من المنطقة بمجموعة من المواد و الأشياء الجديدة على المغاربة كالزرافة التي رأوها لأول مرة . و الفيل الذي انقرض من المغرب في عهد الرومان والتبغ الذي أصبح مادة يتعاطى ويقوم بتدخينها المغاربة.
قد ذكر المؤرخ محمد الصغير الإفراني في كتابه نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي أنه .في عام ألف (1592) أحضر أفيالًا من السودان إلى المنصور ، وكان يوم دخولهم مراكش يومًا لا يُنسى ، عندما خرج كل من في المدينة لرؤيتها رجالًا ونساءً وفتيانًا وشيوخًا. ثم في رمضان سنة ألف وسبع (1599) حملت بفاس أيضاً ، وظهرت هذه العشبة الخبيثة المسماة "التبغ".
ونجد نفس الكاتب يذكر أن السودان الذين قدموا يسوقون الأفيال، قدموا بها يشربون نبتة التبغ، ويزعمون أن فيها منافع. فأخدت عنهم في درعة ومراكش وغيرهما من مناطق المغرب.
ورغم إعجاب بعض المغاربة وتعاطيهم للتبغ إلا أن العديد من الفقهاء استقبلوه بنوع من الحذر والتشكيك. وهناك مجموعة من العلماء أفتوا بتحريمها ، فيما اختار الفقيه محمد بن عبد الله بن محمد اليفراني المشهور بالمكناسي ، الذي تولى القضاء في مدينة فاس ، موقف الحياد وقال "العلم فيها عند الله سبحانه".
مرت أربعة سنوات من هذا الحدث تولى "الحاج صالح" ولاية الحسبة في أجزاء من فاس، وأمر بقطع التدخين الذي سمي
"شراب الدخان وبيعه وقطع اللهو وآلات الطرب من النساء، وألزم الناس الصلاة في وقتها والستر في الحمامات".
وقد جاء في كتاب "تاريخ الدولة السعيدة" لصاحبه محمد الضعيف أن السلطان المولى سليمان قد حارب استعمال نبتة التبغ سنة 1814, وأمر بإحراق التبغ والكيف من البلد.
كما نجد أن صاحب كتاب الاستقصا أحمد بن خالد الناصري (1835- 1897) صدرت عنه فتاوى صريحة في تحريم التبغ فقال في "ومن تفكر في أدنى تفكير في أحكام الشريعة وآدابها ، يعلم يقيناً أن أكل هذه العشبة محرم ، لأنها من الشرور التي حرم الله تعالى على هذه الأمة الطاهرة.".
كما قال خالد الناصري عن التدخين
"وأنت لا تجد أقدر ولا أنتن من رائحة أفواه شربة الدخان، ولا أعفن من الـمُسْتَنشقين لغبار طابا، وهذا النتن من أقبح العيوب في نظر الشرع، حتى أنه جعل الطلاق لأحد الزوجين إذا كان صاحبه أبخر (انْتَنَّ ريحه)، فإذاً لا نشك أن استعمال هذه العشبة الخبيثة في الفم أو الأنف من أعظم المحظورات، لأنه يضرب مقاصد الشرع الكبرى ويتناقض معه وينفيه".
ثم بعدها تطرق ووصف حالة المدمن على التبغ بالقول
"هذا بالإضافة إلى كثرة المنكرات التي تترتب على تغيير عقل آكلها ، لدرجة أنه إذا انقطعت عنه فيصبح مثل المجنون الذي لا يبالي بما يخرج منه ، ومن الشكوك في صيامه ؛ لأن بقايا ذلك الدخان أو ذلك الغبار قد تبقى في حلقه إلى الفجر وما بعده ؛ لأن أغلبهم عند طلوع الفجر ، ويستعملونه حتى يختم سحورهم.".
في حين فريق الاخر من الفقهاء قالوا بتحليل تدخين التبغ، خاصة أن أغلب هؤلاء كانوا من المتعاطين له، ومن بينهم الفقيه أحمد بن محمد البوسعيدي، وقد قام في تبريره بالاستناد على الآية القرآنية ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ لكنه مع ذلك حرم أكله وحلل تدخينه حيث قال "وكذلك الحرمل أكله مدقه قتال، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبخير بالحرمل لأن دخانه لا ضرر فيه وفيه منفعة. والتبغ بهذا السبيل أكله حرام لأنه قتال، ودخانه فيه منافع ظاهرة بدليل العيان"، ويبدأ بعد هذا في ذكر منافع التبغ بقوله "إنها تهضم الطعام، وتشفي من السموم، وشفاء من نزلة البرد...
(1) العلوج : مغاربة دوي أصل اسباني مسيحي تم أسرهم في المعارك والغارات وكون بهم جيش نظامي بعد أن أسلموا أو على الأقل تظاهروا بالإسلام . معظمهم هربوا الى ديارهم بعد أن مات أحمد المنصور. أو انصرفوا للقرصنة
ابراهيم حركات - المغرب عبر التاريخ, الجزء الثاني , الطبعة الثالثة , دار الرشاد الحديثة , الدار البيضاء , 1993 .
الاستقصا للمؤرخ الناصري الجزء السادس
محمد الصغير الإفراني نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي