تأسست حركة الموحدين على يد محمد بن تومرت بسبب مجموعة من العوامل. فقد كان ظهور هذه الحركة - التي سينتج عنها تأسيس دولة الموحدين - لمحاربة فساد وتناقضات المرابطين الذين انصرفوا لحياة القصور بعد وفاة يوسف ابن تاشفين. تسبب هذا في اسقاطها على يد ابن تومرت الذي ابرز أوجه الفساد و التناقضات للعيان.
نشأ ابن تومرت الهرغي في هرغة: إحدى قبائل مصمودة الجبلية في جبال الأطلس بالمغرب الأقصى واستكمل دراسته في الشرق حيث تعرف على مذاهب دينية وسياسية متنوعة، وأخذ من علم الكلام ما جعل منه مجادلا قويا لخصومه من فقهاء المرابطين، بحيث استطاع أن يستغل مشاكل الحكم المرابطي في عهد الأمير علي بن يوسف ليبرز تناقضاته وعدم شرعية استمراره. هذه التناقضات تمس جوانب مختلفة.
على المستويين الديني والاجتماعي؛
قامت الدولة المرابطية على أساس المذهب
المالكي، وحاربت المذاهب الأخرى والأفكار المعارضة، وأصبحت منذ بداية عهد الأمير
علي (500- 537) ضد فكر الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين"، الذي كان
يميل إلى التأويل للتوفيق بين أهل السنة والمتكلمين والصوفية، فأمر الأمير علي في
بداية عهده بإحراق كتاب الإحياء بتحريض من الفقهاء خاصة فقهاء قرطبة. ويظهر
التناقض هنا في كون الغزالي كان ممن أفتى بشرعية حكم المرابطين في الأندلس وإقصاء
ملوك الطوائف عنها، ثم أصبحت أفكاره في بداية عهد
الأمير علي
تحارب في الأندلس خاصة؛ وقد حمل ابن تومرت و هو من تلاميذ الغزالي الفقهاء مسؤولية
فساد الحكم المرابطي.
في مقابل هذا التضييق على الحرية الفكرية للمسلمين سمح المرابطون للمرتزقة النصارى (في النصف الثاني من عهد الأمير علي) بإنشاء كنيستهم في مراكش ومنحوهم حرية ممارسة طقوسهم الدينية، بل جعلوهم يقومون بالجبايات التي تجاوزت الحدود الشرعية فكانت تجمع بالقوة من الرعية، أو ما عبر عنه ابن تومرت بضرب رقاب المسلمين بسياط النصارى، إضافة إلى إركابهم الخيل التي كانت من قبل امتيازا للمسلمين دون غيرهم ( لا يجوز لغير المسلم ركب الخيل في دار الإسلام). ومن جهة أخرى تميز سلوك كثير من موظفي الدولة أو أعوانهم في عهد الأمير علي بالانحرافات، بحيث أصبح هذا الوضع مناقضا للمبدأ الأساسي الذي قامت عليه الدولة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
على المستوى الاقتصادي؛
تتجلى التناقضات في كون الدولة المرابطية في أوائل عهدها التزمت بإلغاء الجبايات غير الشرعية مكتفية بالزكوات والأعشار والجزية والغنائم، خاصة وأن تدفق الذهب عليها بكميات وافرة كان يغنيها عن مداخيل أخرى. | ومع ذلك نجد الأمير يوسف يفرض على اليهود سنة 464 جزیة وصفت بكونها ثقيلة ربما لكونه في مرحلة تكوين جند نظامي مخلص له شخصيا مكون من العبيد (السود والبيض) والمرتزقة الإسبان المسيحيين.(أي من يأخذون أرزاقا أي رواتب)، ثم حاول في التسعينيات فرض ما سماه "بالمعونة" لمتابعة أعمال الجهاد، وأضاف ابنه علي ضريبة "التعتيب" لمواجهة نفقات التحصينات منذ ظهور الحركة الموحدية.
وقد زادت هذه الحركة في المصاعب الاقتصادية للدولة منذ حوالي سنة 520 بسيطرتها على المسالك الجبلية التي كانت ممرا لتجارة
الذهب السوداني، في الوقت الذي تزايدت خسائر المعارك في الأندلس ونفقات القصور،
فتنوعت المكوس ، حتى إن الإدريسي المعاصر لهذه الفترة ذكر أن كل شيء كان يباع في
مراكش فرضت عليه قبالة(ضريبة غير شرعية على التجارة)، قال: "وأهل مراکش
يأكلون الجراد، ويباع منه كل يوم الثلاثون جملة فما دونها وفوقها بقبالة عليه،
وكانت أكثر الصنع بمدينة مراكش متقبلة، عليها مال اللازم (مفروض)، مثل سوق الدخان
والصابون والصفر (النحاس) والمغازل، وكانت القبالة على كل شيء يباع دق أو جل، كل شيء
على قدره". وهذا ما أصبح حجة لدى ابن تومرت ضد المرابطين.
على المستويين السياسي والعسكري
من جملة
المساوئ احتكار المرابطين لعدد من الامتيازات لصالح عصبيتهم من إقطاعات ومناصب
إدارية وعسكرية... خصوصا بالنسبة الأبناء لمتونة عصبية الأمير الحاكم، مما جعل العصبيات
الأخرى بما فيها عصبية مسوفة الصنهاجية تشعر بالتهميش، وأصبحت العصبية المصمودية
تفكر في نفسها، خصوصا عندما وجدت من يعبرعن شخصيتها كابن تومرت، الذي اعتبر الجهاد
أحد أركان الإسلام، و واجب في المرابطين قبل غيرهم بحجة انحرافهم أخلاقيا وعقدي
وسياسيا، فاتهمهم بالكفر وبطلان شرعية حكمهما. كما أن الأرستقراطية الأندلسية أخذت
تطمح إلى تسيير شؤون بلدها بعد تغير أحوال المرابطين في المعاملة اليومية والضعف
في مواجهة النصارى.
وهكذا يمكن التمييز من الناحية العسكرية بين مرحلتين متناقضتين في تاريخ المرابطين:
- مرحلة قوة استمرت خلال عهد الأمير يوسف وبداية ابنه علي تحققت خلالها انتصارات كما حدث في الزلاقة سنة 479 وأقليش (Ucles) سنة 502؛
- ومرحلة تراجع ظهر فيها ضعف الروح المعنوية للمرابطين خاصة في الأندلس، وبدأ الاعتماد على المرتزقة الإسبان لمواجهة الثورات في المغرب. فتغير موقف الأندلسيين من قبول العنصر المرابطي للدفاع عن البلاد إلى رفض بقائه عندما أصبح يتعرض للهزائم.