للتحول من الإمارة إلى الدولة مر العثمانيون بالعديد من المحطات في عصر أرطغرل, عثمان الأول و أورخان . فلم تكن امارة العثمانيين هي الوحيدة في منطقة الأناظول.فقد برز في المنطقة أوائل القرن الرابع عشر عدد من الإمارات التركية قامت على أنقاض دولة سلاجقة الروم وهي:
- إمارة القرمان: اتخذت من قونية عاصمة لها، وصلت حتى أنقرة وضمت عدة مدن منها لاذيق، آقسراي ونكيدة.
- إمارة تكة: كانت تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط في المنطقة الجنوبية الغربية، وهيمنت على أنطاليا والعلايا.
- .إمارة الحميد: وتقع داخل هضبة الأناضول وهيمنت على أق شهر، واتخذت من اسبارطة عاصمة لها.
- إمارة كرميان: سيطرت على عمورية.
- إمارة قزل أحمدلي: وتقع على ساحل البحر الأسود ومن اشهر مدنها جنجرة وقسطموني.
- إمارة منتشا: وتقع في الغرب على ساحل بحر إيجة، ومن أشهر مدنها مغلة وميلاس.
- إمارة آيدين: تقع على ساحل بحر ايجة، ومن أشهر مدنها: إزمير، آيا سلوق، وبركي.
- إمارة صاروخان: وتقع أيضا على ساحل بحر ايجة، ومن أشهر مدنا مغنيسيا وفوجة.
- إمارة قره سي: وتقع على ساحل بحر ايجة، ومن مدنها برغمة.
- الإمارة العثمانية و أرطغرل:
نشأت هذه الإمارة نتيجة للخدمات التي قدمها زعيمها أرطغرل إلى السلطان السلجوقي علاء الدين ومنها رد هجمات الخوارزميين ضد الدولة السلجوقية . وقد سيطرت في البداية على مقاطعة فريجيا وما جاورها وتوسعت حتى بحر مرمرة وسيطرة على مدن ازنيق وبورصة وغيرهما ....
تميزت الإمارة العثمانية على صغر حجمها بخصائص منه: أنها كانت من الناحية الجغرافية بعيدة عن خطر الغزو المغولي وعن الإمارات التركمانية القوية في الجنوب الغربي للأناضول. كما كانت الإمارة التركية الوحيدة "منذ أرطغرل" التي شكلت رباطا يواجه المناطق البيزنطية التي لم تفتح بعد، وهذا الوضع الخاص للإمارة جعلها مركز استقطاب للمتطوعين التركمان الراغبين في الغزو والجهاد، والمزارعين الهاربين من الغزو المغولي لممارسة أنشطتهم الزراعية، ثم للدراويش الباحثين عن المريدين.
لقد اكتسب أرطغرل لقب غازي نتيجة غزواته ضد البيزنطيين، وقد استطاع أن يوسع أرضيه خلال مدة نصف قرن قضاها كأمير على إمارة حدودية، لكن بعد وفاته عام 680 ه / 1281 - 1282 م، خلفه أكبر أولاده وهو عثمان وإليه تنسب الدولة العثمانية حيث يعتبر بحق مؤسسها الأول.
إن هذه المرحلة من التاريخ العثماني تطرح بعض الأسئلة ومنها: كيف تحولت إمارة عثمان غازي الحدودية الصغيرة إلى دولة ثم إلى امبراطورية عظمى؟
تذهب بعض الدراسات إلى أن سكان الروم في حوض مرمرة باعتناقهم الإسلام وانضمامهم إلى المسلمين قد احيوا الإمبراطورية البيزنطية على هيئة دولة اسلامية. وبعضها يؤكد على ضرورة البحث عن جدور الدولة العثمانية في التطورات السياسية والثقافية والديموغرافية للأناضول في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
- عثمان الأول 1299 م- 1326 م
بعدما توفي ارطغرل خلفه اكب ر ابنائه وهو عثمان، واليه تنسب الدولة العثمانية الذي أسس ركائزها الدينية والعسكرية والسياسية الأولى.
لقد استطاع عثمان أن ينقل إمارته من وضع الإمارة الحدودية إلى وضع الدولة بكل مقوماتها،
حيث اتخذ مدينة يني شهر عاصمة له، وأمر بإقامة الخطبة باسمه، وحمل لقب "بادشاه آل عثمان" كما استطاع أن يوسع المجال الجغرافي لدولته حتى وصلت البحر الأسود وبحر مرمرة.
وسع عثمان فتوحاته على واجهتين، الأولى هي الواجهة البيزنطية واستفاد من الضعف الذي وصلته تلك الإمبراطورية 1، والثانية هي الواجهة التركمانية التي عارضته، وقد سعى إلى توسيع رقعة امارته على حساب البيزنطيين متجنبا ما أمكن المواجهة مع الإمارات التركمانية في الأناضول .
لقد تمكن في البداية من فتح قلعة قره حصار سنة 1291 م، غير ان انتصاره على البيزنطين سنة 1301 م بعد حصا ره لإزنيق (نقية) أتاح له تحقيق انتصارات عسكرية وفتح بروسة و نيقية ونيقوميديا ومدينة يني شهر، وبعدها اتجه نحو محوريا شمالا حتى نهر سقاريا وصولا إلى البحر الأسود وفي الجنوب الغربي في اتجاه بحر مرمرة بهدف عزل المدن البيزنطية وتطويقها. لقد تمكن عثمان من وضع اسس دولته واستفاد من نظم وحضارة الدولة السلجوقية في بناء ذلك، وقد وصل حركة الفتوحات تأسيس الدولة بعده ابنه أورخان.
- أورخان و التحول من الامارة الى الدولة : 1326 م- 1360 م.
تولى أورخان عرش الإمارة وعمره أربعين سنة وقد تميز بالحكمة ، وقام بترسيخ بناء الدولة، حيث سن القوانين وأحدث التنظيمات الأساسية ومنا إعادة تنظيم الجيش العثماني فبعدما كان هذا الأخير يتكون من الفرسان التركمان "جيش السباهية" أسس أورخان جيش المشاة الذي عرف بالإنكشارية حتى يستطيع فتح القلاع واقتحام الأسوار المنيعة التي اشتهرت بها بلاد البلقان خاصة. ومواجهة البيزنطيين.
اعتمد اورخان بعدما اشار عليه مستشاره الخاص "قره خليل جندرلي" على العناصر غير التركية في تأسيس هذا الجيش المحترف من الأسرى الصغار الذين كانوا صغار السن، حيث تربو تربية خاصة على المبادئ الإسلامية والولاء للسلطان والخدمة العسكرية. وكانوا في البداية تحت رعاية دراويش (صوفيون) الطريقة البكتاشية حتى اطلق عليهم الجنود البكتاشية .
وقد استفادت الدولة من هذا الجيش في مرحلة التوسع والفتح غير انه تحول خلال مرحلة الأزمة إلى حركات تمرد وعصيان ضد الدولة وهو ما ستؤدي إلى تفكيكه أواخر القرن التاسع عشر.
ويمكن القول إن فتوحات أورخان شهدت مرحلتين، الاولى بين 1326 و سنة 1344 م، وتميزت بتوطيد دعائم الدولة والتوسع داخل منطقة آسيا الصغرى، والثانية من 1344 إلى 1360 م (سنة وفاته) وتميزت بالتوسع في تراقيا ومقدونيا والانتشا ر في شرق أوربا.
كما قام بعدة تنظيمات اقتصادية واجتماعية أهمها تقسيم البلاد المفتوحة إلى خاص وتيمار. وهو ما يؤدي إلى شبه اقطاعات حربية سيتولى السلاطين ادارتها من بعده، كما أسس أول دار لضرب النقود سنة 1327 م، وضربت نقود ذهبية وفضية باسمه. كما أسس التكايا والمساجد والمدارس وعين الشيخ دا ود القيصري مدرسا فيها بازنيق.
-العوامل الاستراتيجية التي حولت العثمانين من الامارة الى الدولة
واصل مراد الأول (1360-1389 م) وبايزيد الأول (الصاعقة 1389 - 1402 م) ومحمد الاولى جلبي (1413-1421 م) ومراد الثاني (1421 م- 1451 م) توطيد ركائز الدولة العثمانية والاستمرار في حركات الفتوحات الكبرى في البلقان وأروبا الشرقية.
لقد تمكن العثمانيون من نقل الإمارة إلى دولة مترامية الاطراف وتوسيع الفتوحات بفضل مجموعة من العوامل والاستراتيجيات منها:
- - توحيد الإمارات التركمانية تحت سلطتهم واستفادتهم من النزاعات الداخلية لتلك الإمارات مثل قره-سي الواقعة على الدردنيل، ثم قونية وحميد وقرمان سنة 1387 م.
- - التحالف مع يوحنا كانتاكوزين الخامس الذي كان يطالب بعرش بيزنطا.
- - تطبيق سياسة التسامح مع الشعوب المسيحية ومع الأرستقراطية والطبقة العسكرية المحلية وهو ما دفعهم لاعتناق الإسلام طواعية مثل أهالي البوسنة والهرسك ودول البلقان الاخرى.
- - تشجيع حركة الهجرة من الأناضول إلى الروملي بعد الفتوحات نظرا للموارد الاقتصادية التي يتوفر عليها.
- - تأسيس نظام الإقطاع العسكري "التيمار" لضمان موارد مالية ووضع الأسس المادية للسلطة المركزية.
- - نقل العاصمة من بورصة إلى أدرنة سنة 1365 م. وكان ذلك في عهد مراد الأول الذي لقب بالأمير السلطان.
- - الاستفادة من العوامل الجغرافية للتغلغل في الروملي من اجل التمهيد لفتح القسطنطينية.
وقد تمكن مراد الأول من تركيز سيطرته على شبه جزيرة البلقان في فترة وجيزة وهو ما أدى غلى تحالف مسيحي بهدف طرد العثمانيين من الروملي. وهو ما انتهى باستشهاد مراد الأول في معركة كوسوفو سنة 1389 م. تولى بعده بايزيد الذي عمل على تحويل الاراض ي المفتوحة إلى ملكية عثمانية خاصة بعد اندلاع انتفاضات في الأناضول والروملي. وقد سعى إلى القضاء على الإمارات المتفرقة في سواس والبحر الأسود وتدعيم مركزية الدولة. وقد تميز عهده بثلاث احداث كبرى:
- - وضع بنية إدارية لدولة مركزية وترسيخ مبادئ الإسلام الحنفي.
- – الحملة على القسطنطينية بعد السيطرة على الأفلاق والمجر والبلغار. وهو ما هدد مصالح القوى السياسية الأوربية وتوج بإعلان تحالف مسيحي (بييزنطي فرنسي)
- - الحملة على أنقرة في الأناضول والذي أزعج الممالك والمغول بقيادة تيمورلنك وهو الذي الحق هزيمة ببايزيد في يونيو 1402 م. عرفت بهزيمة أنقرة والتي كانت لها انعكاسات خطيرة على التاريخ العثماني وعلى الدولة العثمانية، حيث انهار الحكم المركزي العثماني وتحول العثمانيون إلى مجرد إما رة من امارات الأناضول التي اصبحت تابعة لحكم تيمور لنك.
كان لأسر بايزيد ووفاته في السجن ثمانية أشهر بعد ذلك دور في حدوث صراع حول السلطة بين أبنائه حول ولاية العرش دام إحدى عشر سنة 1403 إلى 1413 م، وهم: سليمان وموسى ومحمد جلبي، سمية هذه المرحلة ب"عهد الفترة"". والتي تأججت بعد تدخل بعض الجهات الخارجية بعد لجوء بعض الأمراء إليها مثل بيزنطة التي استقبلت أورخان.
بعد تولى مراد الثاني الحكم بعد ابيه محمد جلبي الأول نهج سياسة مرنة تجاه القوات الأجنبية والإمارات المحلية، غير انه أعاد الروح إلى سياسة التوسع العثمانية، وبالرغم من تخليه عن سياسة المركزية إلا انه هدف إلى تحقيق تواز بين السباهية وأصحاب الإقطاعات وعشائر التركمان الرحل والجنود، كما سعى إلى تحطيم النفوذ المغولي في الأناضول.
- خليل اينالجيك، تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، ترجمة محمد الأرناؤوط دار المدار الإسلامي، لبنان، ط 2002.
- محاضرة الأستاذ عبد الحي الخيلي استاذ تاريخ المماليك و العثمانيين و تاريخ الشرق الأقصى في جامعة محمد الخامس الرباط