تحميل كتاب تاريخ فلاسفة الاسلام - محمد لطفي جمعة
مقتطف من الكتاب
وكان سعيد بن يعقوب الفيومي المذكور، ويعرفه اليهود باسم سعدية بن يوسف المصري، رئيس مدرسة (سورا) القريبة من بغداد، وهو أول من ألف من اليهود كتابا باللغة العربية ونشره في موضوع العقائد والعقليات، ومحور هذا الكتاب - الذي بعد فتحا جديدا لليهود، كما يعد دستورا لفرقة الربابنة وأصحاب التلمود - وجوب اتباع أحكام العقل في العقائد وجواز فحص القضايا الدينية؛ لأن العقل الصحيح خليق بأن پرشد صاحبه إلى الحقائق التي ينقلها الوحي إلى أصحاب النبوة، وأن تعليل الوحي هو الرغبة في وصول الإنسان بسرعة إلى إدراك الحقائق العليا، التي لو ترك البحث فيها للعقل وحده لاحتاج في الوصول إليها وإدراكها عناء عظيما وزمنا طويلا.
ونحن نعد سعيد بن يعقوب هذا من فلاسفة الدنيا بحق، ولكنه لم يعش حتى يدرك ازدهار الفلسفة العربية في بلاد الأندلس، التي كان من أثرها في يهود إسبانيا أنفسهم، أنهم ثاروا على مدرسة (سورا) وأرادوا أن يستبدلوا بها مدرسة جديدة يجعلونها في قرطبة؛ وطن ابن رشد، ويلقنون فيها، على أيدي رجال من خيار علمائهم، العلوم والفلسفة وفنون الأدب، التي أهملها بهود الشرق ..."