لابد للمهتم بعلم التاريخ أن يفهم سبب ظهور التدوين التاريخي بين العرب ، لمعرفة الدوافع لكتابة التاريخ ، وطريقتهم في كتابة التاريخ ، واتجاهات المؤرخين ، وآرائهم التاريخية ، ونظرتهم إلى أهمية التاريخ. ودورها في الحياة الثقافية والعامة ، ونرى عوامل اللبس في الكتابة التاريخية ، من تأثير التيارات ، والتأثير السياسي ، إلى دور الشعبوية ، والتأثيرات الدينية ، والاطلاع على التطورات العامة في تطور الكتابة التاريخية. بدون هذه الجوانب يستحيل علينا أن نفهم قيمة المواد التاريخية المتاحة لنا ، أو نقد بحثنا ، أو تخليص تاريخنا من الشوائب التي حلت به عبر العصور.
التدوين التاريخي عند العرب قبل الاسلام
لم يعتمد العرب كثيرا قبل الإسلام على تدوين التاريخ ، لكن كان العرب دائما يتذكرون تواريخهم عن طريق الرواية الشفوية ويفتخرون بما لأسلافهم من انتصارات عن طريق الشعر والنثر. وبذلك شكلت أشعارهم مصدرا إخباريا للأحداث الكبرى باعتبارها تاريخا غير مكتوب. وكذلك كانت القبائل العربية القديمة تفتخر دائما بأنسابها وتحرص على تحفيظ أبنائها لهذا النسب ليتم تناقله مصحوبا بقصص البطولات والأمجاد. وقد وفر لنا هذا معلومات وفيرة عن تاريخهم في تلك الفترة. وقد اعتبرها البعض فرعا من فروع التاريخ ديوان العرب رغم أنها أخبار"بعيدة عن الصحة، عريقة عن الوهم والغلط وأشبه بأحاديث القصص الموضوعة" على حد تعبير ابن خلدون .
بالإضافة إلى ذلك كانت هناك بعض النقوش والكتابات على جدران المعابد والقصور. خاصة في جنوب اليمن في سبأ ومحِيَر. كما كان العرب يؤرخون بالأحداث الكبرى كعام الفيل وبناء الكعبة. وظل الأمر هكذا حتى خلافة عمر بن الخطاب الذي اتخذ من الهجرة بداية للتاريخ العربي حتى اليوم.
وهكذا لم تترك المدة ما قبل الإسلام أدبا مكتوبا، بل كل ما وصلنا عنها كان شفويا. ومع صدر الإسلام سيبدأ الدور الحقيقي للتدوين التاريخي للعرب. هذا التدوين الذي بدأ بتدوين القرآن الكريم وجمع آياته بعد أن كان حفظة القرآن الكريم يحفظونه في صدورهم، كما كانت تتم كتابة الوحي على الجلود والرقاع و سعف النخل وغير ذلك. وبعد وفاة الرسول (ص) اقتنع أبو بكر الصديق بنصيحة عمر ابن الخطاب بضرورة جمع القرآن حتى لا يذهب بذهاب حفاظه. واحتفظ عمر بالصحف بعد وفاة أبي بكر، لتحتفظ بها بعده حفصة بنت عمر حتى أيام عثمان بن عفان.
التدوين التاريخي عند العرب المسلمين
وبعد اطمئنان المسلمين على كتاب الله بدأوا يوجهون اهتمامهم نحو تدوين أحاديث الرسول حفظا له من الضياع والتحريف، وقد مر تدوين الأحاديث بمراحل مختلفة، كما اهتموا بتدوين سير الرسول ونشطت بذلك حركة التدوين وأخذت في التطور والازدهار في مختلف الأمصار .وقد ساهم التقويم الهجري والاهتمام بالأنساب والحاجة إلى تقدير الجزية والخراج، والاهتمام بالعلوم العربية ونشوء الحركة الشعوبية إضافة إلى ظهور الورق وصناعته بالعالم الإسلامي. وقد اعتبر العلماء القرن الثالث الهجري أزهى عصور الجمع والتدوين. ويمثل ابن إسحاق) 151ه /761م( بكتاباته في السيرة النبوية فترة النضج في الكتابة والتدوين التاريخي من خلال كتابه "مغازي الرسول" بناء غلى طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.
وكانت مغازي ابن إسحاق مصدرا لكل من الواقدي صاحب "الفتوح والأخبار"، ومحمد بن جرير الطبري صاحب "تاريخ الرسل والملوك". وقد احتل الطبري قمة الكتابة التاريخية في القرن الثالث الهجري وما بعده. ثم جاء مؤ رخون آخرون بعده أهمهم البلاذري واليعقوبي والدينوري.
ويعتبر التدوين التاريخي في المغرب امتدادا للتاريخ بالمشرق بعد الفتح الإسلامي. ومن أهم المؤرخين المغاربة ابن عذاري المراكشي صاحب كتاب "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب."
فتطور الكتابة التاريخية يعتبر جزء حيوي من التطور الثقافي الذي عرفته البشرية، إلا أن التاريخ لم يظهر بشكل ثابت إلا مع بدأ استعمال الكتابة لحفظ الأخبار والروايات، وقد مر ذلك عبر مراحل متعددة ووفقا لاتجاهات مختلفة شكلا ومضمونا لينتج عن ذلك مادة تاريخية واسعة على مستويات مختلفة من الدقة ووفق أساليب متعددة.
بتصرف من محاضرة الأستاذة سعاد زبيطة وحدة: المدخل لدراسة التاريخ جامعة ابن طفيل السنة الجامعية شعبة التاريخ والحضارة