عن كتاب تاريخ التعليم بالمغرب خلال العصر الوسيط - الحسين أسكان pdf
كلمة الحسين أسكان : رغم هذه الأهمية التاريخية والعلمية، فإن موضوع تاريخ التعليم بالمغرب لم يستوف بعد، حقه من الدراسة والبحث خاصة في العصر الوسيط، باستثناء بعض الدراسات والمقالات القليلة التي تناولت جوانب معينة منه: وهذا النقص هو الذي حفزنا على تناول الموضوع رغم صعوبته. وقد انطلقنا لمقاربته من مجموعة من التساؤلات والإشكاليات التاريخية الكبرى التي يطرحها مثل هذا الموضوع: ما هي طبيعة النظام التعليمي والتربوي الذي تبناه المغاربة في تلك الفترة؟ وكيف مولوه؟ وما هي لغة التدريس التي تبنوها؟ وما هي أهم التطورات الأساسية التي عرفها النظام التعليمي المغربي خلال العصر الوسيط؟
الكاتب: الحسين أسكان.
دار النشر : المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية - المملكة المغربية - الرباط. 2004
وأهم الصعوبات الكبرى التي واجهتنا: صعوبة الإمساك بالقضايا الجوهرية المميزة لهذا النظام التعليمي، نظرا لطبيعته الخاصة، والمتمثلة في كونه نستا تعليميا يتميز بالحرية النسبية للمتعلمين، لأنه ليس منظما في إطار مؤسسات اجتماعية تشرف عليها الدولة أو غيرها من الجهات، وترتب عن هذه الحرية النسبية المتعلمين والمعلمين، ظهور سلوكات و تصرفات تعليمية متباينة ومتباعدة أحيانا إن لم تكن متناقضة أحيانا أخرى، مما يجعل تحديد التقاليد التعليمية الأساسية من تلك التصرفات أمرا شائكا وصعبا، إذ يمكن، إذا لم نعتط في مثل هذه الحالة، تعميم بعض الأحداث التي قد تكون مجرد أحداث استشائية ومعزولة وجعلها قاعدة عامة ضمن التقاليد التعليمية السائدة.
ترتبط الصعوبة
الثانية بطبيعة المصادر الأساسية المتعلقة بالموضوع، خاصة كتب التراجم والفهارس،
فأغلب معلوماتها دونها التلاميذ عن شيوخهم
تتمثل الصعوبة
الثالثة، في قراءة لغة تلك المصادر، مثل كتب التراجم والمناقب، التي تبدو لنا فيها
المعلومات المقدمة لأول وهلة، متشابهة ورتيبة إلى درجة الملل، وبالتالي لا يمكن
الخروج منها بمعلومات جديدة.
وقد حاولنا رغم
هذه الصعوبات وغيرها، أن نميز بين الأنواع التعليمية والتربوية الكبرى، وقسمناها
إلى صنفين: تعليم ديني موجه للراشدين، وتعليم موجه للناشئة سميناه التعليم
الاحترافي. وأبرزنا مقومات وخصائص كل منهما والتطورات الأساسية التي طرأت عليهما
خلال الفترة المدروسة. كما حاولنا أن تبرز الفرق الشاسع في التعليم بين الفئات الاجتماعية
على عدة مستويات وخصوصا بين الرعية والحكام، وتوقفنا عند أهم تطور عرفه التعليم
خلال العصر الوسيط والمتمثل في تغيير طريقة تمويل التعليم من التمويل الذاتي من
طرف المتعلمين قبل القرن چه إلى تمويله بواسطة الأحباس وجعله تعليما مجانيا، وتجسد
هذا التحول أولا في ظهور المدرسة كمؤسسة وقفية جديدة وتحبيس كراسي التدريس،
وخزانات الكتب بالجوامع، بعد ذلك. وتتبعنا النتائج المترتبة عن هذا التحول في
تمويل التعليم، كانتشار التعليم بين شرائح اجتماعية واسعة، وتأثير التحبيس على
نوعية العلوم التي كانت تدرس، وغير ذلك من القضايا الجزئية الأخرى المرتبطة
بالموضوع