تحميل كتاب الدين والدم: إبادة شعب الأندلس - ماثيو كار بصيغة pdf مجانا
معلومات عن الكتاب
عنوان الكتاب : الدين والدم: إبادة شعب الأندلس
صاحب الكتاب : ماثيو كار
ترجمة : مصطفى قاسم
الطبعة : الأولى 2013
مقتطف من الكتاب
"يبدأ الكتاب بعد المقدمة التي تحدد الهدف منه بمدخل يوجز تاریخ الأندلس منذ فتحها عام 711 على يد القائد المسلم طارق بن زیاد، مطوفة بمالكها القوية وحواضرها الزاهرة وحروبها ضد المالك النصرانية في أراغون وقشتالة، ثم يتوقف قليلا أمام سقوط غرناطة، فيعرض بإيجاز حروب الاستنزاف الطويلة، التي سبقت حصار غرناطة عام 1491. فلم تسقط غرناطة في حرب كبرى بين جيشين، بل سقطت عبر حروب كثيرة دامت عقدة من الزمن، إذ «شق زهاء ستين ألف فارس وجندي من المشاة طريقهم عبر الوديان النهرية والسهول حتى جبال غرناطة العالية، مدعومين بأرتال إمدادات ووحدات غير نظامية، كانت مهمتها الوحيدة حرق محاصيل العدو وتدميرها». وفي هذا الحصار الخانق، اضطر أهل غرناطة إلى أكل الخيول والكلاب والجرذان، وفي النهاية اضطر السلطان محمد الثاني إلى توقيع اتفاقية استسلام المملكة، وتوجه إلى منفاه في جبال البشرات، تاركا خلفه شعبا ذاهلا من صدمة الاستسلام. وبذلك اكتملت عملية «استرداد») النصارى لأيبيريا، ووجد المسلمون في غرناطة أنفسهم خاضعين لحكام نصاری، تماما كما حدث مع المسلمين في المالك الإسلامية الأخرى، التي سقطت قبل غرناطة.
كان سقوط غرناطة سقوطة لحالة «الاستثناء الأيبيري»، التي أقرت التعايش السلمي والقبول المتبادل بين المسلمين والنصارى واليهود في أيبيريا الإسلامية والنصرانية، على خلاف حالة العداء والحرب الدائمة بين المسلمين والنصارى في كل الأماكن الأخرى، طيلة القرون التي فصلت بين ظهور الإسلام حتى أوائل العصر الحديث. وحتى إن كان هذا التعايش لم يصل إلى حد الأركادية) ما قبل الحديثة للتعددية الدينية والثقافية، التي تخيلها بعض المؤرخين، فإنها كانت أكثر تسامحا من النظام الجديد الذي تلا انهيارها النهائي. فبعد أن كانت القاعدة في القبول المتبادل «المشروطه بين أصحاب الأديان الثلاثة، والحرية الدينية المقيدة» الأتباعها، حل نموذج التطهير الديني والشوفينية الثقافية في أيبيريا النصرانية).
كان اليهود أول ضحايا هذا التحول المشؤوم، فعلى الرغم من أن اتفاقات الاستسلام ضمنت للأندلسيين من مسلمين ويهود ومولدین (2) الاحتفاظ بدينهم ومؤسساتهم الدينية، فإن الملكين نقضا هذه المعاهدات ومعها نموذج التعايش السابق، وشرعا في تنصير اليهود قسرة. فمع اكتمال «الاسترداد» وتوثق علاقات إسبانيا بالعالم النصراني، اكتسبت النصرانية الإسبانية الطابع الجهادي، الذي كان سائدة في أوروبا آنذاك، وبدأ رجال الدين يحرضون الغوغاء ضد اليهود؛ «قتلة المسيح»، وبدأت عمليات التنصير القسري لليهود الذين يروا بين التعميد والنفي، مع وضع عراقيل شديدة أمام الخيار الثاني؛ ضيعت معنى الاختيار. وبالفعل ضر عشرات الآلاف من اليهود في أشهر قليلة. وحتى بعد أن قروا، لم يسلم اليهود من الأذى، إذ استصدر فيردناند وإيزابيلا في عام 1477 مرسومة بابوية أجاز تشکیل محكمة تفتيش في قشتالة، لكشف الزنادقة الذين ارتدوا إلى شريعة موسیه، ظلت تلاحق المقرين اليهود حتى قضت على كل أثر لليهودية في إسبانيا، وكذلك في البرتغال، التي ضغط الملكان على ملكها ليفعل باليهود ما فعلاه بهم.
يعرض الفصل الثالث أحوال المسلمين في أيبيريا كلها بعد سقوط غرناطة. لقد تشكل الأندلسيون من العرب والأمازيغ والمولدین، | وتذهب بعض التقديرات إلى أن عددهم بلغ ستة ملايين في بداية القرن الثاني عشر، لكن مع نهاية القرن الخامس عشر، انخفض هذا العدد إلى ما | بين خمسمائة وستمائة ألف نسمة، من إجمالي سكان إسبانيا، البالغ عددهم سبعة أو ثمانية ملايين نسمة. كان معظم الأندلسيين يعيشون في الريف ويعملون بالزراعة والبستنة، فضلا عن الحرف الحضرية، وغيرها من الأعمال المتواضعة، ذلك أن هجرة الطبقة العليا الأندلسية من الأعيان والمثقفين لم تترك من المسلمين غير القاعدة البروليتارية للأندلس. وهكذا تحول الأندلسيون المسلمون من سادة البلاد وحكامها إلى مستضعفين يعملون في أدنى المهن والحرف، ويتعرضون من حين لآخر إلى هبات عنف من جانب النصارى، لكنهم مع ذلك عاشوا في جماعات منفصلة، واستطاعوا أن يحافظوا على دينهم وثقافتهم وتقاليدهم وسط مجتمع نصراني معاد."