تطرق أفلاطون لمجموعة من القضايا ذات طابع اقتصادي كمسألة تقسيم العمل والملكية والتبادل وكذا وظيفة النقود.
و من أبرز
إسهامات أفلاطون في النظرية الإقتصادية كتابه الشهير المسمى (جمهورية أفلاطون ) أو المدينة الفاضلة. يبحث في هذا
الكتاب عن موضوع "الدولة أو المدينة المثلى" ، بحيث يبتدئ كتابه بتساؤل
مركزي عن معنى فكرة الحق أو العدالة ، سواء كان ذلك بالنسبة للفرد أو بالنسبة
للمدينة. ولم يشأ أفلاطون أن يبدأ بتحديد هذه الفكرة بالنسبة للفرد، ثم ينتقل
لتحديدها بالنسبة للمدينة، بل اختار الطريقة العكسية، بأن يبدأ بعرض العدالة في
المدينة لأن هذه الأخيرة في شموليتها أكبر من الفرد، بحيث تكون كمية العدالة
المتعلقة بها أكبر مما لدى الفرد، مما يجعل من السهل إدراك العدالة والتعرف عليها.
وتأتي الأفكار الاقتصادية في هذا الكتاب بمناسبة البحث عن المدينة العادلة
/الفاضلة/ المثلى، التي يتحقق فيها العدل والحياة الطيبة ومن خلال تحدثه عن
الفضائل والرذائل، و أرجع أصل الدولة و قيامها إلى العامل الاقتصادي. ومن هنا
يتبين كذلك، ما سبق ذكره بخصوص خضوع الاقتصاد السياسي لدى أفلاطون للأخلاق
والفلسفة السياسية.
يبدأ أفلاطون تحليله عن الدولة (المدينة) ببيان أن أصل الدولة و أسسها يرجع إلى العامل الاقتصادي. فيقول في كتابه الجمهورية صفحة 102:
" إن الدولة تنشأ لأن الفرد لا يمكن أن يكفي نفسه بنفسه. بل تكون له حاجات عديدة لا يستطيع أن يشبعها وحده. فيجتمع معا عدد من الأفراد كاف لأن يشبع كل منهم حاجات الآخرين، فيعيشون كشركاء أو كمساعدين بعضهم لبعض، وتتكون من المجموعة التي ينشئونها بهذه الطريقة و ما يعرف باسم الدولة" .
و من أهم
الأفكار التي أتت ضمن رؤى أفلاطون وذات بعد اقتصادي، نذكر ما يلي :
تقسيم العمل: لقد نادي بتقسيم العمل في الدولة، حيث أكد على أن كل شخص له موهبة و
كفاءة خاصة به كم أن
تخصص كل شخص
يؤدي إلى الزيادة في الإنتاج كما ونوعا وبالتالي يرى أن كل شخص يجب أن يتخصص في
مهنة
البنية الاجتماعية: قسم أفلاطون المجتمع إلى تلات "طبقات" أو طوائف وهي:
- طبقة الحكام : العمل المنوط بهم هو الحكم
- طيقة الجند: مهمتهم الدفاع عن هذه الدولة أي المدينة الفاضلة
- طبقة العمال و الصناع تم العبيد والرقيق يكونون الجانب الأدفی: و هم كل من يعمل في النشاط الاقتصادي .
الملكية: يلغي أفلاطون الملكية الخاصة لطبقة الحكام، وأن لا
يكون له روابط عائلية، فلا يتزوجون ولا يكونون عائلات حتى لا يكونوا خاضعين
للإغراء المادي ولا للضعف العاطفي اتجاه الأقارب، مما قد يصرف الحكام عن إدارة
الحكم لصالح المجموع. و قفس الشيء بالنسبة للجنود إذ حرموا من الملكية الخاصة نظرا
لطبيعة مهامهم، وأبيحت الملكية الفردية والعائلية (الحق في الزواج) الطبقة
المنتجين. غير أن أفلاطون لا يرجع الملكية المطلقة، بل يقيدها بشروط تدعو الدولة
للتدخل للحيلولة دون الفقر المدقع و القراء الفاحش. بصيغة أخرى، إذا كانت الملكية
الخاصة بالنسبة لغير طيقة الحكام والجنود ليست حرية مطلقة بلا حدود، فالدولة يجب
أن تتدخل لمنع الفقر المدقع، ولمنع القراء الفاحش على حد السواء، لأن كلاهما ينتج
أثرا سيئا على نوع الإنتاج وعلى المنتج نفسه، فإذا أتري المنتج فأنه يصبح كسولا
ومهم، وإذا كان فقيرا فقرا مدقعا فإن ذلك سيمنعه من أن يمد فقسه بالمعدات اللازمة
للإنتاج، مما يضعف من مزايا إنتاجه ويجعل ابناءه أو غيرهم ممن يتعلمون على يديه
يتلقون تعليما حرفيا سيئا، الأمر الذي سينعكس سلبا في كل الحالات على إنتاج
المدينة.
النقود
: يرى أفلاطون أن للنقود دورا مهما في المدينة الفاضلة، واعتبرها وسيلة لتبادل، و
أداة لقياس القيمة كيف ذللك؟ لأن تقسيم العمل الذي قادی به وتخصص المنتجين كل واحد
في حرفته، يؤدي إلى إنتاج بضائع متخصصة وسلع معينة، وبالتالى ضرورة عرضها في
السوق، بحيت سيعرض كل واحد إنتاجه على الآخرين، ومن هنا نشأت ضرورة إلى وسيط
للتبادل، مما أدى إلى بروز النقود والحاجة إليها كأداة للتبادل من جهة، و على حد
قولنا اليوم، كوسيط للمبادلة لماذا؟ لأن قبول النقود في المعاملات لا يرجع إلى
قيمة المادة التي تكون تلك النقود مصنوعة منها، ولكن إلى اتفاق الناس على
استخدامها كوسيلة للميادلة . خلاصة: ما الحكم على أفكار أفلاطون، خاصة الأساس
الاقتصادي لنشأة الدولة وتنظيمها السياسي و تقسيم العمل؟
إن تفسير
أفلاطون لنشأة الدولة يمكن تقريبه مما عرف بعد ذلك باسم نظريات التضامن الاجتماعي
كأساس للعلاقات الاجتماعية ( فحاجة الأفراد بعضهم لبعض الأخر تولد نوعا من التضامن
فيما بينهم تضامنا يسبب الاختلاف وعدم التشابه، وذلك يبقى على الروابط بينهم).
أما فكرة تقسيم
العمل، يعتبر بداية التيار الفكري الذي درس هذه الفكرة، وهي الفكرة التي تطرق
إليها آدم سمیت في القرن 18 م، إلا أن هناك اختلاف في طبيعة تقسيم العمل فيما بينه
وبين أفلاطون.
ينادي أفلاطون
بتخصص كل فرد في حرفة أو مهنة معينة ارتباطا بكفاءات ومواهب طبيعية تجعله صالحا
لهذه المهمة أو الحرفة أكثر من غيرها، بحيت يترتب عن هذا التخصص زيادة الإنتاج
وتحسنه لهذا السبب. أما آدم سميت فيهتم بعملية تقسيم إنتاج السلعة الواحدة إلى عدة
عمليات جزئية، يتخصص في كل عملية جزئية منها شخص أو أشخاص معينون وليس ذلك على
أساس مواهب الفرد الطبيعية، ولكن على أساس، أن هذا التخصص يزيد من إنتاجية العمل
الإنساني.
أما المسألة
الثالثة بخصوص التنظيم السياسي للدولة وتقسيمها إلى 3 (طبقات)، فإن أفلاطون كان
يعتقد أنه في إمكانه إقامة مدينة "مثلي" من الناحية العملية لعل ذلك كان
ممكنا فعلا في المدينة الإغريقية القديمة الصغيرة الحجم الضئيلة السكان، أما في
حالة العكس أي عندما كبرت المدينة وكتر عدد سكانها فيبدو أمرا غير ممكن الحدوت و
هو الشيء الذي جعل بعض الكتاب يطلقون عليها اسم المدينة الخيالية.
وحدة: النظريات الاقتصادية الأستاذ: حميد بنسي السنة الجامعية 2019 - 2020 جامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة التاريخ والحضارة الفصل: الرابع