تحميل كتاب الخلدونية في ضوء فلسفة التاريخ - سالم حميش بصيغة pdf

تحميل كتاب الخلدونية في ضوء فلسفة التاريخ - سالم حميش بصيغة  pdf.
تحميل كتاب الخلدونية في ضوء فلسفة التاريخ - سالم حميش بصيغة  pdf

معلومات عن الكتاب

عنوان الكتاب : الخلدونية في ضوء فلسفة التاريخ. 
الكاتب/المؤلف : د. سالم حميش. 
دار النشر : دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت. 
الطبعة الأولى : أبريل 1998. 
عدد الصفحات : 185 ص. .




مقتطف من الكتاب

كيف يقف ابن خلدون من المصنفات الإخبارية ومن فقه التاريخ العربي عموماً؟ إن ابن سينا في رسالة أقسام العلوم العقلية»، ومن قبله الفارابي في إحصاء العلوم، لم يدرجا التاريخ في تصنيفهما، ولم يفعل ذلك أحد من المشائين العرب. ورب قائل يقول إن ابن خلدون نفسه في القسم السادس من المقدمة لا يتكلم عن التاريخ عند تعداده العلوم». لكن هذه الملحوظة ليست صائبة بما أن التاريخ عند صاحبنا هو مقدمة المقدمة ودائرة الدوائر ، حيث هو فن أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق» (مة .(٦). كما أنه ليس صحيحاً القول مع صاحب تلك الملحوظة، فرانز روزنثال ، إن كتاب [ ابن خلدون] العظيم لا يُدخل صنعة التاريخ من ضمن المنتجات العقلية المستقلة (٢)، وهو قول شارد غريب يناقض صريح النصّ الخلدوني المتحدث عن التاريخ كعلم مستقل بنفسه (مة (٤٩)، وقائم على العقل كسلطة تمييز بين الإمكان والاستحالة في الخبر والواقعة، كما سنرى .


لا مراء أن ابن خلدون كان يحمل تصوّراً مزدوجاً للتاريخ، معبراً عنه بثنائية الظاهر والباطن. فالشق الأول - أي التاريخ في ظاهره - هو حقل الأخبار عن العصور والدول ومرتع ذكرها وتناقلها وفي هذا الشق يندرج بنوع من التفاوت كل المؤرخين العرب التقليديين، وحتى من اتفق معهم ابن الأثير على أن فوائد التاريخ الدنيوية عديدة، كالتواصل بين الأجيال والاتعاظ والاعتبار في شؤون الملك والأمر والنهي، وكتحنيك العقل بالتجارب ومعرفة النوازل، هذا فضلاً عن فوائده الأخروية كالعمل في دنيا التقلب والزوال على التزود للآخرة والتخلّق بالصبر والحكمة (۱) . لكن القضية - الأساس داخل هذا الشق ليست هي تحديد فوائد التاريخ وعدها بقدر ما هي طريقة ذكر الأخبار وسردها.


 وهنا بالذات تظهر الحلقة الضعيفة متمثلة في غلبة الطابع الكمّي والنقلي على هذه الطريقة، حتى إن مسكويه وجد أن كثيراً من المصادر التاريخية لا فائدة منها إلا أنها تجعل الإنسان يأخذه النعاس »(۲)؛ كما أن ابن الأثير نبّه إلى سلوك الاجتزاء والتقصير بين المؤرخين، فقال: والشرقي منهم قد أخلّ بذكر الغربي والغربي قد أهمل أحوال الشرق» (۳). هذا من جهة الطريقة أو المنهج، أما من جهة المادة التاريخية نفسها، فإن طابع الأحادية والرتابة هو المستحوذ عليها. فكان الشرخ عند مؤرّخينا التقليديين عظيماً بين ممارستهم التاريخية النخبوية الضيقة النفس والمدى وبين المضامين المجتمعية الثرية الهائلة (٤). وهذا الشرخ من زاوية عامة إن هو إلا تعبير من تعابير الفرقة المتأصلة المستديمة بين الدولة والمجتمع. وقد أظهر ابن خلدون على صعيد النظرية، وعياً حاداً بذلك الشرخ ، وعبّر عنه في غير ما موضع حين انتقد مؤرّخي الغالبين والغرماء مسجلاً : لاثم جاء آخرون بإفراط الاختصار وذهبوا إلى الاكتفاء بأسماء الملوك والاقتصار، مقطوعة بحروف الغبار» (مة (۸) ؛ ويكتب كذلك : ومن هذا الباب أيضاً ما يسلكه المؤرخون عند ذكر الدول ونسق ملوكها، فيذكرون اسمه ونسبه وأباه وأمه ونساءه ولقبه وخاتمه وقاضيه وحاجبه ووزيره [...] إنما حملهم على ذلك التقليد والغفلة عن مقاصد المؤلفين الأقدمين والذهول عن تحرّي الأغراض من التاريخ  .


إن التصور المزدوج للتاريخ عند ابن خلدون قد حمله على العمل بالتمييز بين تاريخين واحد عام شمولي والآخر خاص محدد في شأن الصنف الأول، يصيب فرانز روزنثال عندما يسجل : إن المعلومات الإسلامية عن ملوك «الوثنية» والنصرانية والرومان ترجع إلى المصادر الإغريقية النصرانية أو السريانية. أما معلوماتهم عن تاريخ العهد القديم والجديد وملوك آشور وبابل فترجع أيضاً إلى المصادر المسيحية (وربما إلى المصادر اليهودية في بعض الحالات. وينبغي ملاحظة أن هذه المصادر، حتى لو صرفنا النظر عن مادة التوراة فيها ليس من الضروري أن تكون دائماً كتب تاريخ بالمعنى الدقيق » (۱) . غير أن كتابة التاريخ العام عند المسلمين، المطبوعة بتواتر النقل الاستنساخي لا يلزم أن ترجع «سطحيتها إلى قصور أو تقصير منهم، كما بذلك كلام ذلك يوحي المستشرق، بل إلى العوائق المادية المتمثلة في غياب مصادر التاريخ القديم وندرتها بين أيديهم، كما يقرّ بذلك ابن خلدون نفسه حين يتساءل متأسفاً: «وما لم يصل إلينا من العلوم أكثر مما وصل . فأين علوم الفرس [...] وأين علوم الكلدانيين والسريانيين وأهل بابل وما أمة ظهر عليهم من آثارها ونتائجها؟ وأين علوم القبط ومن قبلهم؟ وإنما وصل إلينا علوم واحدة وهم يونان خاصة لِكَلفِ المأمون بإخراجها من لغتهم واقتداره على ذلك بكثرة المترجمين وبذل الأموال فيها، ولم نقف على شيء من علوم غيرهم» (مة ٥٠).


 وحتى علوم اليونان، فإن دائرتها لم تتعد - وبنوع من الانتقاء - الفلسفة والطب والفلك، دون الأدب والتاريخ والطبيعيات ... أما من كان من المؤرّخين المسلمين يمارسون كتابة التاريخ العام، من دون أي اعتبار لصعوباتها وعوائقها المادية فإنهم، حسب انتقاد ابن خلدون نفسه، صاروا يجلبون الأخبار عن الدول وحكايات الوقائع في العصور الأول، صوراً قد تجردت عن موادها .



تعليقات