لم تهمل الحضارة العربية الإسلامية جانب المطبخ وعلقت أهمية كبيرة على هذا القسم المتعلق ب الأطعام والمشروبات. كان المغاربة عبر تاريخ المنطقة مبدعين و مهتميم بأنواع الطعام food مثلهم مثل العرب في المشرق. سؤاء تم تقديم هذا الطعام في رمضان أو مناسبات عادية كما اهتن المغربي بأساليب الحفظ ونقل الأطعمة والمشروبات إلى أماكن مختلفة. وسنحاول في هذا الموضوع التطرق إلى تاريخ الطعام و المشروبات في المغرب في العصر الوسيط و الحديث مركزين على الفترة ما بعد المرينية ومستعينين بكتاب ابراهيم حركات المغرب عبر التاريخ .
الطعام والمشروبات في المغرب بالعصر الوسيط
لم يتطرق كتاب ابراهيم حركات للطعام في تاريخ المرابطين و الموحدين أو ما قبل ذلك. و ابتدئ الكلام عن الطعام و الشراب في العصر المريني و الوطاسي .
وقد تألف طعام المغاربة في هذا العهد من الطبقة المتوسطة والفقيرة من ثلاث وجبات يومية أولاها الفطور الذي يشتمل على الحريرة و الخبز و الفواكه ، و الغذاء الذي يحتوي على خبز وسلطة وزيتون وجبن ، أما اخر الوجبات العشاء فيتكون من الخبز والحليب كأحد المشروبات أو الخبز مع بعض الفواكه ، وفي فصل الشتاء يستكثر من الكسكس ، أما الطبقة المترفة فتأكل اللحم يوميا وتنوعت الأطعمة التي يتناولوتها ، ولم يكن شائعا استعمال السكاكين ولا المناديل أثناء الأكل .
وفي حاحا المغربية يتناول السكان خبز الشعير ودقيق الشعير الذي يطبخ في الماء ثم يوضع في آنية مجوفة القعر حيث يصب عليه زيت أركان ، أما في الصيف فيغلى هذا الدقيق على طريقة مع الحليب والزبدة ، وقد يتناولون الخبز مع عسل أو زبدة ، كما يأكلون اللحم مطبوخة مع البصل والفلفل أو الكسكس الذي شاع منذ قديم كأحد أشهر الأطباق في سائر بلاد المغرب ، وكان الإسفنج معروفا في هذا العصر بل كان للسفاجين دكاكين خاصة قبل المرينيين بفاس. كما سجل ذلك صاحب زهرة الآس .
الطعام و المشروبات في مغرب العصر الحديث
شاع استعمال العصيدة أيام السعديين على الخصوص يوم عيد المولد ، وإن كان لا يعرف على التحقيق متى وأين بدأ اتخاذ هذا الطعام المخصص لمناسبة دينية معينة . كذلك نجد القريشلات (أو القراشل) في هذا العهد ، بل قبله بكثير ، وهي حلوى من العجين والسمن والسكر تعجن على شكل خبزات صغيرة .
وقد بدأ المشروبات الكحولية في عهد الدولة السعدية ينتشر تعاطيه بسبب كثرة اليهود والأجانب المسيحيين ، وكان يصنع ببعض جهات المغرب حيث نجد «جان موكي» يتذوق الخمر المغربي بصفة خاصة .
في عصر الدولة العلوية أي بعد القرن 17م بقيت أحد الأكلات الشعبية المفضلة في كل الأوساط هي الكسكس . ولكن بالنظر لتكاليفها النسبية فهي ليست في متناول الأسر الفقيرة إلا في أحوال معينة . وعلى العموم فإن تناول اللحم يكاد يقتصر على الأوساط الغنية والمتوسطة الحال سواء في المدن أو البوادي ، وهذه الأخيرة لا تكاد تستهلك الخضر ، وهناك جهات لا تتناول خبز القمح بل أساس غذائها الذرة أو الشعير . ومن الذرة بصنع كسكس بتناول مع اللبن ويدعى حينئذ بالحلحول و هو من المشروبات التي مازال مشهورا شربه مع هذا الطعام ، ولا يؤكل اللحم في الأوساط الفقيرة إلا نادرا وبالأخص في الحفلات، وحتى الشاي مازال وقفا على الطبقات الغنية والمتوسطة .
ومن الطريف أن الشاي أشهر مشروبات المغاربة اليوم كان موضع منظومات وتألیف . وخاصة منذ بداية القرن التاسع عشر . وكان هناك من الفقهاء من ينظر إليه نظرة معادية لأنه شراب فاسد ! . وإذا كان للخمر وجود قديم بالمغرب كما في سائر العالم العربي الإسلامي وغيرها فإن مؤسسات الحكم في أوج قوتها وتدخل الفقهاء وممثلي الأمة كان يكفي لإغلاق الخمارات التي يشرف عليها اليهود عادة , ولحساب مواطنيهم اليهود أصلا . لكن الأمور اختلفت وتعقدت بعد حرب تطوان . حيث أول الاسبان على الأخص الاتفاقيات التجارية بحرية بيع ما شاؤوا حتى ولو حرمته قوانين البلاد وشريعة الإسلام. وهكذا عمد الاسبان من الخواص إلى فتح حانات في كل المدن تقريبا . کالرباط وآسفي ومراکش.
وما كانت تجدي تدخلات الحكومة لدى الممثلين القنصليين بطنجة ، وهي تدخلات أصبحت تكتسي مع الأيام طابع لفت الانظار ورفع التقارير مع استعطاف لا يؤدي إلى نتيجة في الغالب ، ولأجل ذلك حاولت السلطة العليا سنة 1283/ 1866 أن تعمل على إغلاق مقاهي الموانئ التي كان جلها يديرها أوروبيون ، وكان بعضها يستعمل أيضا الإيواء المسافرين . وبالأخص الرقاصة (سعاة البريد) بالإضافة إلى فتح أبوابها للمخمرين واستعمالها كدور بغاء أحيانا . ولكن القناصل وقفوا إلى جانب رعایا بلادهم كما لو كانوا هم حكام المغرب .
وهكذا توقف أمر إغلاقها مدة قبل أن تتخذ السلطة موقفا حازما . وكان بين أرباب المقاهي بعض الايطاليين والبرتغال فضلا عن الأسبان ، وبينهم عناصر يهودية ، وللمقاهي أيضا وجود قديم بالمغرب حيث كانت معروفة بالرباط في عهد حركة الجهاد البحري (قرن 11 / 17م).
حركات إبراهيم، المغرب عبر التاريخ، الجزء الثاني و الثالث، نشر وتوزيع دار الرشاد الحديثة، الطبعة الثانية 1994.