تاريخ الهجرات العربية إلى المغرب الأقصى: من الفتح الإسلامي إلى نهاية حكم الموحدين



تاريخ الهجرات العربية إلى المغرب الأقصى تاريخ المغرب الإسلامي تاريخ المغرب تاريخ هجرة الرسول الهجرات العربية تاريخ المغرب العربي تاريخ الهجرة النبوية تاريخ المغرب القديم تاريخ المغرب القديم pdf الهجرات العربية القديمة تاريخ المغرب العربي القديم بداية تاريخ المغرب هجرة القبائل العربية الى العراق كتاب تاريخ المغرب الاقصى تاريخ المغرب مختصر تاريخ المغرب الاقصى المعاصر تاريخ الهجرة تاريخ الحجاز


إن الحديث عن العناصر العربية بالمغرب الأقصى  يستدعي أولا الرجوع إلى البدايات الأولى لدخول هؤلاء، خاصة في بداية الفتح الإسلامي بعد أن أصبح المغرب ولاية تابعة للخلافة الأموية في المشرق. لقد تتابعت هجرات العرب نحو المغرب الأقصى خلال العصر الوسيط ولم تتوقف وسنركز على الفترة الممتدة من الفتح الإسلامي إلى نهاية حكم الموحدين .



المرحلة الأولى: تبدأ من الفتح الإسلامي إلى القرن الخامس الهجري تقسم بدورها إلى فترتين:

الفترة الأولى:

 بدأت منذ تحكم المسلمون أيام الفتح في  بلاد المغرب وعمالاتها، واقتسموه.. أمدهم الخلفاء بالبعوث..، وكان فيهم من كل القبائل من العرب، ومن بين القبائل التي وفدت على المغرب الأقصى خاصة في شماله بنو هاشم وبنو عدي وبنو أمية وبنو أسد وغيرهم. وقد " كان صالح بن منصور الحميري من عرب اليمن في البعث الأول... فاستخلص نكور لنفسه، بعدما أقطعت له من لدن الوليد بن عبد الملك سنة 91 هـ، فأقتطع صالح أرضها ، وهذا يوضح استقرار العرب بالمغرب الأقصى منذ السنوات الأولى للفتح. 


الفترة الثانية: 

كان المهاجرون العرب القيروانيون من "القيسية" و"الأزد" و"يحصب" و"مذحج" الساخطين على الأغالبة ، قدموا إلى مدينة فاس في عهد إدريس الثاني سنة 189هـ ، بلغ عدد بيوتهم ثلاثمائة بيت، بينهم خمسمائة فارس كما تخلل هذه الفترة توافد عناصر أخرى غير عربية في فترة حكم إدريس الثاني تقريبا 193هـ، وهي جماعة من الفرس من بلاد العراق فأنزلهم بعين علون ومنهم بنو ملونة. وأيضا استقبل المغرب الأقصى عدد من المهاجرين العرب الأندلسيين النازحين من قرطبة - في حادثة ثورة الربض المشهورة الذين استوطنوا مدينة فاس بالعدوة وهي تحمل اسمهم عدوة الأندلسيين) .


في عهد الأمير الإدريسي نفسه سنة 202هـ، قدر عددهم ابن أبي زرع بـ ثمانية آلاف بيت وهي أول هجرة مهمة تتحدث عنها المصادر التاريخية. ولما " نزلوا عدوة الأندلس وشرعوا في البناء يمينا وشمالا إلى ناحية الكدان، ومصمودة، وفوارة، وحارة البادية والكنيف إلى الرميلة فسميت عدوة الأندلس". وقد استقبل المغرب في هذه الفترة أيضا عددا من الصناع والحرفيين الأندلسيين، فقد طلب موسى بن أبي العافية من الناصر لدين الله الأموي أن يرسل له عددا من الصناع لبناء قلعة فقبل ذلك، " .. وأخرج إليه محمد بن الوليد بن فشتيق رئيس المهندسين لديه، مع ثلاثين بناء وعشرة من النجارين، وخمسة عشر من الحفارين وستة من الجيارين .. وستة من الأشارين لأشر الخشب ، ورجلين من 
الحدادين، ورجلين من الحصادين تخيروا من حداق طبقاتهم...".



ومدينة فاس لم تزل منذ أسست مأوى للغرباء من دخلها استوطنها وصلح حاله بها، وفي القرن الرابع الهجري تدفقت العناصر العربية المشرقية على المدن المغربية كسجلماسة التي استقر بها تجار البصرة وقد نزل كثير من العلماء والفقهاء والصلحاء والشعراء والأطباء وغيرهم بالمغرب الأقصى إلى غاية 726هـ. 



المرحلة الثانية: انطلقت مع قيام المرابطين

تضافرت عدة عوامل لتجعل من المغرب الأقصى منطقة جدب للعديد من العناصر العربية الأندلسية خاصة بعد شيوع الأمن والاستقرار في المغرب ، فضلا عن حرص المرابطين على جلب الصناع والمهرة والحرفيين لحاجتهم إليهم، خاصة في ميادين الدباغة والجلود وقصب السكر وصناعة الخزف، وقطاع البناء والمعمار، فيوسف بن تاشفين جلب الصناع من قرطبة إلى مدينة فاس للزيادة في مسجدها وسقاياتها وحماماتها وخاناتها كما جلب علي بن يوسف من الأندلس العمال لبناء قنطرة تانسيفت وتشير المصادر خاصة كتاب " بيوتات فاس "الكبرى" ، إلى العديد من البيوتات العربية التي استقرت بفاس، فضلا عن استقرار بيوتات عربية أندلسية أخرى بمدن مكناسة وسبتة كبيت بني الصقر. وتوافد عناصر كثيرة من العرب نحو مدينة فاس.




المرحلة الثالثة: هجرة عرب بني هلال الأولى في العهد المرابطي

كان من نتائج استيلاء قبائل بني هلال وبني سليم على إفريقية وتخريبها، أن السكان الأصليين أفرغوا البوادي والحواضر ، وترك الناس إفريقية خاصة التجار .. ، قاصدين المغرب الأقصى خاصة مدينتي أغمات وفاس. كما استقبل المرابطون عرب بني هلال ولم يكن عددهم كبيرا، ومن الراجح أن لا تكون هذه العناصر قدمت إلى المغرب قبل الفترة المرابطية، إذ يصرح ابن خلدون " أن العرب لم يكن المغرب لهم من الأيام السابقة، بوطن وإنما انتقل إليه في أواسط المائة الخامسة أفاريق من بني هلال وسُلَيْم اختلطوا في الدول هناك..". وانخرطوا في الجيش المرابطي، إذ تشير المصادر صراحة إلى مشاركة العناصر العربية في الجيش المرابطي وخوض عدة معارك عسكرية حيث ساهموا في حملات أمراء الدولة المرابطية في الأندلس، حيث جاز معهم " خلق كثير من المرابطين والمتطوعة من العرب..". ونظرا لتشكيك البعض في كون العناصر العربية المشاركة ليست قبائل بني هلال وأن المصائر ذكرت كلمة "عرب"، فإن الباحث محمد المغراوي يشير إلى مشاركتها في الجيش المرابطي، كما قدم الباحث إبراهيم القادري بوتشيش مجموعة من القرائن الدالة على وجود قبائل بني هلال فيه ومن بينها أن المصادر لم تذكر قبائل بني هلال بالاسم نظرا لوجود عناصر عربية أخرى فاكتفت بذكر عرب. 



قبائل بني هلال عرفوا بنزعتهم الحربية، وليس من المستبعد أن يكونوا ضمن المشاركين في الجيش المرابطي، غير أن مشاركتهم لم تكن بشكل نظامي ورسمي، وإنما على شكل متطوعة، كما أن عندهم كان قليلا، إذا ما قارناه بعددهم بعد ترحيلهم في نهاية القرن السادس الهجري على يد الموحدين.





المرحلة الرابعة عملية تهجير القبائل العربية إلى المغرب الأقصى في العصر الموحدي:

إن حدث ترحيل هذه القبائل لم يحظ باهتمام الأسطغرافيا المغربية بما فيه الكفاية. ويبدو أن هذه القبائل لم تفضل الهجرة ، وإنما فرضت عليها. وقد ساهمت الإغراءات التي قدمت لهم من لدن خلفاء الموحدين في تسهيل نقل مجموعات متوالية من القبائل العربية إلى المغرب الأقصى، وأول ذكر لوصول بعض العرب من إفريقية في عهدهم جاء بعد انتصار عبد المومن عليهم في سطيف سنة 548هـ ، وبعد فتحه للمهدية وإفريقية وهزيمة القبائل العرب قرب القيروان سنة 551هـ انخرط بنو رياح في الدعوة الموحدية ومعهم قسم من "عرب جشم وعزموا على النزول إلى المغرب لخدمة الدولة. وعندما كان عبد المومن راجعا من إفريقية نحو المغرب استقدم معه عددا كبيرا من العرب وفي سنة 555 هـ لما كان عبد المومن بن علي الكومي في إفريقية ويريد الجواز إلى الأندلس عبر مدينة طنجة، وسار حتى وصل إلى مقربة من وهران طلبه "عرب إفريقية" في الوداع بالرجوع إلى محلاتهم فأسعفهم بذلك " ونقل منهم إلى المغرب ألفا من كل قبيلة بعيالاهم وأبنائهم وهم عرب جشم".



واستمرت القبائل العربية في التوافد على المغرب الأقصى بمباركة من أمراء الموحدين، فقد استقبلهم أبو يعقوب يوسف (558 580هـ) خارج مراكش وأدخلهم في الخدمة وتحرك بهم نحو الأندلس برسم الجهاد سنة 566هـ . ولما فتح قفصة من جديد سنة 576هـ، قدم عرب" رياح فروض الطاعة للموحدين" و" عزم الأشياخ من قبيل رياح على التوجه إلى الأندلس بعيالهم وأموالهم لغزو العدو، فتحركوا بجموع ضخمة...". ومن غير المستبعد أن يستقر البعض بالأندلس وأن يعود البعض إلى المغرب الأقصى بعد انتهاء الحملة العسكرية.



- يعقوب المنصور الموحدي وقرار تهجير قبائل بني هلال للاستقرار بالمغرب الأقصى

تطورت الهجرات البشرية العربية نحو المغرب الأقصى بشكل كبير في عهد أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي (580-595هـ)، وتوطين هذا الأمير لعرب بني هلال بالمغرب الأقصى تذكره المصادر بنوع من التعميم. ومع ذلك فقد حظيت هجرة بني هلال التي سماها أحد الباحثين "الهجرة العربية الكبرى" في المصادر التاريخية بالتدوين أكثر من غيرها.

وقبل التفصيل في ظروف نقل قبائل بني هلال إلى المغرب الأقصى، نذكر بالأسباب التي دفعت يعقوب المنصور الموحدي إلى التوجه نحو إفريقية، والتي تتمثل في تحكم بني غانية في مدن ومناطق إفريقية وأجزاء من المغرب الأوسط، وتعاظم شركته مع انضمام العديد من القبائل،"... فاجتمع لعلي بن غانية من الملثمين والعرب والعجم... عساكر ،جمة وغلب الضواحي وافتتح بلاد الجريد وملك قفصة وتوزر ونفطة..". فتوجه الأمير أبو يوسف يعقوب المنصور لمواجهته، وتمكن من الحاق هزيمة قاسية ببني غانية وأتباعه في معركة "الحامة" سنة 583هـ وتتبع الثائر قراقوش فهزمه في قابس وفي هذه الظروف اتخذ قراره الحاسم بترحيل القبائل العربية التي ناصبته العداء وساعدت خصومه.




وتجدر الإشارة أن عملية التهجير لم تكن جزئية كما كان الشأن في عهد عبد المومن، وإنما شملت كل البطون، فقد دفع هذا الترحيل إلى إعادة توزيع القبائل العربية على المجال في المغرب الأقصى بعدما ترك قبائل زغبة الموالية للموحدين في منطقة تلمسان، أما باقي القبائل الأخرى التي دخلت المغرب، استقرت إلى جوار ديار "المصامدة" و"صنهاجة" و"مصغرة" و"أوربة" وغيرها من القبائل وصارت أرض المغرب منقسمة بين أمتين: أمة العرب أهل اللسان العربي، وأمة البربر أهل اللسان البربري.." وأنزل بسائط المغرب الأقصى قبائل في الهبط وجشم في تامسنا ونسجل غياب إحصاء عددهم، وهذا ما جعل أحد الباحثين يقول: " لكن للأسف لم توفر المصادر معطيات رقمية عن أعدادهم التي يبدو أنها كانت هائلة حسبما تدل عليه خريطة انتشارهم.."، التي حاول صاحب كتاب "العبر" رسمها من خلال النص الذي أورده بعد نفي المنصور قبائل جشم ورياح من الهلاليين إلى المغرب الأقصى، فقد استقرت قبائل جشم مع بطونها في بسائط المغرب.

وفي هذا السياق يتبادر سؤالين إلى الذهن وهما كيف تمكن المنصور الموحدي من توزيع السكان على مناطق مغربية يستقر فيها البربر ؟ وكيف تم إسكانهم من دون أن تحدث مواجهات ؟ يبدو أن عدم حديث المصادر عن مواجهات عسكرية مباشرة بين العرب والبربر بعد التوطين، وكذا حديث المصادر عن استقرار هذه القبائل بهذه المناطق دليل على قبولهم بهم واحتضانهم لهم ، فضلا عن قوة السلطة التي كانت حريصة على توطينهم . وأغلب المناطق التي استقروا بها كانت في حاجة ماسة إلى عناصر بشرية جديدة، بعدما عرفت نزيفا ديموغرافيا في عهد المرابطين وبداية تشكل الدولة الموحدية خاصة في منطقة تامسنا التي تم فيها القضاء على البرغواطيين.



المرحلة الخامسة : دخول قبائل بني معقل

تميزت هذه المرحلة بدخول قبائل بني معقل القادمة من إفريقية والمغرب الأوسط، متجهة نحو الجنوب الشرقي ومتوغلة إلى منطقة سوس ودرعة في نهاية حكم الموحدين، ثم بعد ذلك إلى الغرب والجنوب من بلاد المغرب الأقصى في نهاية القرن 7هـ.




محاضرة الأستاذ حميد اجميلي. تاريخ الغرب الإسلامي المرابطون والموحدون والمرينيون.جامعة بن طفيل. كلية الأداب و العلوم الانسانية. القنيطرة. بتصرف


تعليقات