معلومات عن المقال
مقال المرتزقة النصارى في بلاد المغرب الاسلامي ما بين القرنين الخامس والسابع الهجريين/ الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين هو لبومدين هشام نمر من مجلة عصور جديدة المجلد 8 العدد 1 ماي 2018.مقتطف من المقال
2 بدايات ودوافع استخدام المرتزقة النصارى في الجيوش الإسلامية ببلاد المغرب الإسلامي
للحديث عن بداية استخدام المرتزقة النصارى في جيوش المسلمين ببلاد المغرب الإسلامي لابد من الإشارة إلى عنصر الصقالبة في الجيش الإسلامي، حيث يعتبر استخدام المرتزقة النصارى امتدادا لاستخدام العنصر الصقلبي، فكلاهما ينحدر من أرومة أوروبية واحدة والفرق بينهما هو أن الصقالبة كانوا من الرقيق الأبيض، وكانوا يربون تربية إسلامية، وقام المسلمون في الأندلس باستخدامهم في الجيش، ويعتبر الأمير الأموي الأندلسي الحكم بن هشام الريضي (180-206هـ/796- 821م) أول من استكثر منهم وجعل منهم حرسه الخاص، وأطلق عليهم اسم الخُرْس لعجمتهم، بينما المرتزقة كانوا أحرارا في غالب الأحيان يدينون بالنصرانية، وقليل منهم من اعتنق الإسلام ودخل المرتزقة في خدمة أمير أو خليفة مسلم من تلقاء أنفسهم كحرس خاص أو كفرقة عسكرية قتالية لقاء أجر مادي والحصول على امتيازات أخرى كامتلاك أراض وضياع خاصة ممن كانوا يتولون مناصب قيادية، وقد تطول مدة اقامتهم أو تقصر أو تكون دائمة.
وبرزت طائفة المرتزقة في بلاد المغرب الإسلامي بشكل واضح في الأندلس خلال عهد الطوائف، لحاجة الأمراء إلى القوة العسكرية التي تدعمهم لعدم وجود أساس شرعي لسلطتهم ولم يكن الهدف من تواجد هذه القوة العسكرية من أجل الجهاد لردع الخطر النصراني وإنما لاستخدامها في صراعاتهم الداخلية مع بعضهم البعض، ولفرض سلطتهم على رعاياهم إذا فكان لابد لهم من اللجوء إلى استعمال المرتزقة بشكل واسع وكان كل ما يطلب من المرتزقة أن يطيعوا سادتهم، وأن يكونوا متمرسين بارعين في القتال، أما الأصل الذي جاؤوا منه أو ينتسبون إليه والدين الذي يعتنقونه فقليل الأهمية بالنسبة لهؤلاء الثوار أي ملوك الطوائف، وهؤلاء في الغالب هم من المحاربين النصارى الذين يؤتى بهم من الشمال لقاء أجور معينة، ويكون استعمالهم عادة لمدة معينة تختلف طولا وقصرا أو لمهمة بعينها لقاء أجر معلوم، والسبب الواضح لاستخدامهم هو الحاجة الماسة لهؤلاء الأمراء الصغار للقوة العسكرية في حروبهم الداخلية الدامية وخوفهم من فقدان ملكهم وسلطانهم.
أما في بلاد المغرب فإن جلب العناصر المرتزقة لحماية الأسرة الحاكمة ترجع للعهد المرابطي، وقد شكلت في الفكر الخلدوني موقعا هاما، فهي تعتبر من العلامات الدالة على انتقال القبيلة السائدة إلى حياة الترف والبذخ، كما أن الدولة أصبحت في حاجة إلى هذه العناصر لقمع تمردات وثورات القبائل والقضاء عليها، وبالتالي فإن هذه العناصر تدعم القبيلة السائدة، ونظرا لقرب شبه الجزيرة الإيبيرية من المغرب وبسط المرابطين سيادتهم على الرقعة الإسلامية فيها عمد أمراء المسلمين المرابطين على استجلاب أعداد منهم وإدخالهم في خدمتهم ، وهذا ما ذكره ابن خلدون بصفة عامة عن استخدام ملوك المغرب للجند النصارى حتى عهده فيذكر أن هؤلاء الملوك لم يستخدموا الجند النصارى في جهاد الممالك النصرانية "حذرا من ممالاتهم على المسلمين"، وإنما استخدموهم في قتال العرب والبربر لإجبارهم على الطاعة، وكذلك استعان بعض الخلفاء الموحدين بالجند النصارى على قتال خصومهم من المنافسين لهم وغيرهم"، ويذكر الأستاذ إبراهيم القادري بوتشيش إلى أن الكتائب العسكرية النصرانية لم تعد كما كان الحال إبان العهد المرابطي متكونة من أسرى الحروب، بل من رجال أحرار التزموا بخدمة الخلفاء الموحدين من تلقاء أنفسهم.