حوار حول التاريخ والتراث والنهضة بقلم الطالب الباحث محمد البكري
في ظل التحديات المعاصرة التي تواجهها المجتمعات العربية، يظل السؤال المطروح هو هل يمكننا اليوم الحديث عن راهنية الإشكالات التي طرحها مفكرو النهضة أمثال الطهطاوي ومحمد عبده أم أن الأسئلة والحلول التي اقترحوها للمنظومة العربية المأزومة قد فقدت صلاحيتها في مرحلتها التاريخية؟
جواب: لكل عصر رجاله، ولكل رجال اهتماماتهم. والسياق الذي أفرز رجال ما نسميه اصطلاحا بالنهضة، يختلف كثيرا عن واقعنا الحالي. قد نتساءل مثلا عن "النهضة العربية" ونقارنها مثلا بالنهضة الأوربية، فيتضح لنا أن ما عرفه المشرق العربي في نهاية القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، يمثل استفاقة من نوم عميق، وأن النهضة لا تعطي ثمارها كاملة إلا إذا كانت شاملة لميادين متعددة: الفكر والدين والفن والاقتصاد والسياسة ونشر المعرفة والطباعة وازدهار العلوم بكل أنواعها: المادية والإنسانية. بعد الحربين العالميتين، وما عرفه العالم من تطورات تقنية وعلمية وسياسية واقتصادية، بلغ تجاوز الغرب للمشرق حدا كبيرا، فاتسع الخرق على الراتق، وأصبحت أفكار رواد النهضة العربية متجاوزة، وبعضها كان متجاوزا في عصره بالمقارنة مع ما عرفه العالم آنذاك من تطورات. (قاسم أمين مثلا).
سؤال : ما العلاقة بين التاريخ والتراث؟
جواب: التاريخ علم ينصب كما هو معلوم على الماضي، وكل الماضي ملك للبحث التاريخي، السياسة ,الاقتصاد ,الاجتماع ,الدين .الفكر عموما ,الطب .الهندسة ,الفنون ,القانون .الفلسفة والمعمار وكل ما هو إرث حضاري ، يدخل في حقل التاريخ بمجرد وقوعه، ويصبح من الماضي، والماضي هو مجال التاريخ الحيوي الذي يقتات منه المؤرخون.والتراث، هو جزء من هذا الموروث، سواء كان تراثا ماديا كالمآثر العمرانية والأدوات والكتب، أو لا ماديا مثل الموسيقى والأمثال والأشعار الشفوية والرقصات وغيرها، والفرق هو أن التراث شاهد حي على الماضي، يحافظ على نفسه من الضياع ،ويتكيف باستمرار، فالآثار تتعرض للتدهور أو التثمين، والتراث اللا مادي يتطورويلحقه التغيير: الرقص والملابس والغناء والعادات، فيصبح تراثا جديدا. وحده التاريخ من يحافظ على التراث مثبتا في محيطه وسياقه التاريخي. فقصر البديع الذي يخلده التاريخ، كان في القرن السادس عشرتحفة لا تضاهيها أية معلمة في وقتها، وهو الآن بقايا وأطلال،والتاريخ سيخلد نفس التراث، ولكن على فترتين مختلفتين، في الزمن. وينطبق نفس الأمر على العادات والتراث اللامادي برمته.
سؤال:كباحث في التاريخ المغربي، وكواحد من الذين انشغلوا كثيرا بالعلاقات المغربية مع الآخر. ما الذي ينقصنا للحاق بركب هذا الآخر؟
جواب: أعتقد أننا لا يجب أن نشغل أنفسنا بالآخر، واللحاق به، وإلا فإن التفكير في هذا الموضوع سيرهقنا كثيرا. حين نكون سلاحف ونتسابق مع أرانب، ويتضح لنا أن السباق محسوم، فما علينا إلا أن ننكب على ذاتنا، ونستفيد من تجارب الآخرين، ونبحث لأنفسنا عن مضمار يمكن أن نجيد التسابق فيه، ونطور إمكاناتنا وأداءنا. يجب في مجال البحث العلمي، أن ننكب على تجاربنا، ونقيمها، وندفع المسؤولين إلى الاهتمام بالبحث العلمي، وتخصيص ما يلزم لكي يكون مثمرا ويساهم في التنمية، وأن يكون لنا مشروع متكامل للنهوض به، عن طريق إصلاح وتطوير مراكز المعرفة والعلم، وتشجيع الباحثين، وتقويم المسارات، وعندئذ لن يعنينا اللحاق بالآخرين، يكفي في مرحلة أولى أن نضع عربتنا على السكة الصحيحة، وننطلق.