تحميل كتاب الطبخ في الحضارات القديمة - كاثي ك.كوفمان pdf
معلومات عن كتاب الطبخ في الحضارات القديمة
العنوان : الطبخ في الحضارات القديمة
الكاتب : كاثي ك.كوفمان
ترجمة : سعيد الغانمي
سلسلة الحياة اليومية عبر التاريخ
مقتطف من كتاب الطبخ في الحضارات القديمة
الطبخ في الحضارات القديمة . يتفق جميع الأنثروبولوجيين على أن كل ما هو مطبوخ ينتمي إلى «الثقافة»، بينما ينتمي كل ما هو نيء إلى «الطبيعة». ومثلما ينفرد الإنسان باللغة الإبداعية التي تميزه عن جميع الحيوانات، فإنه ينفرد عنها أيضاً بكونه الكائن الوحيد الذي «يطبخ» ما يأكله، منذ أن اكتشف النار قبل آلاف السنين على أن النظرة إلى «الأدب المطبخي ظلت تتراوح بين «الاحتكار» المطلق أو «الاحتقار» المطلق. فمنذ أن افتض الإنسان لغز الكتابة الأولى، كان الكتبة المتعلمون الأوائل في بلاد الرافدين القديمة سدنة الأدب المطبخي الأول، في حين كان الطباخون من الأميين في الغالب، كما تدل على ذلك مجموعة «ألواح جامعة ييل» في الأدب المطبخي البابلي. وفي اليونان القديمة أيضاً لم يتردد فلاسفة كبار من طراز سقراط وأفلاطون في مناقشة الشؤون المطبخية، بل إن المجموعات التي كتبت على مدار قرون في الأدب الشعبي المطبخي، مثل كتاب «أبيكيوس» اللاتيني، الذي دُوّن في أواخر الحقبة الرومانية، كانت من نتاج احتكار ثقافي للنخبة التي مميز نفسها عن العامة بما تأكله.في الأدب العربي القديم أيضاً ظل الأدب المطبخي حكراً على النخب الثقافية العليا. ويقدم لنا ابن النديم، في كتابه «الفهرست»، قائمة طويلة من كتبوا في فن الطبيخ، تشمل: الحارث بن بسخر، وإبراهيم بن المهدي وابن ماسويه، وإبراهيم بن العباس الصولي، وعلي بن يحيى المنجم، وأحمد بن الطيب السرخسي، الفيلسوف المعروف تلميذ الكندي، وجحظة البرمكي والرازي، وغير هؤلاء من الفلاسفة والأطباء والأدباء، بل إن فيلسوفاً بحجم مسكويه كتب كتاباً في «الطبيخ»، وصفه القفطي قائلاً: «أحكمه غاية الإحكام، وأتى فيه من أصول علم الطبيخ وفروعه بكل غريب حسن». والجميل في الأمر أن القفطي اعتبر «الطبيخ » علماً له أصول وفروع على أن كتب القدماء لم تجد طريقها إلى النشر، ربما باستثناء كتابين - فيما أعلم هما الطبيخ» لمحمد بن عبد الكريم البغدادي، و«الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار. وهناك كتاب حديث عنوانه «المائدة في الإسلام»، كان المرحوم عبود الشالجي يعد بنشره، لكنه لم يصدر حتى الآن. ويبدو لي أن السبب في هذا الإهمال هو أن نهضة العرب الأدبية في القرن التاسع عشر قد تزامنت مع وصول المماليك للسلطة في البلدان العربية. وقد قضى المماليك على الجيش الإنكشاري، وكان الإنكشاريون جيشاً يحتل فيه نظام الطبخ موقع المركز. بل يمكن القول إنه جيش يتركز حول الطبيخ يصفهم الدكتور علي الوردي بقوله: «إنهم يعطون أهمية كبيرة للطبخ وتقديم الطعام فهم مثلاً يقدسون قدور الطبخ ولا يفارقونها حتى في أوقات الحرب ويدافعون عنها دفاعاً مستميتاً، إذ هم يعتبرون ضياعها أثناء الحرب أكبر إهانة تلحق بهم، وهم إذا أرادوا إبداء عدم الرضا من أوامر رؤسائهم قلبوا القدور أمام بيوتهم. ومن مظاهر اهتمامهم بالطبخ أن قائدهم الأعلى يسمونه «جوربجي باشي» أي طباخ الحساء».
ويقدم المؤرخون أرقاماً مبالغاً فيها حول المؤن ومواد الطبخ التي كانت ترافق الجيش الإنكشاري في تحركاته. وحين قضى المماليك على الجيش الإنكشاري، قضوا معهم على ثقافتهم المطبخية. فلم يعد الرئيس هو الطباخ الأكبر، بل القائد العسكري الأكبر. وصار الطباخ الأكبر هو رئيس الخدم وتعززت هذه النظرة الازدرائية مع الاحتلال الإنجليزي لأغلب البلدان العربية، إذ نقل الإنجليز معهم كبار طباخيهم من الجيش الهندي المرافق لهم. وظلت النظرة الدونية تلازم فن الطبخ حتى العصر الحديث، إذ بقيت الوظيفة المطبخية – كما يقول بيت شعري شهير «متروكة للخدم الساقطين». وهكذا تخلى الأدباء والمثقفون عن الأدب المطبخي بكامله. وبرغم كثرة ما تضخه المطابع العربية من كتب طبخ، فإنها جميعاً من نتاج «خبراء الأطعمة» (وبالتأكيد هذه العبارة أفضل من مصطلح «الشيف» المتداول) وبالتالي لا يُنظر لها باعتبارها داخلة في «الأدب المطبخي»، بل هي امتداد عملي للمطبخ الشعبي أو الاحترافي. ومع أن ما يأكله الإنسان كثيراً ما يكون دليلاً على «الهوية الثقافية» له، فإن «الجانب المطبخي» من الهوية الثقافية بقي في منأى عن التناول النقدي في الثقافة الأدبية واللغوية العربية الحديثة.
في الكتاب الذي بين يدي القارئ، تتناول المؤلفة وهي خبيرة أطعمة وأستاذة طبخ في معهد للتعليم الطهوي، ثقافة الطبخ في أقدم أربع حضارات خلفت في تراثها المكتوب نصوصاً تنتمي إلى الأدب المطبخي وتحضيرات الأطعمة، وهي بلاد الرافدين ومصر واليونان القديمة وروما. وأعطت المؤلفة، في مقدمتها الطويلة نسبياً، مقدمة علمية في تاريخية تدجين النباتات واكتشاف النار، وصناعة أواني الطبخ. وكثيراً ما يغفل المرء البعد التاريخي للمطبخ، فيتصور أن ما يأكله كل يوم كان وما زال موجوداً منذ القدم. والحال أن الدراسة العلمية تكشف لنا أن أنواع الحنطة القديمة لم تكن بعينها الحنطة التي نستعملها الآن وقد اختفت نباتات كثيرة كانت موجودة، وظهرت في المقابل نباتات لم تكن قد وجدت في العصور القديمة. ومن هذه النباتات التي تشكل جزءاً من المطبخ الحديث وكانت غائبة عن المطبخ القديم، على سبيل المثال لا الحصر، البطاطا والطماطم والفاصوليا والباميا وما شابهها.