انتشرت الديانتان الساميتان التوحيديتان: اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام، على تفاوتٍ بينهما في المدى والرقعة. وقد سعى بعض العرب إلى نقل هاتين الديانتين إلى الجزيرة، وذلك من خلال اتصالاتهم بتلك البلاد التي كانوا يسافرون إليها مرتين في العام، الأولى في الشتاء والثانية في الصيف.
ومن خلال هذه الرحلات التجارية، تعرّف العرب على الديانة اليهودية والنصرانية، واطّلعوا على مفهوم توحيد الإله، كما تعرّفوا على كتابيهما المقدّسين: التوراة والإنجيل. وكان لانتقال بعض تجار أهل الذمة إلى بلاد العرب عامةً – ومن بينها مكة التي كانت ملتقى القوافل ومركز التجارة ومقرًا لجواسيس الدولتين الفارسية والرومانية – أثرٌ واضح في نقل تلك الديانات. لذا، لا شك أن عرب الجزيرة قد احتكّوا بأتباع هاتين الديانتين.
إذن، ما هي مقومات كل ديانة على حدة في تمهيد الطريق لبروز دولة قريش؟
اليهودية
تمركزت الديانة اليهودية في يثرب (المدينة المنورة) أكثر من غيرها من مناطق الحجاز، وكان لها تأثير بارز في مجتمع المنطقة. فقد انتشرت قبائل يهودية معروفة مثل بني قينقاع، وبني قريظة، وبني النضير، وبني زعورا، وبني هذل. وتؤكد الدراسات أن اليهود كانوا يسيطرون على يثرب قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، سيطرة شبه كاملة، معتمدين على ثلاث أدوات رئيسية: العقيدة، والمال، والمكر السياسي.
وتذكر الروايات أن تأثر العرب بالديانة اليهودية كان محدودًا نسبيًا مقارنة بتأثرهم بالمسيحية، إلا أن اليهودية أثرت بعمق في الفكر الديني عند العرب. فمن جهة، ساهمت في إذاعة عقيدة التوحيد، ومن جهة أخرى، ساعدت على ترسيخ مفهوم النبوة بين الناس. كذلك أثّرت في الخطاب الديني، حيث نقلت مفاهيم البعث والحساب والميزان والجحيم، وهي أفكار أصبحت جزءًا من العقيدة الإسلامية لاحقًا. أضف إلى ذلك، أن اليهودية لم تكن مقتصرة على الطقوس، بل تناولت شؤون الحياة اليومية، ومن بينها الحدود والعلاقات الاجتماعية. عموماً، يمكن القول إن لهذه التأثيرات اليهودية دورًا بالغًا في تهيئة الجو الفكري لقيام دولة قريش لاحقًا في المدينة.
ونظرًا لانتشارها الواسع في مختلف مناطق الجزيرة، فقد تركت المسيحية أثرًا عميقًا في العرب، لا يقلّ أهمية عن أثر اليهودية. من بين أبرز تأثيراتها: أولاً، ترسيخ عقيدة التوحيد؛ ثانيًا، تكريس فكرة النبوة والتبشير بظهور نبي آخر الزمان؛ ثالثًا، التأثير في خطاب العرب الديني، من خلال إدخال مفاهيم الجنة والنار والبعث، بالإضافة إلى التركيز على البعد الأخلاقي والروحي في العقيدة.
النصرانية
سادت الديانة المسيحية في الجزيرة العربية بشكل أوسع من الديانة اليهودية، وذلك نتيجة لعوامل جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية متعددة. وقد تغلغلت المسيحية في القبائل العربية، كما تذكر بعض الدراسات، ووصل تأثيرها إلى قبيلة قريش نفسها. وكانت مدينة نجران في اليمن تُعدّ الموطن الرئيسي للمسيحية في الجزيرة العربية.ونظرًا لانتشارها الواسع في مختلف مناطق الجزيرة، فقد تركت المسيحية أثرًا عميقًا في العرب، لا يقلّ أهمية عن أثر اليهودية. من بين أبرز تأثيراتها: أولاً، ترسيخ عقيدة التوحيد؛ ثانيًا، تكريس فكرة النبوة والتبشير بظهور نبي آخر الزمان؛ ثالثًا، التأثير في خطاب العرب الديني، من خلال إدخال مفاهيم الجنة والنار والبعث، بالإضافة إلى التركيز على البعد الأخلاقي والروحي في العقيدة.
بتصرف من محاضرة الأستاذ حميد اجميلي : تاريخ الاسلام من صدر الاسلام الى العصر العباسي. جامعة بن طفيل القنيطرة. المغرب.