عاش المغرب في ظل السلطان العلوي عبد العزيز بن الحسن مطلع القرن 20 مجموعة من الأحداث السياسية التي يعود سياقها للقرون السابقة. فقد ضغطت الدول الأوروبية على المغرب طيلة القرن التاسع عشر و تغللغت من خلال مجموعة من الامتيازات و التنازلات، وجد المغرب نفسه ملزما لامتثال لها، نتيجة للضعف الاقتصادي و السياسي الذي كان يمر منه .
رغم الأوضاع المزرية التي عاشها المغرب في هذه الفترة، يمكن وصفها بمجرد حمى ستتفاقم حدتها مع مطلع
القرن العشرين، خاصة وأن فرنسا كانت مصصمة على إحكام قبضتها على
المغرب، إلا أن هذا الإحكام سوف لن يكون بشيء الهين، لأن المغارب استنشقوا خطورة
التدخل الفرنسي في المغرب. فأصبحت الأوضاع العامة في مطلع القرن العشرين متدهورة
وشابها جو مشحون صاحبته حركات الاحتجاج والمقاومة.
إذن فما هي الأوضاع العامة التي
عاشها المغرب؟ وكيف ساهم المخزن في تهييء الظروف للمستعمر الفرنسي و الاسباني على
حد سواء ؟ وكيف كانت المقاومة؟ وما هي أهم التحولات السياسية في هذه الفترة؟
هي إذن أسئلة كثيرة سوف نجيب عنها انطلاقا من مجموعة من الكتب وكتاب التدخل المغربي و المقاومة الاجنبية في المغرب 1894 – 1910 للكاتب علال الخديمي الطبعة الثانية 1994 إفريقيا الشرق.
التطورات الاجتماعية و السياسة في مطلع القرن العشرين :
"موت الصدر الأعظم؛ قرصة أذن أبانت عن
جشع المخزن حول اقتسام السلطة و النفود".
بعد وفات الصدر الأعظم أحمد بن موسى 13 ماي 1900
اتفق الكل على أن هذا الحدث يمثل مرحلة فارقة،
حيث انتقل المغرب من مرحلة كانت فيها استمرارية قوة المخزن المغربي وسطوته
إلى مرحلة تبخر فيها كل شيء وتراجعت
قوة المخزن وتفاقم تدخل الغرب في
شؤون البلاد و العباد. وسنتحدث عن هذه التفاصيل بشكل وجيز.
التطورات على المستوى السياسي :
جاء موت أحمد بن موسى مثل حجرة ثقيلة سقطة على رأس
السلطان عبد العزيز، الذي كان لايزال غير مستعد لمزاولة شؤون الحكم في البلاد.
علاوة على افتقاره للتجربة السياسية.
فمباشرة بعد موت الصدر الأعظم سيجد السلطان اليافع نفسه وجها لوجه مع المشاكل
الداخلية و الخارجية.
تميزت هذه المرحلة بالصراع الذي دار بين الوزراء حول النفوذ، وتشكل مخزن
جديد حمل معه بذور عهد جديد بين المخزن و السلطان تختفي فيه مظاهر الاستبداد و
الفساد. وهو ما تبين بعدما تفاقم الضغط الفرنسي على المغرب فاتفقت الإدارة
المخزنية الجديدة بإرسال سفارات للدول الأوروبية من أجل امتصاص حماس فرنسا، وطلب
المساعدة و النصائح...ذهب كل من المهدي
المنبهي في سفارة إلى لندن و برلين و عبد الكريم بن سليمان إلى فرنسا و روسيا.
كل هذه الأحداث و التطورات ستدفع بالسلطان رفقت معيته الجديد إلى كتابة
صفحة جديدة مع التاريخ و نسيان الماضي و بدأ عهد جديد يسوده العدل و الاصلاح. إذن
فماهي أهم هذه الاصلاحات التي أقدم عليها السلطان؟
الاصلاح الجبائي و عواقبه الاجتماعية
أصدر السلطان سنة 1901 ظهيرا يشرح فيه طريقة
استخلاص الجبايات، أو كما أطلق عليها ’سياسة الترتيب’ الجديدة التي من شأنها
الحفاظ على مصالح الرعية وتنميتها وعلاج أحوالها وحسم خلافات السكان مع القياد و
معاونيهم. خاصة وأن الرعية تتهم العمال و الأشياخ بالحيف وتستخدم طرق غير شرعية في
استخراج الجبايات.
تعريف الترتيب : "هو توظيف مقدار محصور يكون
عطاؤه سنويا على أنواع البهائم و المواشي و على مزارع الحرث و البحائر، و كذلك
الأشجار على اختلاف أنواعها".
لقد قلل الإصلاح الترتيبي من وطأه القياد وأعوانهم
على الساكنة و فُرض على المشروف و الشريف و القوي و الضعيف. ويبقى الهدف في
النهاية من هذا الاصلاح هو سلوك سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم...إلخ. وكسؤال
مفتوح هل نجح هذا الاصلاح أم لا؟
تبعات هذا الاصلاح الجبائي :
نزل الترتيب إلى أرض الواقع، ليجد أرضية يشوبها جو من الارتياب والخوف،
لكن. سرعان ما سيعرف الناس حقيقة هذا الترتيب الجديد، الذي من شأنه أن يخلص الناس
من جشع القياد وشيوخهم و أعوانهم.
عرف
الإصلاح في البداية نتائجا جيدة جدا، كيف لا وأن الساكنة أصبحت راضية مطمئنة، لا تهبا ممن كان يسبيها. أما بالنسبة للقياد
ورجال الزوايا والشرفاء فلم يقبلوا بهذا الاصلاح الجديد، لكونه جردهم من كل الامتيازات
التي كانوا يستفيدون منها. ومن هنا ستشتعل أولى شرارات الأزمة التي ستؤدي
بانتفاضات، ولعل أشهرها انتفاضة بوحماره التي ستضع هيبة المخزن و السلطان على
المحك.
سوف
لن نغوص في حيثيات هذه الانتفاضة الفريدة من نوعها، وسنقتصر فقط على الأسئلة
التالي: ماهي أسباب هذه الانتفاضة؟ وكيف تعاملت السلطات العزيزية مع هذه
الانتفاضة؟
انتفاضة بوحمارة
إن المشاكل كما يشاع لا تأتي فرادى بل تأتي من كل
حدب و صوب ولعل أكبر مشكل عرفه المغرب هي
انتفاضة بوحمارة أواخر سنة 1902 بزعامة الجيلالي الزرهوني. استغل هذا الأخير الظرفية الصعبة الذي يمر منها
المغرب وميل المخزن نحو النصارى وبذلك
ادعى أنه هو الأمير محمد بن السلطان المولى الحسن. في بواكير هذه الانتفاضة سنجد
أن المخزن و السلطان ينعت هذه الانتفاضة بالخروج عن الدين واتهام بوحمارة بالشعوذة
وما إلى ذلك.
واجه
الجيش المخزني القوات الرئيسية لبوحمارة في 22 دجنبر انتهت بهزيمة القوات
المخزنية و هروبهم من المعركة وكان هذا من
الأسباب العظيمة في انحلال الدولة. نتج عن هذه الانتفاضة فراغ خزينة الدولة الشيء
الذي سيحتم على المغرب أن يقترض من الدول الأوروبية إذ هو أراد القضاء على انتفاضة
بوحمارة والانتفاضات التي ستظهر فيما بعد.
سياسة التدخل الفرنسي وردود فعل المغاربة
نتائج سفارتي 1901
إن التطورات الداخلية التي عرفها المغرب خلال مطلع
القرن العشرين ، لا يمكن بتاتا فصلها عن تطور العلاقات المغربية الأجنبية ، التي
كانت تعرف نوع من التوازن النسبي في عهد الحسن الأول ، وبعده الصدر الأعظم باحماد
، لكن بوفاة هذا الأخير تغيرت السياسة الخارجية للمغرب ، حيث تم إرسال
سفارتين إلى أوروبا وذلك في سنة 1901 ،
الأولى بقيادة وزير الحربية المنبهي ، الذي توجه إلى الإنجليز ، لكن مساعيه لم
تسفر عن أي جديد ، باستثناء نصيحتهم له
بضرورة شروع المخزن في إصلاحات تتناول ميادين الإدارة ، والاقتصاد ، لكي يتسن
للمغرب مواجهة التدخل الأجنبي .
في حين أسفرت سفارة ابن سلمان لفرنسا عن نتائج
عكسية ، إذ تمكن وزير خارجية فرنسا من إقناعه بقبول بروتوكول 20 يوليوز 1901، الذي
ينظم علاقات الطرفين في الحدود المغربية الجزائرية ، والذي كرس في الحقيقة الهيمنة
الفرنسية على واحات الجنوب الشرقي المغربية.
وإذا أضفنا إلى هذا البروتوكول اتفاقية الجزائر
الملحقة به والتي وقعت في 20 أبريل 1902 ، فقد حصل الفرنسيون على مكاسب كبيرة ،
جعلتهم يتوسعون على حساب أراضي بعض القبائل
المغربية ، وقد خيرتهم فرنسا بين
الخضوع للتبعية الفرنسية أو الانتقال من
أراضيها لمناطق أخرى داخل المغرب أن أصروا على تبعيتهم للمغرب، نظمت اتفاقية 20 أبريل التجارة عبر
الحدود ، ومنحت للفرنسيين امتيازات جمركية على حساب المغاربة ، كما منح هذان
الاتفاقان لفرنسا ورقة رابحة في مجال السياسة الدولية والتنافس على المغرب ،
فبتوقيع الاتفاقان أخذت فرنسا تلوح في
المحافل الدولية . بمصلحتها الخاصة في
المغرب ً عن طريق الجوار ، تلك المصلحة التي اعترف لها المغرب بنفسه.
لكن المغرب لم يطبق ما جاء في بنود الاتفاقين ، حتى اضطرته فرنسا لذلك عقب احتلال وجدة سنة 7.190
الاتفاق الودي واقتراض 1904
بعد أن تمكنت فرنسا من إبرام اتفاق ودي مع إيطاليا
، في صورت تبادل الرسائل بين الوزير الإيطالي لذى الخارجية والسفير الفرنسي في
روما وذلك في سنة 1902 ، الذي جاء متمما لاتفاق 1900 ، إذ بموجبه فكلا الدولتين تستطيع وبحرية أن توسع
منطقة نفوذها المذكور في اتفاق 1900 في الوقت الذي تراه ملائما ، دون أن يكون عمل
إحداهما مرتبط بالضرورة بعمل الأخرى ، وكذلك أن لا تقدم إحدى الدولتين على أي عمل
عدواني اتجاه الأخرى ، والواضح من هذا الاتفاق أن إيطاليا حصلت على حرية العمل
في طرابلس بينما حصلت فرنسا على تأييد
إيطاليا لها في المغرب ، لكن هذا الاتفاق آثار قلق بريطانيا ، وقوى لديها الاتجاه
نحو عقد الاتفاق الودي لسنة 1904 ، حيث وبعد مفاوضات طويلة ، توصلت كلتا الدولتين
إلى تسوية خلافاتهما الاستعمارية والذي
تكلل بالاتفاق الودي المعروف ففي 8 أبريل 1904
وقع الاتفاق المتعلق بالمغرب ومصر ، حيث حصلت فرنسا بموجبه على حرية العمل
في المغرب مقابل تخليها عن مصر لصالح النفوذ البريطاني.
عواقب الاتفاق
لقد كان لهذا الاتفاق ردود فعل سواء من داخل فرنسا
أو بريطانيا ، حيث أن الرأي العام الفرنسي
اعتبر أن تنازل بلادهم عن مصر ، هو ليس إلا تنازل عن حقوق مكتسبة ، مقابل مغامرة
مغربية تحيط بها الكثير من العراقيل.
أما بالنسبة للمغرب فقد اعتبر الاتفاقية بمثابة
عقد بيع المغرب لفرنسا ، حيث حسب المادة الثالثة
من المواد السرية الملحقة بالاتفاق ، تعهدت الدولتان أن يكون شمال المغرب
من نصيب اسبانيا ، ٌاذا كف السلطان عن
ممارسة حقوقه ٌ على تلك المناطق ، وفي الواقع فإن الفصول الملحقة بالاتفاق لم تترك شكا حول أهدافه الاستعمارية ، وفي 7
أكتوبر انضمت اسبانيا للاتفاق السابق ووقعت مع فرنسا تصريحا قبلت فيه ما جاء في اتفاق 8 أبريل 1904.
وقد كانت لهذا الاتفاق ردود
فعل مختلفة بين المغاربة ، حيث ظهر
نوع من السخط وسط القبائل المغربية ، خاف على أثرها المخزن من أن تقوم معارضة مسلحة
ضده من طرف تلك القبائل.
وقد بدأت تظهر بوادر المقاومة المغربية اتجاه
الأجانب منذ انتشار خبر انعقاد الصفقة الفرنسية -الإنجليزية ، ففي هذا الإطار يمكن
ربط حادث اختطاف الثري الأمريكي بوردسيريس وصوره الإنجليزي بطنجة ليلة 18 ماي 1904
من طرف أصحاب الريسوني ، وتحفز قبائل حوز طنجة وتطوان لمقاومة الخطر الخارجي ، وقد
كان الإنجليز الذين اتهموا بخيانة المغرب
هم الهدف الأول للغضب الشعبي ، ففي شتنبر 190ف اختطف المعمر الإنجليزي ميستر لوو ،
من الرباط من طرف السهول ، كما منع بنو عروس
القائد ماك لين من المرور برا إلى طنجة حيث اضطر لركوب البحر
من العرائش .
اقتراض 1904 ونتائجه
من المفارقات المثيرة للتساؤل هي كيف قبل المغرب
الاقتراض من فرنسا في الوقت الذي عرف فيه أهداف الاتفاق الودي ، وفي زمن عرف توتر
في العلاقات المغربية الفرنسية ؟
كان المغرب ومنذ 1903 يبحث عن قروض أخرى من دول
أوروبية ، لكن الاتفاق الودي بين انجلترا وفرنسا ضيق المجال أمام المغرب الذي وجد
نفسه أمام الفرنسيين 4ص49، فبعد أن التزمت انجلترا ببنود الاتفاق لم يكن بمقدور المغاربة إيجاد ضالتهم
في بنوك لندن ، الشيء الذي جعل الاقتراض من المؤسسات الفرنسية شيئا حتميا ، وأن
عرف بعض المفاوضات ، لكن المغرب استسلم في نهاية المطاف للشروط الفرنسية.
ففي 12يونيو 1904 تم الاتفاق على عقد اقتراض مبلغه
62.500.000 فرنك ، بفائدة %5 بضمان عائدات
الجمارك المغربية لمدة 35 سنة ، التي يقتطع
منها %60 شهريا .
لقد وضع هذا الاقتراض بين أيدي الفرنسيين جمارك المغرب في كل الموانئ المغربية المفتوحة
للتجارة أو التي ستفتتح ، وأعطاها الحق في مراقبتها ، كما تم حرمان المغرب من %60
من مداخل البلاد ، في الوقت الذي لم يوضع تحت تصرف المغرب إلا 10 ملاين
فرنك ، تم تقسيطها على أربعة أقساط
، فمن مجموع المبلغ الاسمي للقرض وهو 62.500.000 فرنك ، أخذت الأبناك المقرضة
12.500.00 فرنك عمولة مسبقة و 22.500.000 فرنك سدد لأصحاب ديون 1902، 1903، ودفعت
15.500.000 فرنك لتسديد ديون السلطان من شركات خاصة ، وأبقت البنوك المقرضة على 2.000.000 فرنك رهينة .
إن هذه الشروط الربوية جعلت الأزمة المالية تزداد
استفحالا ، وقد عدت بعض الشروط وخاصة بما
يتعلق بوضع مراقبين فرنسيين بالموانئ نقصا
للسيادة الوطنية ، لذاك قوبل هذا الشرط بالرفض الشعبي ، ولم يساعد المخزن
على تنفيذه ، ولقد اعتبر الفرنسيون بعد اتفاق 8 أبريل ، واقتراض 12 يونيو ، أنهم
في بلاد مفتوحة ولذلك نشطة ضغوط رجال الدبلوماسية والمال على المخزن وأشاعوا بأنهم أصبحوا اسياد المغرب ، وبأن الحكومة
الفرنسية لها اليد العليا في المغرب ، حيت هيا لها الحق لوحدها في أن تتفاوض وتقرر
في كيفية تأسيس البنك المخزني بالمغرب ، وقد قال الكاتب الأول للمفوضية سان اولير
، أن الامتيازات لن تمنح إلا للفرنسية ، أما الآخرون فعليهم أن يقبلوا ببعض
الفتات.
وقد أعتقد الرأي العام الفرنسي بعد الاتفاقين السالفين
الذكر ، أن المغرب أصبح بلاد مفتوحة الشي الذي أدى إلى توافد متزايد
الفرنسيين ، حيث تكاثرت الجالية الفرنسية بالمغرب ، كما نشطت الأوساط الاستعمارية
بالمغرب وفرنسا لخدمته النفوذ الفرنسي بالمغرب ، فجمعت ٌ لجنة
المغرب ْ الأموال بباريس وأرسلت 20.000 فرنك للبعثة الفرنسية بطنجة ،
بهدف تأسيس ْ جريدة السعادة ْ الناطقة
بالعربية ، وفتحت مدارس جديدة بتطوان
والصويرة لنشر اللغة الفرنسية 7 ص 51 ،
كما خصصت مقادير مالية أخرى لبعثات من أجل
التعرف على المغرب .
سفارة سان روني طايندي ونتائجها
بدأت الاستعدادات منذ أواخر 1904 بباريس وطنجة من أجل بعث سفارة هامة لبلاط فاس برئاسة المفوض الفرنسي سان روني طايندي ، الهدف منها الحصول على موافقة السلطان على مشروع فرنسي للإصلاح متعلق بالمغرب ، وهو يهدف في حقيقة محتواه بسط السيطرة على المغرب .
لقد كان المغاربة على علم بأهداف السفارة المقترحة
حيث تحركوا لإفشال مسعاها ، وهكذا نجد
المولى عبد العزيز يتخذ قرارات هامة في
دجنبر 1904 ، تتلخص في تجميد عمل البعثة العسكرية الفرنسية ، لكن فرنسا اضطرته إلى العدول عن قراره ، وذلك بعد أن هددته المفوضية الفرنسية باستخدام القوة .
إفشال المخزن مشروع الإصلاحات
لقد واجه المغرب مشروع السفارة الفرنسية المتمثل في
الاصلاحات، بنوع من المعارضة والرفض الشعبي ، فقد الح العلماء على
السلطان لكي يرفض مشروع السفارة ، وأكدوا
له في فتوى قدموها له أن الأجانب هم السبب الأصلي في الأم المغاربة .
كما لعب تيار من الوطنيين المعارضين للتدخل
الأجنبي دورا هاما في فضح أهداف مشروع السفارة ، كل هذه المواقف دفعت السلطان
ووزرائه إلى الاتفاق على استدعاء مجلس
لاعيان الأمة لمساعدتهم على مناقشة
المطالب الفرنسية ، الشيء الذي اضطر السفير الفرنسي الذي وصل إلى فاس في 26 يناير 1905 إلى طرح
مشروعه الذي يتناول حسب زعمه ، إصلاحات في ميادين الجيش ، الإدارة والاقتصاد ،
أمام السلطان من جهة وأمام الوزراء من جهة أخرى ، وقد استمرت المفاوضات بين الجانبين
طوال خمسة أشهر ، انتهت برفض المشروع الذي تبين منه أنه يهدف إلى بسط الهيمنة
الفرنسية على المغرب ، وتقرر استدعاء الدول الموقعة على اتفاق مدريد 1880 إلى حضور
مؤتمر دولي لمناقشة قضية الإصلاحات
بالمغرب.
الموقف الألماني من الأزمة المغربية -الفرنسية 1904 -1906
في إطار سياسة التوازنات العالمية اعتبرت ألمانيا
المغرب ورقة مهمة حيث نجدها قد أيدت وجهة
النظر الفرنسية في مؤتمر مدريد ، لكن مع
تطور العلاقات المغربية -الألمانية ، سواء منها التجارية وكذا اهتمام المغرب
باستيراد الأسلحة الألمانية ، وإرسال وفود من الطلبة المغاربة للتعلم والتدريب
بألمانيا جعل هذه الأخيرة تولي اهتماما خاصا بمصالحها الاقتصادية والعسكرية في المغرب.
ومع بداية عهد غيوم 2 بدأت السياسة الألمانية تأخذ
مسارا جديدا ، حيث قامت ألمانيا بعقد اتفاقية
تجارية مع المغرب في سنة 1990 أصبحت هي الاخرى تتمتع بحق الدولة الأكثر
حظوة ، الشيخ الذي جعلها تدخل مسرح السياسة المغربية بقوة ، بحيث أنها صرحت بأنها
لا تعلم شيئا عن الاتفاق الودي بين فرنسا وانجلترا ، وهذا راجع بالأساس
لتضارب مصالحها مع فرنسا حوا المغرب ، حيث أن لألمانيا دوافع خاصة وعامة ، فالدوافع العامة هي اقتصادية بالأساس أما الدوافع الخاصة
فترتبط أساسا بسياسة التوسع الإمبراطوري
في نطاق السياسة الألمانية الجديدة ، يضاف إلى
هذا الموقف المغربي الذي حاول جر ألمانيا لمساعدته ضد فرنسا ، كل هذه التصورات والحسابات كانت وراء تنظيم ألمانيا لزيارة
غليوم 2 الشهيرة لطنجة في 31 مارس 1905 حيث صرح غليوم 2 بأنه
يزور ملك المغرب بصفته عاهل مستقل ، وبأنه يأمل أن يضل المغرب مفتوحا المنافسات
السلمية لجميع الدول ، وأنه قرر أن يحمي المصالح الألمانية بالمغرب .
وقد كان لهذه الزيارة صدى واسع داخل المغرب ، حيث
رأى الكثيرون أنها ضربة قوية الأطماع الفرنسية
، أما الفرنسيون فقد اعتبروا الزيارة عملا عدوانيا أفسد عليهم مخططهم.
الخوزيرات 1906
توسَّم المولى عبد العزيز و مغاربة خيرا في انعقاد
هذا المؤتمر، الذي من شأنه أن يفك الضغط الممارس على المغرب من طرف فرنسا، وأن
يقلل من حظوظها داخل المغرب، خاصة وأن التعاهدات ستكون بشكل جماعي حيث لا يترك
مجال للشك أن المغرب كان يلعب على سياسة التوازنات كي لا يسقط المغرب بين فكي
فرنسا. وبذلك يحافظ المغرب على استقلاله.
انعقد المؤتمر بمدينة الجزيرة الاسبانية في 16 يناير 1906 لن نتطرق لتفاصيل هذا المؤتمر وسنقتصر فقط
بالقول على أن هذا المؤتمر لم يستجب لرغبات المغارب بقدر ما استجاب للمستعمر الفرنسي.
قرارات المؤتمر
تضمخت أحلام المغارب من القضايا التي تمخضت من هذا المؤتمر. فالمغارب ظلوا يتوجسون من مسألة الحدود المغربية الجزائرية، عاقدين الآمال على حل هذه المشكلة. لكن الفرنسيين باستثنائهم من المناقشة بقوا يغضون الطرف، ويستعملون سياسة الأذن الصماء حتى يتسنى لهم الجو وإثارة المشاكل، وأي خطأ من المغرب سيكون دريعة من أجل احتلاله.
يمكن القول على أن شروط هذا الميثاق جاءت ثقيلة
على المغرب، لأنها كانت في صالح الأجانب. ومن هنا ستتفاقم المشاكل بين المغرب و
الأجانب، وستكثر الشكايات في صفوف الأجانب.
ما بعد الجزيرة الخضراء ، مقاومة التغلغل الفرنسي.
اضطرت فرنسا كما رأينا أن تقبل حضور مؤتمر حول المغرب ، الشيء الذي جعل المسألة المغربية تصبح دولية ، وبالتالي أصبحت البلاد تخضع لنوع من الوصاية الجماعية ، الأمر الذي لم يكن في حسبان فرنسا ، لكنها وبمرونة سياسية غاية في الدهاء حاولت أن تستغل الموقف لصالحها ، بسلك سياسة ذات وجهين ، وجه اتجاه المغرب غلب عليه نوع من التهجم والصرامة ، يستغل أبسط الأحداث لتضخيمها والتهويل منها في سبيل مضاعفة الضغط على المغرب ، ووجه آخر اتجاه أوروبا لابأس من استخدام المساحيق لتجميله وهذه المساحيق يتكلف أساطين السياسة الاستعمارية وممثليهم في بشمال إفريقيا بتوفيرها ، كالتأكيد على ضرورة إدخال إصلاحات في الموانئ ، وتنفيذ ما قرره ميثاق الجزيرة ، ونشر الحضارة الأوروبية ، ومساعدة السكان ، وتحريرهم من إدارة مستبدة .
ولإنجاح هذه السياسة فقد أسند تطبيقها لبرينيو
الذي عين وزيرا مفوضا بطنجة في يوليوز 1906 وبتعاون مع حاكم الجزائر العام جونارت.
وقد غلب على السياسة الفرنسية في هذه الفترة نوع
من الاستهانة والتعجرف وسوء التسيير ، والهدف من هذه السياسة هو تخويف المغاربة ،
حتا يقبلوا مرغمين ما يملأ عليهم ، لكن الشعب المغربي لم يرضى بقبول هذه التصرفات
وكانت له ردود فعل قوية ، حيث كثرت حوادث القتل الدالة على الرفض الشعبي للتدخل
الفرنسي ، لكن الفرنسيين تمكنوا من استغلالها لصالحهم .
ومن بين تلك الأحداث ، حادث شاربوني المعروف في 27
ماي 1906 ، حيث تم اغتيال أحد الفرنسيين بشاطئ
طنجة (شاربوني ) وكان موظف عادي
بأحد الأبناك بالمدينة ، لكن الفرنسيين وفي إطار سياسة الضغط على المخزن بهدف
الحصول على امتيازات أكثر ، قرروا استغلال
الحادث إلى أبعد الحدود ، حيث كان سقف مطالبهم عقب هذا الحادث البسيط كبيرا جدا ،
منها يتعهد المخزن بالبحث عن القاتل ومن معه ، لقتله وسجن معاونيه 2 دفع تعويض
قدره 100 الف فرنك 3 تقديم الموظفين المغاربة بطنجة الاعتذار للسفير الفرنسي 4
تخصيص موقع لبناء تذكار للقتيل في عين المكان 5 فصل جميع الدعاوى الفرنسية ،
وإنجاز ما اتفق على فعله سابقا 6 إطلاق سراح الطيب ولد بوعمامة وتسليمه سالما
للفرنسية بطنجة.
لقد أظهر المخزن اهتماما كبيرا بالمسألة وأصدر
السلطان أوامره للريسوني وقائد الانجرة وللنائب بالاجتهاد في إلقاء القبض على
المسؤول في الحادث ، أن هذا مثال على واضح على سياسة الابتزاز التي أشرنا اليها.
وفي إطار سياسة الضغوط المتوالية هذه ، وإثارة
الفوضى بهدف استغلالها ، فقد بدأ الفرنسيون من خلال الصحافة الاستعمارية وعلى
رأسها صحف البعثة الفرنسية بطنجة ، كجريدة
السعادة ، يروجون للعديد من المغالطات منها مثلا :
أن المغرب فيه نوع من الفوضى لذا يستوجب تدخل
أجنبي.
وقد اتخذت هذه الصحف من علاقة الريسوني بالأجانب
في المدينة وضواحيها مواضيع دائما ،
تتخللها عبارات التدخل من أجل حماية أمن الأوروبيين بطنجة ، الشيء الذي أدى في
أواخر سنة 1906 إلى محاولة فرنسا واسبانيا احتلال مدينة طنجة ، بدعوى حماية أمن
الأجانب من تصرفات الريسوني وخوفا من هجوما تقوم به القبائل ، وفي حقيقة الأمر فقد سعت فرنسا إلى إرغام
المخزن على تنظيم البوليس بالمدينة تحت إشراف مدربين فرنسيين واسبان أو احتلال
المدينة .
لكن مشروع الفرنسيين فشل بعد أن تدخل المخزن
لإبعاد الريسوني بعد أن خرب مقره بالزينات ، وصل مخيما بضواحي طنجة ثم عمد إلى تنظيم قوة البوليس بطنجة بالاشتراك
مع الفرنسيين ، وبالتالي لم يجد الفرنسيون
أي مبرر لاحتلال المدينة .
قتل الطبيب موشان ونتائجه
في أواخر 1905 قررت الحكومة الفرنسية خدمة النفوذ
الفرنسي بالمغرب فتح مستوصفات ، اعتقادا بأن ذلك من أنجح وسائل التدخل السلمي ونشر
النفوذ الفرنسي ، وهكذا فتحت مراكز طبية أسندت إدارتها لأطباء دبلوماسيين تابعين
لوزارة الخارجية ، في هذا السياق التحق موشان بعمله في 28 أكتوبر 1905 .
وقد قام موشان أثناء إقامته بمراكش بإجراء العديد
من الاتصالات وربط العديد من العلاقات مع شخصيات معينة ، بين القواد ، التجار ،
والمحميين كالمدني الكلاوي وشريف تمصلوحت ، إذن مهمته كانت سياسية بالدرجة الأولى
، الكثير من السياسة والقليل من التطبيب ، فقد أشيع عنه أنه ليس بطبيب ولكنه مبعوث
سري الحكومة الفرنسية ، الشي الذي أدى إلى مقتله في 19 مارس ، وكالعادة حاولت
فرنسا أن تستغل هذا الحادث إلى أبعد حد ممكن .
فبمجرد
وصول الخبر إلى الأوساط الاستعمارية ، انطلقت حملة دعائية مسعورة مضادة للمغرب
، متهمة المخزن بالمسؤولية وداعية للعقاب ، وبعد وصول الخبر إلى باريس في 23 مارس
قرر اجتماع للحكومة في 25 مارس احتلال مدينة وجدة مؤقتا ، وأخبرت الدول الأخرى
بهذا القرار .
وقد اجتهد مولاي عبد العزيز في الحصول على جلاء الفرنسيين ، حيث حاول تنظيم حركة صغيرة كلف إدريس بن يعيش بقيادتها ، كما كلف معه محمد بن الحسن الحجوي لمباشرة المفاوضات مع الفرنسيين ، لكن هذه المحاولة لم تخرج لحيز التنفيذ ، لأن الفرنسيين قدموا مطالب تعجيزية كثمن الجلاء عن المدينة ، ومن بين هذه المطالب :
1- عزل باشا مراكش وإرساله لطنجة ليسجن هناك حتى ينتهي البحث في قضية موشان.
2- إجراء بحث في عين المكان يقوم به قنصل فرنسا بالصويرة .
3- عقاب المسؤولين عن حادث موشان و شاربوني .
4- أداء تعويض يحدده الفرنسيون
5- تنضم البوليس حالا بالموانئ حسب ميثاق الجزيرة
6- أن يتبرأ المخزن من مولاي إدريس ، واستدعائه حالا حتى لا يستمر في إثارة المقاومة ضد الفرنسيين بأدرار و شنقيط .
وقد قبل المخزن هذه المطالب المجحفة ، الشيء الذي
مثل إهانة كبيرة المخزن في نضر الشعب ، وقد قام السلطان بإرسال رسائل إلى قبائل
الحوز ومدنه ، يشرح فيها الحالة التي تمر بها البلاد ، وأسباب احتلال وجدة ، وطلب
منهم أن يعودوا إليه اذا وقع أي حادث كي لا يتم استغلاله من طرف الفرنسيين.
أصبحت كلمة إصلاح بالمغرب غداة القرن العشرين
قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة فكلما عزم المغرب على الإصلاح تقوى النفود
الأجنبي. فهذه الأخيرة اعتبرته إصلاحا لكن في الواقع هو مطية لتحقيق مصالحها داخل
المغرب. يمكن أن نشبه كل هذه الأحداث بعقاقير صبغت مطلع القرن العشرين بالمغرب،
بألوان قاتمة خافتة، جعلت لوحة المغرب تباع بثمن بخص للمستعمر الفرنسي سنة ،1912
تحت اسم الحماية. إذن فما هو مفهوم الحماية؟