قامت ثورة االأمازيغ التي سميت في المصادر ثورة البربر بزعامة قيادات الخوارج الصفرية التي تزعمها ميسرة المطغري وقد جاءت هذه الثورة بعدما تعاقب عدد من العمال الأمويين على عمالتي المغرب آنئذ وهما عمالة طنجة وعمالة السوس الأقصى. وأكدت المصادر أن كلا من إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب عامل السوس منذ 116 هجرية (743م)، وزميله عمر بن عبد الله المرادي عامل طنجة قد ارتكبا تجاوزات كثيرة، منها أن المرادي "أساء السيرة وتعدي في الصدقات والعشر وأراد أن يخمس البربر وزعم أنهم فيء للمسلمين، وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله، وإنما كان الولاة يخمسون من لم يؤمن ولم يجب إلى الإسلام" (ابن عذاري).
وهذا ما دفع بعض الزعامات الأمازيغية المغربية إلى تكوين وفد توجه إلى دمشق حاضرة الخلافة لتقديم شكوى من مظالم الولاة والعمال، لكنه لم يحظ باستقبال الخليفة هشام بن عبد الملك. وبعيد ذلك تأكدت مسؤولية الخلافة الأموية عما حصل بالمغرب من من تجاوزات جبائية فبادر الخوارج الصفرية بزعامة ميسرة المطغري إلى إعلان الثورة بطنجة، فتم قتل عاملها عمر المرادي. ثم توجه الثوار إلى السوس فقتلوا عاملها إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب كذلك. وقد اجتمعت القبائل المختلفة على بيعة ميسرة بالخلافة سنة 122 هجرية (739م) وتسمى بأمير المؤمنين، والتفت حول الثورة، فكان ذلك من عوامل نجاحها في البداية.
كان تأطير الثورة يتم من طرف قيادات الخوارج الصفرية، ومن المعلوم أن مذهب الخوارج بفرقتيه الصفرية والإباضية قد انتشر في العديد من القبائل المغربية على يد دعاة قدموا من المشرق واستقروا بالقيروان مثل سلمة بن سعيد الإباضي وعكرمة بن عبد الله البربري مولى ابن عباس الذي كان يدعو إلى الصفرية. واستطاع التأثير في عدد من شيوخ القبائل المغاربة فتحولوا إلى المذهب الصفري، أشهرهم سمکو بن واسول المكناسي وطریف بن شمعون المصمودي وداوود النفزي وخالد بن حميد الزناتي ومعزوز بن طالوت وغيرهم من مقدمي الخوارج الصفرية بالمغرب، فضلا عن ابن مدين مقدم الصفرية بالأندلس، وكان زعيمهم على الإطلاق ميسرة المطغري رأس الصفرية الذي عرف في المصادر المعادية بإسم ميسرة الحقير، وذلك لأنه اشتغل سقاء أثناء دراسته بالقيروان. ولا يبعد أنه فعل ذلك تنكرا.
وحاولت بعض الدراسات التاريخية أن ترى الثورة الخارجية في بلاد المغرب وكأنها مظهر من مظاهر التنافر العرقي بين البربر والعرب أو نوعا من الإحساس الوطني المبكر لدى أهالي بلاد المغرب. ودون الذهاب بعيدا في التأويل، نستطيع القول إن البربر الذين تحملوا الوجود البيزنطي، فإنهم لم يتكيفوا مع سلطة دمشق، خصوصا عندما شرع الولاة الأمويون في بلاد المغرب بتقليد السياسة الجبائية القاسية التي كان يفرضها الأباطرة الإغريق. وبالتالي يصبح من المقبول، الزعم بأن الأمر يتعلق بتنافر ذي طبيعة اجتماعية، تتعلق بتمرد ضد أقلية واردة من الخارج أرادت الاستئثار بخيرات البلاد وتطويعها لمصلحتها. ويمكن تفسير اندلاع الثورة من المغرب الأقصى بكونه كان آخر المناطق فتحا من قبل العرب، كما أن قبائله لم تعتد الخضوع لسلطة خارجية بالمقارنة مع إفريقية التي ت ر و م ن ت منذ زمن بعيد واعتادت على دفع الضرائب للبيزنطيين. كما أن ولاة بلاد المغرب استمروا في اعتبار المغرب الأقصى دار حرب كما يتبين من حملة سنة 116 ه / 734 م التي تجاوزت بلاد السوس إلى جنوب الصحراء للحصول على غنائم وجلب العبيد. كان الظلم الاجتماعي الذي استشرى في بلاد المغرب من صنع الخلافة وعمالها، وهو أمر ساعد البربر الذين أعلنوا إسلامهم على اعتناق مبادئ الخوارج التي تحُ ض على الثورة ةعلى الحكام الجائرين، وهكذا كانت مبادئ الخوارج متوائمة مع طباع البربر الفطرية ومتمشية مع أهدافهم السياسية ونزعتهم القومية.
حاول الوالي عبيد الله المرادي أن يسير "سيرة الحجاج" في البربر بتخميسهم أي بفرض ضريبة الخراج بنسبة تصل إلى 20 في المائة تستخلص قيمتها عبيدا وليست أموالا، وكان قد تسبب قبل ذلك في ثورة أقباط مصر بالرفع من قيمة الجزية الموضوعة عليهم.
اندلعت الثورة ردا على هذه التجاوزات وأسفرت قتل عاملي طنجة والسوس توجه الثوار نحو القيروان لكن الوالي الأموي بها عبيد الله بن الحبحاب قام بإرسال حملات متتالية إلى ما وراء وادي شلف فاعترضت سبيلهم ودارت معارك بين جند الخلافة والثوار عند الحدود الفاصلة بين إفريقية والمغرب. ولكن الطرفين توصلا إلى هدنة يعود بموجبها كل طرف إلى بلده فرجع ميسرة إلى طنجة، غير أن هذه الخطوة لم ترض غلاة الصفرية الذين رأوا أن عليهم أن يستمروا في قتال جند الأمويين إلى أن يحققوا الانتصار الكامل، وهذا ما أدى بهم إلى التنكر لميسرة وقتله، ثم بايعوا خالد بن حميد الزناتي.
أدى مقتل میسرة إلى تحدد المواجهات مع الجيش الأموي، وحصلت صدامات طاحنة أهمها غزوة الأشراف التي وقعت بين وادي شلف وتلمسان وانتهت بإبادة الجيش الأموي، ومعركة بقدورة التي جرت عند مشارف وادي سبو وأدت هي الأخرى إلى إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش الأموي الذي تم تجميعه بالمغرب الأقصى وتم دعمه من الأندلس، غير أن انتصارات الثوار لم تستطع أن تفرز بديلا للإدارة الأموية قالت البلاد نحو التفكك، وانكفأت كل قبيلة في مجالها، وبدأت مرحلة تكوین کیانات محلية عرفت بالإمارات المستقلة.
أحمد بن خالد الناصري- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى الجزء الأول
احمد عزاوي - مختصر في تاريخ الغرب الإسلامي , الجزء الأول , الطبعة الثالثة , rabat net maroc , الرباط , 2012.
محاضرات الأستاذ محمد المغراوي - كلية الأداب و العلوم الانسانية جامعة محمد الخامس الرباط.