تطور نظام الدولة باتجاه المفهومي القومي على نفس النحو تقريبا من حيث الإطار العام لكنه اتخذ مجموعة من الخصوصيات بالنظر إلى -ما ألت إليه الأمور فيما يتصل بمفهوم السيادة إزاء الكنيسة المركزية بروما لقد بدا التوحد السياسي هناك منذ ق 13م عندما أقدم الملوك وبالأخص ادوارد الاول على ضم بلاد الغال واسكتلندا إلى العرش الانجليزي لكن ملامح النظام ألموحدي والقوي لم تظهر إلا ابتداء من سنة 1485م حينما انتهت الحرب الاهلية المعروفة باسم حرب الوردتين التي انتصر فيها أسرة تيودور والتي أنجبت ملوكا كبارا من طينة الملكين هنري السابع 1485-1509م وهنري الثامن 1509-1547 و الملكة اليزابيت 1558-1603 وهم الملوك الذين صنعوا الدولة الحديثة في انجلترا.
فقد عمل هنري السابع على إقرار السلم بالمملكة بعد مرحلة من القلاقل السياسية والعسكرية وأرسى دعائم النظام المونارشي ومنح لرجال القانون مكانة بارزة في مؤسسات البلاد.
وفيما بعد قام هنري الثامن بحركة سياسية ودينية كبيرة من اجل تثبيت ركائز دولة السيادة وسارت ابنته اليزابيت على نفس المنهج الرامي إلى جعل الدولة عماد السياسة والدين وبذلك ظهرت انجلترا في ق 16م بمظهر الدولة ذات النظام الملكي القوي المرتكز على جهاز اداري فاعلا وبرلمان قومي.
وقد اراد هنري الثامن الانفصال عن الفاتيكان وتأكيد سياسة الدولة لذا فقد لعب رجال القانون بالخصوص دورا حيويا في توجيه سياسة هنري الثامن باتجاه تدعيم دولة السيادة والتخلص من وصاية روما اذ توجوه سيدا على الكنيسة وانجلترا ما بين سنتي 1531-1534 وشجعوه على إصدار قرار السيادة الذي صادق عليه البرلمان مما مكن من إخضاع الكنيسة الانجليزية للتاج الانجليزي بصورة رسمية فقد استطاع كسر شوكة الاكليروس كقوة فيودالية ووضع الأراضي التابعة للأديرة رهن إشارة الدولة وتحويل الأديرة إلى ورشات للإنتاج الصناعي وإصدار قرار الوراثة الذي يعترف بالصلاحية الدينية وقد تبعث الاليزابيت سياسة تدعيم سلطة العرش وفرض هيبته على مجموع البلاد بما في ذلك الكنيسة واستند في هذه السياسة إلى البرلمانويظهر هذا الامر في نقطتين رئيسيتين :
- السيادة العليا أي سيادة التاج الانجليزي على شؤون السياسة والدين.
- ثم المذهب الواحد أي التوفيق بين البروتستانتيين و الكاثوليكيين إذ أصبحت الكنيسة الانجليكانية في هذه الفترة بروتستانتية العقيدة وكاثوليكية المظهر وعلى الرغم من السند الذي أظهره البرلمان لسياسة اليزابيت خصوصا فيما يتصل بالتصويت على قرار السيادة سنة 1559م الذي اخضع الكنيسة بصفة قانونية لسلطة الملكة فان نظام الحكم الذي اقامته كان نظام حكم ملكي مطلق غرار النمط الذي باقي المونارشيات في أوربا خلال ق 16م .
- انجلترا من السيادة الى الاستبداد :
من منظور المفكر
السياسي نيكولا مكيافيلي فالدولة ترتبط على نحو عضوي بشخص الأمير او الملك فقد كان
على الأمير إن يكون قويا مهابا وان يمركز كل السلط السياسية والعسكرية والقضائية
في يده لذا تعتبر مؤسسة الجيش والقضاء الأداتان الأساسيتان اللتان استند إليهما
الملك لفرض هيبة الدولة اما بالنسبة للجيش فقد كان على الملك ان يعتمد على جيش
نظامي لا يتكون من المرتزقة لا يهمهم إلا الأجر وإنما على على رجال لهم حس قومي
وتحركهم مشاعر الدفاع عن الوطن مما يفسر الاهتمام الذي أولاه الملوك الأوربيون
لهذه المؤسسة والحروب التي اشتعلت في مختلف الأرجاء وبهذا وذاك فقد كانت المصلحة
هي الأساسي لسياسة الملك اذ اضطهد الملوك بحسب موقعهم الديني البروتستانتيين او
الكاثوليكيين كما قمعوا الانساويين والمعارضين للحكم باسم المصلحة العليا للدولة
فالغاية كانت تبرر الوسيلة لذا لذا أدت تطورات ق 16م وما رافقتها من مفاهيم سياسية
جديدة الى نظام المونارشية المطلقة اذ اصبح
للملوك سلطة لا محدودة في تدبير الشؤون
العامة وهي سلطة لا توازنها قوة دنيوية او دينية فالقوة التي فرضوها
بالإسناد الى مؤسسة الجيش ودعم رجال القانون لم تكن فقط في مواجهة الفيودالية بل ايضا في مواجهة الكنيسة وفي انجلترا تطور هذا النظام مع سلالة تيودور
ما بين 1485و1603م خاصة مع الملك هنري الثامن وابنته اليزابيت لكنه تلاشى بعد ذلك
مع ال ستيوارت اذ تم إعدام شارل الأول سنة 1649م عقب استلاء اوليفركرومويل على
الحكم ثم مع عزل جاك الثاني سنة 1688م مع أحداث الثورة المجيدة.
– على المستوى الإقتصادي
لقد كانت انجلترا تظهر لمعظم فلاسفة أوربا كأرض الحرية بالرغم من أن
الارستقراطية العقارية هي الحاكمة مرتكزة على نظام انتخابي فاسد لكن البورجوازية
المغتنية بسرعة نتيجة الازدهار الاقتصادي اصبح لها وزنها وبدأت تتطلع نحو أحداث
تغيرات جوهرية خاصة أن البلاد دخلت مرحلة ازدهار اقتصادي واسع بفضل الصناعات
المتطورة والنامية والتجارة الواسعة ذات الأرباح المرتفعة وكانت حقوق البرلمان قد
اعترف بها نهائيا لكن بقيت أقلية من الانجليز هم المشاركون فعليا في الحياة
السياسية وخاصة الارستقراطية العقارية التي احتفظت بالصدارة في حين أصبح التجار
والصناع هم اسياد للاقتصاد ولقد ظلت الماركنتيلية هي القاعدة الأساسية في الاقتصاد
وكانت الأسس المعتمدة لخلق شروط الازدهار الاقتصادي هي البيع أكثر ما يمكن
واستيراد اقل والعمل على تراكم المعادن الثمينة وهكذا اغرق الانجليز للأسواق
الخارجية بمصنوعاتهم المختلفة وتميزت التجارة البريطانية بالتنوع وأصبحت لندن
مركزا تجاريا كبيرا حيث تتم عملية التجميع ثم التوزيع من طرف مصانع ومراكز تجارية
وسفن للبضائع البريطانية وكانت المواد التحويلية والفحم يحتلان الصدارة الأولى ضمن
المصدرات وتراجع تصدير القمح كما جعل الانجليز أسطولهم التجاري رهن إشارة الدول
الأخرى كما أمنت هذه التجارة بواسطة وكالات التامين وهذا ما خلق لدى الانجليز ما
يسمى عدواني تجارية فقد قال بيت الأب
”إن السياسة البريطانية هي التجارة البريطانية“
– على المستوى العسكري الحربي
التاريخ الحديث والمعاصر: عصر النهضة الأوروبية - إسحق عبيد الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة الطبعة: 2006