عرفت افريقيا الشمالية التي تتضمن بلدان المغرب الاقصى و الجزائر و تونس و ليبيا وحدة بشرية تطلق عليها المصادر التاريخية بالامازيغ او البربر او الليبيين ، تجعل منها ساكنتها الاصلية و تذهب المصادر التاريخية الى ذكرها في سياق تفاعلها مع مختلف الحضارت التي تعاقبت على حوض البحر الابيض المتوسط . إذ تذكرها المصادر المصرية تحت اسم المشاوس أو الليبيين و تنعتها المصادر اليونانية و اللاتينية بالبربرية (berbers) و تنعتها المصادر العربية بالمتبربرة و تنعت انفسها بالامازيغية و اخيرا اصبحت تحمل اسم الشلوح و بالاضافة الى الاختلاف في الاسم فقد اختلف المؤرخون في اصل ساكنة شمال افريقيا . إذ تذهب المصادر العربية الى القول بان اصل ساكنة شمال افريقيا من الشرق بينما تذهب المصادر التاريخية الغربية الى القول بان اصل ساكنة شمال افريقيا من اوربا.
ان هناك اتجاها مغربيا يجعل من من اصل ساكنة شمال افريقيا محليا بالاعتماد على المخلفات الاثرية التي تؤكد ان اقدم هيكل عظمي للانسان العاقل بمنطقة حوض البحر الابيض المتوسط وجد في المغرب . كما أن هذه النظرية تجعل من ساكنة شمال افريقيا متلاحقة و متكاملة عبر تفاعلها مع المجموعات البشرية المشرقية و الاوربية و الصحراوية ، اعطت لساكنة شمال افريقيا هوية تجد جذورها في تتبع مسارها التاريخي منذ عهد الممالك الامازيغية الى الان . و مما يؤكد على هذه الهوية وجود لغة متميزة تخص ساكنة شمال افريقيا ألا وهي الامازيغية ( 365 لهجة : ريفية ، زيانية ، سوسية ) لانها تجتمع في مجموعة من اللهجات . و يبقى ان دراسة الممالك الامازيغية في شمال افريقيا تتمحور حول المحاور التالية :
لا تخلوا المصادر التاريخية للحضارات القديمة التي تعاقبت على حوض البحر الابيض المتوسط من الاشارة الى ذكر القبائل الامازيغية و القوى السياسية التي كانت بمنطقة شمال افريقيا . فهي و ان كانت تقدم البربر من وجهة نظرها و حسب طبيعة العلاقات التي ترتبط بها فهي توفر لنا مصدرا تاريخيا مهما يسعفنا في تطوير صورة الامازيغ على ساحة الاحداث التاريخية حيث ظهرت كقوة بشرية استطاعت ان تفرض نفسها بالمنطقة . و قد بدأ ظهور الامازيغ في المصادر التاريخية انطلاقا من المصادر المصرية ثم المصادر الاغريقية فالفينيقية القرطاجية و اخيرا اللاتينية .
ظهور الأمازيغ في المصادر الفرعونية :
تقدم لنا المصادر المصرية صورة واضحة عن الليبيين و تحدد موطنهم في غرب نهر النيل و تقدمهم على اساس قوة بشرية و قوة عسكرية كما تقدم معلومات دقيقة عن وصف هذه الشعوب من خلال ملامحهم و ازياءهم و اسلحتهم
سنة 950 ق.م استطاع القائد العسكري الامازيغي ( أصله من سيوة) شيشنق الاول أن يطيح بالنظام الفرعوني القائم و ينصب نفسه فرعونا (ليس عن طريق الحرب أو الغزو فهو كان أصلا عضوا فاعلا في السلطة الفرعونية) و مؤسسا للاسرة 22 من سلالة الفراعنة التي حكمت مصر و استمرت الى حدود سنة 732 ق.م كما تذكر المصادر التاريخية الاخرى بعض القبائل الليبية مثل : التحنو و التمحو و المشواس.
الأمازيغ في احاديث هيرودوت : ( المصادر الاغريقية )
يقدم هيرودوت صورة اجتماعية عن الليبيين من حيث انهم يشكلون اثنية موحدة تتشكل من مجموعة من الاسر التي تجتمع في القبيلة قبل ان تكون كيانا سياسيا يتمطط و يتقلص حسب الظروف العامة التي تمر منها البلاد . و نظرا لما اثار انتباه هيرودوت فإنه تحدث عن العادات و التقاليد و الزواج و الولادات و الوفيات و كذا المعتقدات الدينية التي كان الامازيغ يمارسونها . نعم فهيرودوت كان يكتب للتاريخ اليوناني و من ثم فإنه اثار الانتباه الى ان قوة الامازيغ هي اثنية الروابط التي تجمعهم و إن احتقر عاداتهم و معتقداتهم بعد ذلك .
الامازيغ في المصادر الفينيقية القرطاجية :
تذكر المصادر الفينيقية أن الاميرة عليشا لما وصلت الى سواحل شمال افريقيا اشترت مساحة جلد ثور من الملك الامازيغي هرباس قبل ان تؤسس المستوطنة الفينيقية و من ثم يتبين ان الليبيين كانوا يعيشون تحت امرة نظام ملكي هو الذي اعطى الشرعية للاستقرار للفينيقيين بشمال افريقيا و تذهب المصادر القرطاجية في تقديم صورة اخرى عن الامازيغ عبر ممارسة التجارة الصامتة ما بين الساكنة المحلية و الفينيقية حيث كان القرطاجيون يضعون سلعهم على السواحل و ينسحبون الى سفنهم ثم يضع الامازيغ كمية من الذهب او السلع مقابلا لها و يعودوا الى اماكنهم لتسترسل العملية حتى يتم التوافق بين الطرفين.
إن ما يهمنا من هذه الاشارة التاريخية من المصادر القرطاجية هو اعترافها الضمني بعلاقة التعامل المتوازي بين الامازيغ و القرطاجيين الذين كانوا يسيطرون على حوض البحر الابيض المتوسط . و تقدم لنا المصادر التاريخية لكل الحضارات التي تعاقبت على حوض البحر الابيض المتوسط صورا متباينة غير انها متكاملة تجعل من الامازيغ قوة اثنية منظمة في تنظيم قبلي يؤدي الى تنظيم ملكي بقوة عسكرية يجعل منها الساكنة المحلية لمنطقة شمال افريقيا خلال الفترة القادمة .
المصادراللاتينية
تعتبر المصادر التاريخية اللاتينية من اهم منابع التزود بالمعلومات عن الممالك الامازيغية بشمال افريقيا خلال الفترة القديمة و جد متنوعة و متعددة و تهم كل المجالات المعرفية من حياة سياسية و اقتصادية و اجتماعية و دينية و ثقافية يعطي هذا التنوع امكانية تتبع صورة ظهور الامازيغ في المصادر اللاتينية منذ أن بدأ الرومان يتطلعون الى الضفة الجنوبية للبحر الابيض المتوسط فقد ادركت روما أن دخولها و سيطرتها على شمال افريقيا لا يكمن فقط في ازاحة القوة القرطاجية التي كانت تسيطر على البحر الابيض المتوسط و انما عليها ايضا القضاء على القوة التي كانت تتحرك بشمال افريقيا .
تناولت المصادر اللاتينية الاولى جغرافية البلاد من خلال جمعها لمعلومات الرحلات الجغرافية المصرية و القرطاجية الذين اجتازوا اعمدة هرقل (جبل طارق) و توغلوا في البلاد و تذكر هذه المصادر انه في اقصى القارة الليبية القريبة على الواجهة الاطلسية مملكة يحكمها ملك يسمى أنطايوس antaeus و هو من نسل إلهي اتخذ مدينة لكسوس عاصمة له و تجعل هذه المصادر من هذا الملك حاكما لكل بلاد تامزغا و انه كان يدافع عنها ضد كل من يهاجمها من الاجانب حتى انه تصدى لهرقل الذي نازله بالقرب من حدائق الهسبيريد و مع استقرار الرومان في المنطقة الشمالية الافريقية بدأت المصادر اللاتينية تتناول البنية الاجتماعية و الاثنية و الاسرية لساكنة شمال افريقيا حتى اضحت لدينا معلومات جد مهمة حول ساكنة و بلاد الامازيغ خلال الفترة القادمة .
تقدم لنا جغرافية لينيوش صورة مغرية عن بلاد الامازيغ الذي يجعل منها بلاد العجائب و الغرائب و مجال استيطان الآلهة و فيها توجد حدائق الهسبيريد أما جبالها فقممها تحاذي الدائرة القمرية و تنبع منها أصوات غريبة و اشجار غاباتها من صنف مجهول اما انتاجها الفلاحي فهو متعدد و خصب . تثير هذه المعلومات اهتمام رجال العلم و المغامرين و الراغبين في الاستقرار بالمنطقة من الرومان .
يتبين أن المصادر التاريخية اللاتينية جد مهمة في دراسة الممالك الامازيغية لما توفره لنا من معلومات تسهم في التعرف على تاريخ الامازيغ من خلال تتبع مراحل التطور السياسي للممالك الامازيغية بشمال افريقيا .
البضاوية بلكامل، محاضرات حول تاريخ الحضارات القديمة( لفائدة طلبة الإجازة والماستر والدكتوراه ) ، منذ 1988.