تعتبر الكتابة الأدبية القديمة أو ما يعرف عند الباحث بالمصادر الأدبية مصدرا مهما للمؤرخيين و الأركيولوجيين في البحث و تقصي عن أخبار العالم القديم . و تبقى مهمة المؤرخ تنقيح هذه المصادر واعيا أنها كتبت لغرض التخليد و المبالغة . و من بين المصادر الأدبية في العالم القديم التي يعتمد عليها :
1. المؤرخ الإغريقي هيرودوت (490 -421 ق.م.؟):
هيرودوت (Herodote) مؤرخ إغريقي من أعلام القرن الخامس قبل الميلاد. ولد بمدينة "هاليكارناص "بآسيا الصغرى حوالي سنة 490 ،وتوفي بالمستعمرة الإغريقية "توروا" بجنوب إيطاليا حوالي سنة 421 ق.م عرف عند الخطيب اللاتيني "كيكيرون" انطلاقا من القرن الأول قبل الميلاد ب"أب التاريخ".اشتهر بالرحلة التي قادته للعديد من المناطق والدول الأوربية والأسيوية ومن ذلك مصر وبابل وفينيقيا. كان للحروب الميدية " التي دارت رحاها بين الفرس والإغريق أثر على نفسية هيرودوت منذ طفولته ، وحفزته للكتابة عن تاريخ الأمم والشعوب ،لأنه من وجهة نظره "أعمال البشر يطويها النسيان"،وأيضا لكونه وفق ملاحظاته تبين له تبدل الأحوال الشعوب والأمم لأنه وفق عباراته" كم من أمة كانت صغيرة أضحت كبيرة والعكس صحيح".وإذا كان الشاعر الإغريقي هوميروس (القرن 8 ق.م.) قد اعتبر الآلهة صانعة الأحداث ، فإن هيرودوت هو أول من نزع عن التاريخ قدسيته وارتباطه بالآلهة ليسرد أعمال البشر . لقد جره حديثه عن القوتين المتصارعتين السالفتي الذكر(فارس والإغريق ممثلين بمدينة أثينا) ليتحدث عن أتباعهما وأصدقائهما ومستعمراتهما .
وضع هيرودوت مؤلفه "التواريخ" من 9 كتب، وعنون كتبه بأسماء إلاهات الفنون التسع المعروفات باسم "الموزات 9 (Muses) "، ثم حولت مدرسة الإسكندرية المسميات إلى أرقام.وتشكل فقرات من الكتاب الثاني ومجمل الكتاب الرابع أساسيات لدراسة تاريخ "ليبيا" وفق الاسم الذي نعت به المؤرخ منطقة شمال إفريقيا قديما ،بل يتيح كتابه الرابع معرفة شعوب المنطقة الأصلية والوافدة وقبائلها ،وأيضا يمكن للدارس الإحاطة بعادات المنطقة ومعتقداتها وبعض معالمها.
2. المؤرخ الإغريقي توسيديدس(460 – 399 ق.م.):
توسيديدس ( (Thucydides مؤرخ إغريقي وقائد عسكري من أعلام نهاية القرن الخامس وبداية الرابع قبل الميلاد. ولد ب " هاليمنت" بمقاطعة " أتيكا"حوالي سنة 460 ،وتوفي حوالي سنة 399 ق.م. عرف توسيديدس عند الباحثين المعاصرين ب"أب النقد التاريخي". اشتهر بدوره بالرحلة وبالمعاينة المباشرة للأحداث والحروب ،ومن ذلك "حروب البيلوبونيز" التي دارت رحاها بين المدينتين الإغريقيتين المتنافستين أثينا وإسبرطة (431-404 ق.م).حلل في مؤلفه حول "حروب البيلوبونيز" شخصياته تحليلا نفسيا واجتماعيا،وكان بذلك أول مؤرخ يستند لهذا المنهج في كتاباته. يتضمن مؤلفه "(يتكون من 8 كتب مقسمة كرونولوجيا وفق تتابع وثيرة الحروب ،وتوقف بغثة عند سنة 411 ق.م وليس عند سنة 404 ق.م. التي تشكل نهاية هذه الحروب) . لقد تضمن مؤلفه عدة إشارات هامة حول الفينيقيين ،وبخاصة حول الصراع القرطاجي- الإغريقي.
3.الفيلسوف الإغريقي أرسطو (484 -322 ق.م):
ولد الفيلسوف أرسطو (Aristote) بمدينة أسطاغيرا ،وهي مدينة أيونية قديمة متاخمة لمدينة مقدونية على ساحل بحر إيجه.ينتمي أرسطو لعائلة معروفة بالطب كابرا عن كابر ،إذ كان والده "نيقوماخوس" طبيبا خاصا للملك المقدوني " امنتاس الثاني " جد "الإسكندر الأكبر".توفي الوالد عندما كان أرسطو حدثا ،فلم يأخذ عنه سوى شهرته.وانتقل إلى أثينا وعمره 18 سنة (حوالي 466 ق.م.)ليستكمل دراسته ،فدخل الأكاديمية ،وما لبث أن امتاز بين أقرانه وسماه أفلاطون " العقل" لذكائه الخارق ولاطلاعه الواسع .أقامه معلما للخطابة ، ولزم الأكاديمية عشرين سنة إلى وفاة صاحبها(حوالي 446 ق.م.) . انتقل بعد ذلك إلى آسيا ،ومنها استقدمه فيليب المقدوني وعهد إليه بتثقيف الإسكندر البالغ من العمر أنذاك 13 سنة ، فلازمه لأمد 4 سنوات .تكلف فيليب بإعادة بناء مدينة أسطاغيرا لمكانة الرجل عنده.وفيما بعد،عندما نودي على الإسكندر ملكا في سن 20 سنة بعد وفاة والده ،ولشدة ولعه بالحروب عاد أرسطو لأثينا ثانية أواخر335 ق.م وأنشأ مدرسة في ملعب رياضي ،وقسم طلبته طائفتين وكان يعلمهم وهو يمشي فلقب هو وأتباعه ب"المشائين".. غادر اثينا ثانية مضطرا سنة 333 ق.م وقصد مدينة "خلقيس "في جزيرة أوبيا .وكان ممعودا من مدة طويلة فمات من مرضه.
كان له إنتاج غزير خلال فترة شبابه ،وإنتاج أهم خلال فترة شيخوخته ،وهي التي وصلت إلينا، وتهم الحقول المعرفية التالية :
-كتب منطقية/كتب طبيعية /كتب ميتافيزيقية أو حول ما بعد الطبيعة/كتب خلقية وسياسية.
كتب فنية في الشعر والخطابة.ويعد كتابه السياسة من أطول الكتب، جمع خلال القرن الأول قبل الميلاد ويضم 8 مقالات (ناقصة أو مشوهة وفيها تكرار). نلخص مضامينها على النحو التالي :
- في تدبير المنزل وهي مقدمة في تدبير الدولة
- في الحكومة المقترحة على أنها مثلى
- في الدولة والمواطن وتصنيف الدساتير
- الدساتير الوضعية
- الدولة المثلى
لقد نزل الفيلسوف أرسطو إلى الأرض في استقرائه للحكم وللدساتير، فيما بقي الفيلسوف أفلاطون في السماء ، ورغم هذا يبقى أرسطو فيلسوفا مثاليا .لقد عكست آراؤه في "الطبقات " الاجتماعية وأشكال الحكم وأزمة المجتمع العبودي في أثينا، بداية انحطاط طبقة ملاك العبيد . إن الزراع عند أرسطو هم الطبقة الاجتماعية الأكثر نفعا لأنهم يعملون لمصلحة الناس دون مقابل ،أي دون طموح في ممارسة الحكم.رغم الطابع المثالي لفلسفة أرسطو،إلا أن أفكاره السياسية تجعل منه " أحد آباء الديمقراطية في العالم".وفي إطار اهتمام أرسطو بالدساتير القديمة امتدح دستور قرطاج ،كما أشاد بنظامها السياسي في مؤلفه حول "السياسة".
4.بوليبيوس المؤرخ الإغريقي المترومن (200 -125 ق.م)
بوليب)يوس (Polype) (هو مؤرخ ومخطط عسكري من أصل إغريقي،إذ ينحدر من أسرة أرستقراطية. شارك في الحروب المقدونية ضد الرومان وسقط مع آلاف الأسرى بيد المحتلين،فنقل إلى روما حيث سيحتل مكانة متميزة بالمجتمع اللاتيني.لعب دورا بارزا في النزاع الروماني- القرطاجي ،إذ قام إلى جانب "سيبيون الإيميلي " القائد الروماني المشهور بتحطيم قرطاج سنة 146قبل الميلاد ،وفي هذا التاريخ نفسه قام برحلته الهامة لشواطئ المغرب الأطلسية التي بدأ وصفها انطلاقا من جنوب الأطلس ،فعرفت رحلته ب "الرحلة المقلوبة " ، وله كذلك مؤلف مشهور معنون ب " التواريخ".
5. بلين الشيخ (23 – 79 م.)
بتصرف من محاضرات البضاوية بلكامل، حول تاريخ شمال إفريقيا( لفائدة طلبة الإجازة والماستر والدكتوراه ) ، منذ 1988.