واكبت حركة الإصلاح الديني في أوروبا الحركة الإنسية، ودعت حركة الإصلاح اهذه إلى تنقية المسيحية مما شبها من بدع وخرافات. ومع ان المسيحية قد عرفت محاولات الاصلاح في العديدة من المحطات في تاريخها، فإن حركة الإصلاح الدينية التي انطلقت خلال القرن السادس عشر في أوروبا كانت أقوى من سابقتها. فما هي دوافع وأسباب الإصلاح الديني في أوروبا ؟ و لماذا قيام هذه الحركة في أوروبا؟
اختلف المؤرخون في تحديد دوافع و أسباب انبثاق الحركات الإصلاح الديني فثمة صنف ركز على فساد كنيسة الكاثوليك وتخاذل رجال الدين عن أداء الدور المنوط بهم. وربطها آخرون باجتهاد شخصي لبعض الرهبان الناقمين على الوضع الديني السائد. ورای صنف ثالث أن الداعي إليها رغبة الحكام في التخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تستحوذ على أموال الناس في حين ركز المفكرون الماركسيون على الارتباط القائم بين الإصلاح والرأسمالية، لأنهم رأوا في الحين حاجز أمام التطور الاقتصادي. لكن يمكن التركيز على أسباب ثلاثة :
سيادة الحس الديني في أوروبا :
اعترى الكنيسة خلال تاريخ القرون الوسطى ضعف كبير كان سبب في انتشار الفكر الخرافي بفعل سيطرة المشعوذين والدجالين على عقول الناس. وأحس المسيحي داخل هذا الجو بالوحدة والحيرة تولده الشعور بالذنب وابتعاد الله عنه، فبدأ ينبثق حس دیني قوي لدى بعض الرهبان وافراد المجتمع لضرورة الإصلاح الديني. وتمثل المنقذ في العذراء والقديسين الذين كانت تمتلئ بصورهم جدران الكنائس والمعابد، وفي الأعمال الصالحة كالحج والدعاء. هكذا وبدل التوجه مباشرة إلى الله انحرفت المسيحية عن أصلها وتم التوجه نحو الشفعاء. أما بالنسبة للمفكرين فكان الاضطراب اوضح بفعل انتشار فلسفة دوكايم التي دعت إلى فصل الدين عن العقل، ورأت عدم جدوى البحث عن الخالق وقد سعى كل مفكر بطريقته الخاصة إلى البحث عن الحقيقة مبتعدا عن التوجه الديني للكنيسة.
بضخ الكنيسة أحد اسباب الإصلاح الديني في أوروبا :
شهدت الكنيسة مظاهر الضعف بفعل تصرف كبار الأساقفة و الباباوات وحذا حذوهم بقية الرهبان، كان هذا سببا من الأسباب التي جعلت المسيحيين ينقمون عليهم. وتجمعت لدى كبار رجال الدين ثروات ضخمة وأموال طائلة نتيجة الضرائب الكثيرة و بيع صكوك الغفران التي اتقلوا بها كاهل الشعوب في أوروبا . وشاعت بينهم مظاهر البذخ والترف، وابتعدوا عن العفة والقناعة. وأصبحت المناصب تباع وتشترى وكان منهم من يعيش مع عشيقته ويدمن على الخمر، ويجهل ابسط القواعد الدينية اللاهوتية. وازدادت الأوضاع سوءا بالبادية التي كانت تضم اربعة اخماس الأوروبيين وحيث كان يردد الرهبان التراتيل باللاتينية دون أن يفقهوا مدلولها. رغما عن ذلك لم تقم الكنيسة بأي إصلاح، لأن البابا لم يفكر الا في مآربه الشخصية وفي تثبيت دعائم حكمه، وليخوله في صراع المؤسسات السياسية في أوروبا .
دور المجمعات الدينية في الإصلاح الديني:
حاولت حركات دينية في اوروبا ان تبحث لها عن الخلاص بعيدا عن سلطة المؤسسات الدينية الرسمية وطغى عليها حس ديني صوفي . يدعو إلى إمكانية الوصول إلى الله مباشرة من غير وسائط الدعوة إلى الترفع عن هذا العالم الدنيء والتجرد لله إلى درجة الوحدة معه ساد هذا التيار خلال القرنين الرابع عشر و الخامس عشر ظهرت مدارس ثم مدرسة ديفنتير حيث تتلمذ ایرازم ومدرسة Macdebourg في ألمانيا التي نتجت ولادة مارتن لوثر الألماني الذي اعتبره التاريخ الأوروبي من أعظم المؤسسين لحركة الإصلاح الديني في أوروبا والدعوة البروتستانتية . والى جانب هذا التيار الديني الصوفي برزت النزعة الإنسية في أوربا والتي تقول بإمكانية الخلاص ولو من غير التشبه بالمسيح.