لم يكن خطر المغول خطرا عاديا كسائر الأخطار التي مرة في تاريخ الاسلام. بل كان خطرا متوحشا ازداد بشكل كبير بعد ان دخل هولاكو بجيوشه الى بغداد في سنة 656 هجرية فأباد مئات الألوف من أهلها ونهبوا خزائنها, وقضوا على الخلافة العباسية التي دامت لقرون. وكانت هذه أول مرة في التاريخ ; العالم الاسلامي دون خليفة. و ظن الناس بهذا أن نهاية العالم قد حلت. كما ظن اخرون أن الله انزل لهم المغول لأنهم ابتعدوا عن الدين . لكن هذا كله كان فقط نتيجة للعوامل المكانية والزمنية . فتوسع المغول السريع نحو الغرب كان لا بذ لهم من المرور على بغداد . كما أن ضعف الخلافة و تشتت العالم الاسلامي حال بين الدفاع عن بغداد و صد الخطر المغولي. لكن هذا التفرق لن يدوم فبعد أن ذاق المسلمون ويلات المغول التفو حول شخصية دراستنا ,سيف الدين قطز .
اصول قطز ونشأته
ولد قطز تحت لواء الدولة الخوارزميةوكان من أحد أمراء الدولة الخوارزمية
الاسلامية, التي كانت مجاورة لامبراطورية المغول التي أسسها جنكيز خانوكانت أمه
أخت الملك جلال الدين بن خوارزم شاه, وكان جده من أعظم ملوك خوارزم. ودخل هذا
الاخير صراعات وحروب مع المغول, خلصة
الى نفوق الامبراطورية الخوارزمية, في عهد
ابنه السلطان جلال الدين, أخر سلاطين الدولة الخوارزمية. ان الحديث عن قطز يجرنا
الى الحديث عن تاريخ هذه الدولة.اد تمتعت هذه الدولة باستقلاليتها بعد ماكانت
اقطاعية من السلاجقة ليصبحوا حكاما مستقلين في القرن الحادي عشر ميلادي.
حكمت الأقدار على
قطز أن يعيش في كنف دولة المماليك. ولد قطز أميرا ونشأ نشأة الأمراء, وتدرب على
فنون القتال, في حروب المسلمين الأولى ضد التاتار. فبعد أن أحكم التاتار قبضته على
خوارزم, أسر الأمير قطز وأصبح يباع ويشترى, الى أن وصل عند عز الدين أيبك. هذا
الأخير كان يعامله معاملة خاصة, لدكائه
وشجاعته و قوته. وأصبح المملوك المفضل لدى الأمير أيبك, ليصبح سيف الدين قطز بعد
ذلك نائب الأمير. تلقى قطز تربية كسائر أبناء المماليك, حيت التحق بالمدرسة و تعلم اللغة العربية, و حفظ
القرآن الكريم, ومبادئ الفقه الاسلامي, ثم
الفنون ,و القتال , و ركوب الخيل, و وضع الخطط الحربية , و التصرف في أمور الدولة.
علاوة على كل هذا تربى قطز على كراهية المغول لأنه كان شاهدا على سقوط الدولة الخوارزمية.
لدى فهو أعلم و أدرى من أي شخص أخر عن ماهو
خطر المغول الجرار.
وصول قطز الى الحكم
كانت الأوضاع السياسية في مصر متأزمة بعد موت عز الدين أيبك. لينتقل الحكم
الى ابنه نور الدين علي وهو لايزال صغيرا, ابن الخمسة عشر سنة. وهكذا ثم تنصيب نور الدين علي.
ويبدو أن حاكمنا الجديد وجد نفسه مطوق بصراعات داخلية حول الحكم, وكذلك أوضاع
خارجية من أجل الهيمنة على السلطة. ويبدو أن حكم مصر من طرف طفل قاصر, وهي لاتزال في مرحلة التكوين ناهيك عن الخطر
المغولي بزعامة هولاكوالذي وصل الى بغداد وأسقط الخلافة العباسية ليعم الرعب و
القلق أرجاء مصر.وأصبح الوضع الراهن يلح على
ضرورة وجود رجل قوي على رأس السلطة. ليجد قطز الفرصة سانحة ليتبوأ عرش مصر
في 1259 م . وقام بعزل نور الدين علي لينفرد بالحكم وحده.
أعمال ومنجزات قطز
و عندما تولى قطز الحكم, كان الوضع السياسي الداخلي متأزما للغاية كما كانت
هناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد, ليعمد قطز الى قطع أطماع المماليك في الحكم
و الاتحاد خلف هذف واحد, و هو وقف زحف المغول و التصدي لهم. وفي خظم كل هذه
الأحداث سارع قطز لتدعيم صفوف المسلمين و راح يراسل أمراء الشام فمنهم من لبى
النداء, ومنهم من وضع يده بيد التاتار.
ومن شيمه الفاضلة أن ابتدأ بنفسه, فباع كل ممتلكاته لتجنيد الجيش وتبعه كل الأمراء
وكافة الناس, و تم تجهيز الجيش بالكامل للقاء الجيوش الجرارة.
و عندما كان الأمير قطز يعد العدة للتصدي للمغول, وصلت رسالة من هولاكو
زعيم التاتار. يدعو فيها قطز للاستسلام ولاسبيل لكم للنجاة.
وكانت هذه الرسالة مليئة بالتخويف و التعديب. الا أن هذه التهديدات لم ترهب قطز, و
لم تجعله يفكر في عدم دخول هذه الحرب. وعندما أطلع قطز أمراءه عن ماجاء في
الرسالة, فوزع بعضهم وفكروا في الاستسلام للأمر الواقع وتجنب حمامات الدماء.
لعب قطز دورا عظيما في تزكية نفوس المجاهدين بعد أن أبانوا عن ضعفهم , و أن لاطاقة
لهم بمقاومة المغول. فأخد قظز يعمل على اثارة الحماس بينهم, وصاح عليهم بكلمات
تسللت الى قلوبهم فدفعتهم الى القتال. »يا أمراء المسلمين, لكم زمان
تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهون, وأنا متوجه. فمن اختار الجهاد يصحبني
ومن لم يختر ذلك, يرجع الى بيته, فان الله مطلع عليه. « وبهذه الكلمات يكون قطز قد أدعم الجبهة الداخلية. وفيما يتعلق بالجبه
الخارجية1* فقد تمكن قطز من ان يوحد الصفوف.
بالاضافة الى وضع خطة محكمة للتصدي لتاتار.
معركة عين جالوت
خرج
الجمعان ولتقيا في المكان المعروف باسم عين جالوت. في سنة 1260 م, كان واضح تفوق
المغول في العدة و العدد. لعبت خطة قطز دور كبير في
الانتصار على المغول والتي هي كتالي:
أخفى قطز قواته الرئيسية في التلال, ولم يعرض للعدو الى مقدمة جيشه التي قادها
بيبرس. ويذكر أن المخضرم قطز شارك في القتال و قاد الهجوم بنفسه و أبلى البلاء
الحسن, هو و جنوده المماليك. و انتصر جيشه على جيش المغول الذي قاده كتبغا خان و
قتل فيه . وتعد هذه الخسارة هي الأولى في تاريخ المغول. و من بين أسباب خسارة
المغول الى جانب حنكة المماليك هو موت امبراطور المغول مونكو خان . و توجع هولاكو
الى العاصمة لتنصيب امبراطور جديد.
بعد موقعة عين جالوت تقوة أركان دولة المماليك وأصبحت القوى الأساسية في الشرق
الأدنى, الى أن قامة دولة الخلافة العثمانية.
أفول سيف الدين قطز
بعد الهزية
التي مونيه بها الجيش المغولي, و ترتيب
الأوضاع في بلاد الشام. استأنف قطز رحلة العودة الى القاهرة. لتتجدد النزاعات بين
قطز وبعض المماليك وكان الأمير بيبرس يتحين الفرصة للتخلص
من قطز. اد أن بيبرس استاء من تراجع قطز عن وعده بمنحه نيابة حلب ادا انتصر على المغول.
فحيكت مؤامرة لقتله فقام المماليك الطامعين في الحكم بقتله حتى يستولو على العرش.
وليلقى بذلك قطز ربه عام 658 هجرية. قطز الذي لم يحكم بلاد الاسلام الا سنة واحدة فقط,
استطاع فيها أن يوقف زحف التاتار الذي كاد أن يقضي على الدولة الاسلامية.
من خلال كل النقاط و المحاور التي وقفنا عليها, من
نشأة قطز الى وفاته. نجد أن قطز أنقذ العالم الاسلامي و حتى الاوربي من زحف مغولي
لعالم البحر الأبيض المتوسط . الذي لم يعرف قبل غزوا من الشرق الأقصى .
المصادر و
المراجع
* محمد سهيل طقوس. تاريخ المماليك في مصر و بلاد الشام. دار
النفائس.الطبعة الاولى 1997.
*منصور عبد الحكيم. السلطان سيف الدين قطز.دار الكتاب العربي.القاهرة-2010
*حسن ابراهيم حسن.تاريخ الاسلام السياسي و الديني و التقافي و الاجتماعي.النهضة
المصرية. الجزء الرابع. الطبعة الرابعة-1996