الإصلاح المضاد، ويعرف أيضاً بالإصلاح الكاثوليكي أو الإحياء الكاثوليكي . هو اصلاح لم يهدف إلى مناهضه الكنيسة البروتستانتية فقط، بل إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية من الداخل دون الانفصال عنها. وقد بدأ هذا الإصلاح قبل أمد بعيد من ظهور البروتستانتية؛ فخلال القرن الخامس عشر بدأ عدد من رجال الدين أمثال "سافونارولا" في إيطاليا و"فرانشيسكو خمينيس" في إسبانيا إثارة ضمير الكنيسة ضد الانحرافات التي تفاقمت خلال تلك المرحلة، لكن الشرارة التي أحدثت تجديدا في المعتقدات الكاثوليكية والكنيسة بروما كانت رفض المصلحين البروتستانت الانصياع لأوامر البابا، معلنين عن العصيان في وجه تعاليمه والتمرد على كنيسته.
أيقظ هذا الحدث الحماس عند الكاثوليك لتطهير الكنيسة بدءا من البابا وصولا إلى صغار القساوسة. كان فساد الكنيسة الكاثوليكية واضحا للعيان حتى من طرف الكاثوليك أنفسهم، وهو ما يوضحه تصريح البابا "أدريان الخامس" بقوله:
"نحن نعتقد أنه لسنوات طويلة كانت هناك أشياء تستدعي الاشمئزاز قد تجمعت حول الكرسي الأ سقفي المقدس، وأن أشيا ء مقدسة قد أسيء استعمالها، وأن الأوامر الإلهية قد انتهكت، وكل شيء تغير نحو الأسوء".
ساهمت هذه القناعات الجديدة في ظهور حركات تدعو للإصلاح الكاثوليكي خلال القرن السادس عشر جسدتها عدد من الجمعيات الكاثوليكية؛ من أشهرها "جمعية اليسوعيين" التي تأسست سنة 1534 م على يد الإسباني "إغناسيوس لايولا"، وحظيت بدعم خاص من البابا "بولس الثالث". تألفت هذه الجمعية من كاثوليكيين متعصبين قطعوا على أنفسهم عهودا بالرهبنة والعفة والتقشف، مما ساهم في ترويج صورة جديدة لرجال الدين بعيدا عن الترف والمجون، مع صرامة واضحة في تراتبية أعضائها، قوامها الطاعة العمياء، وكل ذلك بهدف مناصرة البابا وهداية شعوب العالم إلى المسيحية، مع الاهتمام بإنشاء جامعات لاهوتية جديدة. إلى جانب ذلك عقد المجمع الكنسي الكاثوليكي بين سنتي 1541 و 1563 سلسلة من المؤتمرات بمدينة "ترانيت" الإيطالية لرسم خريطة الإصلاح الكاثوليكي تحت إشراف البابا "بول الثالث". وتم الخروج بعدة قرارات حاسمة أهمها:
- - رفض إيجاد حلول وسطى بين المذهب الكاثوليكي والبروتستانتي
- - العودة إلى الهيكل الكنسي الوسيطي وإيقاف التجاوزات البابوية لرجال الدين
- - التأكيد على أن الإنجيل والتقاليد الكنسية هما المصدران الصحيحان للإيمان الكاثوليكي، وأن الكنيسة صاحبة الحق الوحيد في تفسير الكتاب المقدس.
- - إلزام الأساقفة بالإشراف على الأبرشيات عوض الاهتمام بممتلكاتهم.
- - ضرورة تأسيس مدارس لاهوتية لتدريس الكهنة.
ساهمت هذه الإجراءات المتعلقة بلإصلاح الكاثوليكي في الحد من انتشار الفكر البروتستانتي، خاصة بعد صدور لائحة بأسماء الكتب البروتستانتية التي منع تداولها بقرار من البابا، وهو ما يفسر صعوبة الوصول إلى تلك الأفكار الثورية (البروتستانتية) إلى إسبانيا والبرتغال وإيطاليا. كما استفادت الكنيسة الكاثوليكية من تزايد الخطر العثماني الذي دفع عددا من الملوك إلى الالتفاف وراء البابا وتشجيع البعثات التبشيرية نحو باقي أنحاء العالم مع الكشوف الجغرافية، لكن ذلك لم يعف أوربا من اندلاع الحروب الدينية الكبرى.
محاضرات الأستاذ محمد الكرادي وحدة النهضة الأوروبية كلية الأداب و علوم انسانية جامعة ابن طفيل القنيطرة