لقد استطاعت القوى الإمبريالية سنة 1912 إخضاع المغرب للحماية الفرنسية والإسبانية والذي تمخض عنه مجموعة من التحولات التي مست المجتمع المغربي على الصعيد السياسي والإقتصادي وكذلك الإجتماعي . والذي استمر ثأتيره إلى واقعنا الحالي. وقد ركز موضوعنا هذا لتناول وضع المغرب الصحي والأمراض والأوبئة. فكيف كان هذا الوضع الصحي في المغرب زمن الحماية؟ وماهي الأمراض والأوبئة التي كانت منتشرة؟ وماهي أهم العوامل المساهمة فيها؟
من الدراسات التي بحثت في هذا الموضوع نجد أطروحة د. بوجمعة رويان وهو أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بالقنيطرة وهو مهتم بالتاريخ الإجتماعي لفترة الحماية، وقد لامست دراسته المعنونة "بالطب الكولونيالي الفرنسي بالمغرب 1912 - 1945 " جوانبا من وضعية المغرب الإجتماعية إبان فترة الحماية الفرنسية باعتبار أنه إعتمد في عمله على دراسات, إحصاءات وأرقام رسمية حول مناطق النفود الفرنسي، وأطروحته هي إشكال يحاول من خلاله كشف النقاب عن دراسات الأطباء الفرنسيين ومدى واقعيتها ومصداقيتها في وصفها للحالة الصحية للمغاربة قبل الحماية والتي يغلب عليها نوع من المبالغة والتي يمكن إعتبارها إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها بشرعنة وتبرير فرض الحماية على المغرب، وقد حدد الباحث أطروحته بين سنتي 1912 و 1945 وهي مرحلة عرفت إضطراب وتداخل بين أدوار إدارة الصحة الفرنسية في المغرب بين التغلغل وممارسة دورها كجهاز مهم من أجهزة الإستعمار الفرنسي ودورها "الإنساني" المتجلى في مواجهة الأمراض والأوبئة التي تنخر بنية المجتمع المغربي.
الحالة الصحية
حدد حدد الدكتور بوجمعة رويان أو قسم الوضعية الصحية للمجتمع المغربي آنذاك الى مرحلتين اثنتين الأولى بين سنتي 1912 و 1938 م والثانية والتي واكبت احداث الحرب العالمية الثانيةوقد شهدت المرحلة الأولى تحديا أوليا للطب الكولونيالي الفرنسي بالمغرب من خلال مواجهة التحديات والعراقيل الباتولوجية ,
وقد شهدت هذه المرحلة أمراض وأوبئة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر وباء التيفوس (ما يسميه المغاربة ب"التوفيس"عبارة عن حمى وصداع رأس وسرعة في دقات القلب والذي يتبعه بروز طفوح وردية على الجلد) أو الحمى النمشية . والتي تنتقل جراثيمه عن طريق القمل , وهو من الأوبئة التي عاثت عثوا في المغرب قبل الحماية 1905 - 1906, وبرزت في فترة الحماية وانتشرت بشكل تدريجي في مناطق مترامية من البلاد انطلاقا من سنة 1913 م , واعتبرت مناطق مراكش ,الدار البيضاء وفاس مراكز الوباء سنة 1937 م , ويشكل الجدول التالي نموذج من نماذج الاحصاءات التي قامت بها السلطات الفرنسية في مناطق المغرب والتي تبين أعداد الحالات والوفيات من جراء الوباء خلال المرحلة ما بين 16 دجنبر 1937 و 11 يناير 1938 في مراكش :
ومن العلل أيضا التي شهدتها فترة الحماية نجد ما سميت بحمى المستنقعات وعلى حد وصف جريدة السعادة فهو مرض يظهر على الإنسان من خلال ارتفاع درجة حرارته واشتداد وجع الرأس... وتم اكتشافها بالمغرب من طرف الأطباء العسكريين للفيالق الأولى التي كانت مقدمة على السيطرة على المغرب وخاصة في مناطق السهول وفي الداخل والتي تحتوي على مروج مائية تقدم ظروف مثالية لتواجد البعوض المسبب لهذه الحمى , وقد انتشر هذا المرض وسط المغاربة خلال الفترتين ما بين 1912 و 1919 وكذلك 1920 و 1938 , ويبين الجدولين التاليين إحصاءات وحدات الصحة لحالات الحمى في مناطق المغرب المختلفة خلال الفترتين :إحصاء سنة 1916 والذي سجلت فيه 38177 حالة :
إحصاء سنة 1937 والذي سجلت فيه 138130 حالة
وعلى غرار ما سبق فقد شهدت هذه المرحلة أمراض وأوبئة أخرى مثل الطاعون والجدري والسل والرمد ...الخ , والتي برزت كذلك في المرحلة التي واكب فيها المغاربة أحداث الحرب العالمية الثانية والتي استنزفت من خلالها فرنسا موارد وثروات المغرب والتي كان لها إسهام في استفحال الوضع الصحي وتأزمه .
من العوامل التي ساهمت أيضا وشكلت هذه الحالة الصحية نذكر ما وصفه الدارسون الفرنسيون من ضعف القيمة الغذائية للتغذية المغربية وطبيعتها الغير متكاملة , بالإضافة الى قلة المورد المائي أو تلوثه , أيضا لم تخلوا الدراسات من الحديث عن طبيعة السكن المغربي التي تضعف فيه التهوية وتقل فيه منافد الإضاءة الطبيعية إضافة الى تراكم القاذورات والأوساخ حول المساكن . هذا من جهة أما من جهة أخرى فقد شكلت العقلية المغربية آنذاك عاملا معرقلا لتحسين الوضعية الصحية لتهرب بعض السكان من الإجراءات التقنية ومن المؤسسات الصحية الحديثة التي أنشأتها إدارة الصحة مثل المستشفيات في المقابل ظل التشبث بالإجراءات التقليدية حاضرا عند بعض المغاربة إذا لم نقل أغلبهم والتي تعتمد وتعتقد في مسائل مثل التمائم والتي تحميهم من الأمراض ذات الأصول السحرية الشيطانية (العين , التوكال ... ) , وفي بعض الأحيان يتم اللجوء للأولياء والأضرحة للاستشفاء , وفي أحيان أخرى الاعتماد على طرق العلاج التقليدية من خلال الكي والكتابة والتداوي بالأعشاب والذي يفلح تارة ويفشل تارات أخرى .
د. بوجمعة رويان , الطب الكولونيالي الفرنسي بالمغرب 1912 - 1945 , مطابع الرباط نت , 2013 ,