انقسم المجتمع بالجزائر في العهد العثماني إلى مجموعتين أساسيتين هما سكان المدن الذين كانوا يشكلون نسبة تترواح ما بين %5 و% 10، وسكان الريف الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان، وكل مجموعة من المجموعات تتكون من عدة فئات يختلف وضع كل واحدة منها عن الفئات الأخرى من حيث العدد والمكانة الاجتماعية، وبغض النظر إلى الفوارق والامتيازات التي كانت تتمتع بها بعض الفئات فان المجتمع بالجزائر في العهد العثماني لم يكن مجتمعا طبقيا بالمفهوم الذي كان سائدا في أوروبا في العصور الوسطى، وإنما تكون المجتمع الجزائري من فئات اجتماعية متعددة متفاوتة نسبيا في المكانة الاجتماعية بالعهد العثماني.
1. سكان المدن:
انقسم مجتمع المدن بالجزائر إلى فئات متعددة حسب
المكانة الاجتماعية وحسب الأصول العرقية والجغرافية.
أ. جماعة الأتراك العثمانيين: كانت تشكل أقلية في مجتمع المدينة وتتكون في أغلبها من الجنود الأتراك (الانكشارية)، واستقروا في مدينة الجزائر خاصة وفي حاميات بعض المدن الكبرى، وقد ظلت هذه الجماعة ضئيلة العدد لم يتجاوز عدد أفرادها في أقصى تقدير اثنا عشر ألف وذلك في الربع الأول من القرن السابع عشر.
وترجع قلة
العنصر التركي إلى حالة العزوبية التي فرضت على أفراد الجند الانكشاري وعدم تبني
أبناء هم الكراغلة وتعرض الكثير منهم إلى الأمراض
والأوبئة، أما عزلتهم عن المجتمع الجزائري فعود إلى رغبة الحكام الأتراك
في المحافظة على امتيازاتهم وتمسكهم بعاداتهم ولغتهم وأسلوب عيشهم، واعتقادهم
بأنهم جماعة ممتازة عن باقي العناصر الأخرى .
واشتغل أفراد
هذه الفئة بالعمل في الجيش أو في الوظائف الإدارية أو في تسيير ممتلكاتهم المختلفة
من تجارة وأملاك فلاحية
ب. جماعة الكراغلة:
هم أبناء الأتراك الذين ولدوا في الجزائر من أمهات جزائريات وظلت في نظر هؤلاء
الأتراك نتاجا اجتماعيا أدني منهم مرتبة بسبب حالة الخوف والارتياب التي ميزت
العلاقة بينهما، وقد تكاثر عدد أفراد هذه المجموعة حتى وصلوا إلى عشرين ألف
بالجزائر كلها، وتمركزوا بالمدن التي وجدت بها حاميات عسكرية.
اصطدمت هذه
الجماعة بالأتراك في أكتر من مرة ( 1596-1626-1628-1633) من اجل الحصول على
امتيازات آبائهم، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك واكتفوا بالحصول على امتيازات أقل من
الأتراك مكنتهم من احتلال المرتبة الثانية في الهرم
الاجتماعي بالمدن، فأسندت إليهم بعض الوظائف على المستوى المركزي وأغلب الوظائف
على مستوى الإدارة المحلية كما حصلوا على امتيازات مادية من وراء تلك الوظائف.
ج. جماعة
الحضر: تتكون من البلدية وهي العناصر الأولى التي سكنت المدن وترعرعت بها عبر
المراحل التاريخية، وتضم أيضا ما انضم إليهم من العناصر الأندلسية والأشراف،
وتميزوا بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة و بوضعهم الاجتماعي المتميز، واشتغل أفرادها
بالتجارة خاصة والمهن الصناعية وتولي وظائف السلك القضائي والتعليمي، ورغم كثرة
عدد أفراد هذه المجموعة نسبيا وامتلاكها لثروات كبيرة إلا أنها لم تلعب دورا
سياسيا في الجزائر وذلك لتخوف الأتراك والكراغلة منها.
د. جماعة
البرانية: وتتألف من المجموعات السكانية التي هاجرت إلى المدن الكبرى للإقامة أو
العمل، وانتظمت هذاك حسب أصولها الجغرافية ومواطنها الأصلية، وتضم المجموعات
التالية:
- بني ميزاب: بالرغم
من الدور الاقتصادي الذي تميزت به إلا أنها انكمشت على نفسها بسبب مذهبها الديني
(الأباضي) الذي يختلف عن أهل السنة لذلك لم تندمج في المجتمع الجزائري، وامتهن
أفرادها التجارة وادارة الحمامات وصناعة الخبز.
- الأغواطيون
والبسكريون: هي عناصر لا تعكس التسمية الأغواطيون والبساكرة (وانما تضم عناصر متنوعة
ومختلفة جاءت من مناطق مختلفة من الجنوب الجزائري من منطقة الأغواط والزيبان ووادي
ريغ ووادي سوف وتقرت وطولقا ضمت أهم المدن، وقد اشتغل أفرادها بالمهن الوضيعة
كتنظيف الشوارع والسقاية وحفر الآبار وأعمال الحراسة وغيرها.
- القبائليون:
أطلقت التسمية على كل الذين وفدوا من بلاد القبائل ومن المناطق الجبلية القريبة من
المدن، وأطلق عليهم أيضا اسم زواوة، وامتهنوا العمل في دكاكين بيع الزيت والحراسة
والاشتغال في بناء السفن والمنازل.
- الجيجليون:
يعود استقرارهم بمدينة الجزائر إلى سنة 1516 عندما رافقوا عروج إلى هناك، ومنذ ذلك
التاريخ حظوا بمكانة خاصة عند الأتراك وتحصلوا على امتيازات هامة، فقد كان لهم دون
سواهم من جماعة البرانية الحق في حمل السلاح وارتداء الملابس التركية كما كانوا من
الملاك.
ه. اليهود:
شكلوا أهم العناصر البشرية المهمة في المدن الكبرى وقد تشكلت مجموعتهم من الذين
وفدوا على الجزائر في فترات زمنية مختلفة أو من الذين اعتنقوا اليهودية من السكان
المحليين، وقد بلغ عددهم في أقصى تقدير في الجزائر كلها ثلاثين ألفا عشية الاحتلال
الفرنسي للجزائر. وقد اندمجوا بالمجتمع الجزائري بسبب ثقة الحكام الأتراك فيهم،
ولم يتميزوا عن بقية السكان إلا بلباسهم الداكن وعدم ركوبهم الخيل وحمل السلاح
والزامهم بدفع ضريبة الجزية، وقد اشتغلوا بالتجارة خاصة التجارة الخارجية وصناعة
الحلي والعملة.
و. الدخلاء :
وتضم الأسرى المسيحيين والعبيد (السودان الغربي)، وكانوا مسخرين للخدمة في القصور
والمنازل والسجون ورعاية البساتين والتجديف في السفن، وتضم أيضا التجار ورجال
الأعمال الأجانب والقناصل الأوربيين ورجال البعثات الدينية وممثلي الشركات
التجارية، وكان هؤلاء يعيشون في معزل عن باقي السكان.
2. سكان الريف:
شكل سكان الريف غالبية سكان الجزائر في العهد العثماني، حيث كانت
نسبتهم تترواح ما بين 90% و 95% من مجموع السكان، وقد انقسموا إلى فئات أو مجموعات
أو قبائل مختلفة حسب الامتيازات أو القوة أو العلاقة مع السلطة.
أ. قبائل المخزن: هي مجموعات سكانية لها صبغة فلاحية وعسكرية وادارية وذلك لما تقوم به من أعمال وما تؤديه من أدوار، وتستمد وظائفها العسكرية والإدارية عن طريق التبعية والولاء للسلطة الحاكمة وقد استعملها الأتراك نظرا لأهميتها في استتباب الأمن وجمع الضرائب ومعاقبة المتمردين ومقابل ذلك كانت تلك القبائل تحظى ببعض الامتيازات وتنال بعض الحقوق كالتمتع بحماية السلطة والإعفاء من دفع بعض الضرائب والحصول على الأراضي الفلاحية والحصول على المرتبات والتجهيزات العسكرية والمؤونة . وقد انتشرت تلك القبائل حول المدن الكبرى وعبر المسالك والطرق الرئيسية وعند الأسواق المهمة والمناطق المهددة سواء من طرف الأسبان أو من طرف القبائل الممتنعة.
ب. قبائل
الرعية: تتكون من المجموعات السكانية الخاضعة مباشرة لسلطة البابليك وتتحمل عبء
النظام الضريبي، وكانت هذه القبائل تقيم في مختلف المناطق التي كانت تحت نفوذ
الإدارة المتمثلة في قبائل المخزن والحاميات العسكرية، فكانت بالتالي عرضة
للاستغلال المستمر.
ج. القبائل
المتحالفة: اضطرت الإدارة إلى التحالف مع بعض الزعامات المحلية القائمة على أساس
قبلي أو ديني مثل بني جلاب وبوعكاز وبني عباس وأولاد سيدي الشيخ وغيرها، وقد تمتعت
هذه القبائل بالحرية في إدارة مناطقها وتعيين حكامها وتحصلت على الهدايا
والامتيازات مقابل الاعتراف بالسلطة ودفع الالتزامات الضريبية .
د. القبائل
الممتنعة: وتتألف في أغلبها من القبائل التي كانت تعيش في المناطق الجبلية الحصينة
أو التي كانت تجوب الهضاب ومناطق الأطلس الصحراروي وتخوم الصحراء، ونظرا لابتعادها
عن نفوذ الحكام وعلم اعترافها بسلطتهم ودفع الضرائب لهم فقد انتهجت الإدارة سياسة
خاصة تجاه هؤلاء قصد إجبارهم على مهادنة السلطة والحد من استقلالهم وذلك بمحالفتهم
أو تحويلهم إلى قبائل مخزن أو إجبارهم على دفع ضريبة رمزية تعبيرا عن ولائهم
للسلطة، ومن أجل ذلك أقامت الحاميات قرب مناطقهم وحاولت التحكم في الأسواق
الموسمية والأسبوعية الواقعة بالقرب من مواطنهم أو الالتجاء إلى القوة لتدمير
مراكزهم.
بومولة نبيل - محاضرات الإدارة المحلية والمركزية بالجزائر في العهد العثماني