تعتبر طائفة العكاكزة، المعروفة أيضًا بالعكازية أو العكازين من أكثر الطوائف المثيرة للجدل في تاريخ المغرب، ظهرت هذه الفرقة الدينية في المغرب خلال القرن 16 م. وتميزت بانتشارها الواسع وكسبها للعديد من الأنصار والمتعاطفين، لكنها واجهت معارض شديدة وحادة من العلماء والفقهاء وعامة الناس بسبب معتقداتها وطقوسها الخاصة، مما أدى إلى توتر دائم بينها وبين المجتمع المغربي الذي كان دائما مرحبا بالطرق الصوفية لكن الطائفة العكازية لم تلقى استحسانا كبيرا. وعلى الرغم من ذلك، استمر العكاكزة في ممارسة شعائرهم والمحافظة على وجودهم حتى تم القضاء عليهم في عصر الدولة العلوية على يد السلطان المولى إسماعيل (1672 م-1727 م).
أصول العكاكزة: الاسم والطريقة
ينسب أصحاب الطريقة العكازية أنفسهم إلى التصوف، وإلى الشيخ أحمد بن يوسف الراشدي الملياني الذي توفي 931 هـ/1524 م، وهو تلميذ المتصوفة الشهير أحمد زروق. بدأت الفرقة باسم "اليوسفية"، ثم تحولت إلى "الأحمدية"، وأطلقوا على أنفسهم "أصحاب أحمد" وعلى غيرهم "أصحاب محمد" (ص). في القرن 19 م، ظهرت تسمية أخرى وهي "الملاينة" نسبة إلى مدينة مليانة بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا) حيث يقع ضريح الشيخ الراشدي. ومع ذلك، أطلق خصومهم عليهم أسماء عدة مثل "البضاضوة" و"الشراقة" نسبة إلى المناطق التي جاؤوا منها.
تسمية "العكاكزة" يُعتقد أنها جاءت من العكاز الذي اتخذوه شعارًا لهم، وربما كانت من اختراع خصومهم لربطهم بطائفة أخرى معروفة باسم "العكازين"؛ أتباع المهدي بن تومرت. انتشرت هذه التسمية في أواخر الدولة السعدية وبداية الدولة العلوية، وارتبطت باتخاذ الشعارات والزّي الصوفي كالعكاكيز.
يُنسب تأسيس الطائفة إلى عمر بن سليمان العلوفي (أو أحمد بن عبد الله المنزولي في بعض المصادر)، الذي ادعى المهدوية. ويُعتقد أن موقع تأسيس الزاوية اليوسفية الأم كان في منطقة تغاسروت ببني عتيق الزناتيين.
يرى بعض المؤرخين أن جذور العكاكزة تعود إلى فترة تاريخية أقدم، وينسبونها خطأً إلى بعض فروع قبيلة مصمودة في منطقة سوس بالمغرب، وهي المجموعة القبلية التي كان ينتمي إليها مؤسس الدولة الموحدية المهدي بن تومرت في 6 الهجري/12 الميلادي. ويعتقد بعض الباحثين أن الطائفة نشأت منذ حوالي ثلاثين قرنًا أي الوثنية المتوسطية القديمة ، ونسبهم البعض إلى مذهب عبد الله بن إباض (توفي 86 هـ/705)، وبعض غلاة فرق الشيعة، وأصحاب "الإباحة الخاصة" من "غلاة الصوفية"، وأصحاب "الإباحة العامة" من "الزنادقة"، بالإضافة إلى أفكار الفلسفة الوضعية والفولتيرية.
انتشرت الطائفة في مختلف مناطق بلاد المغرب، سواء في البوادي أو الحواضر. ومن بين المناطق المعروفة خلال القرن 11 هـ/17 م التي شهدت نشاط العكاكزة: بني يعلى ببني يزناسن، وقبيلة بني عمير في سهل تادلا، وقبيلة زمور بفزاز، وجبل تازة، وفاس، وزعير، والغنانمة بصحاري سجلماسة وتوات والنواحي.
معتقدات العكاكزة
اعتبرالفقهاء والعلماء و المجتمع المغربي طائفة العكاكزة خارجة عن الدين الإسلامي، واعتُبر أتباعها جهلة ومرتدين يُستتابون، فإن تابوا وإلا قُتلوا. وردت العديد من الروايات التاريخية عن معتقداتهم، ومن بينها:إنكار نبوة محمد (ص) وتفضيل المنزولي عليه، قائلين: "أنتم أصحاب محمد ونحن أصحاب أحمد".
- ادعاء وجود كتاب يسمى "ابن رباش" بديلًا عن القرآن.
- ترك الصلاة والصيام إلا للتستر من المسلمين.
- اعتقاد حِلّية أكل الميتة والخنزير، وحرمة أكل أضحية العيد.
- اعتقاد حِلّية الزنى والإباحية الجنسية.
- اعتقاد حِلّية دماء وأموال غيرهم من المسلمين.
مواقف العلماء من العكاكزة.
واجهت طائفة العكاكزة معارضة شديدة من العلماء والمتصوفة في المغرب الذين رأوا فيهم خروجا عن الطريق المستقيم وفتحا لباب الفتن. تم اتهام الطائفة بالبدعة وصنفت خارج دائرة السنة. حذر العلماء الناس من مشايخهم ومن مصنفاتهم، وأغرو الحكام بمحاربتهم. ومن بين الشخصيات التي ناهضت هذه الطائفة الشيخ أحمد بن يوسف الراشدي الملياني الذي دخل المغرب متبرئًا من بدعتهم.
نكبة العكازية ونهايتهم
كان السلطان الوطاسي محمد الشيخ (المعروف بالبرتغالي) (1505م-1524م) أول من نكل بهم، ثم جاء السلطان عبد الله الغالب السعدي (1557م-1574م) الذي قضى عليهم وحاربهم بشدة بناء على نصيحة الفقهاء. وفي عهد الدولة العلوية، أصدر السلطان المولى الرشيد استفتاءً للعلماء حولهم، فصدرت الفتوى بضرورة معاقبتهم. قام المولى إسماعيل بالتنكيل بهم عام 1102 هـ/1691م، فخرب مراكزهم ونفذ حكم الزندقة فيهم دون استتابتهم، مما أدى إلى تفكيك تراثهم وتشتيت أتباعهم.
العكاكزة أتباع المهدي بن تومرت
يرى بعض الباحثين أن العكاكزة ما هم إلا بقايا أنصار المهدي بن تومرت بعد اندثار الدولة الموحدية من بلاد المغرب، وتحولهم إلى أقلية في المجتمع المغربي. يُطلق على هذه الطائفة أيضًا "الطائفة التومرتية"، وهناك بعض الباحثين الذين يبالغون في آرائهم حولهم بسبب تعصبهم المذهبي.
يؤكد الأستاذ عبد المجيد النجار أن الآراء حول "عكاكزة المهدي بن تومرت" قد تكون مبالغة بسبب تعصب بعض المؤرخين للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية. ويشير إلى أن الطائفة التومرتية كانت تؤمن بإمامة المهدي بن تومرت ومهديته، حيث كانوا يكفرون من لا يؤمن به ويعتبرون من نواقض الوضوء لمس ذوات المحارم. كما كانوا يفضلون المهدي على أبي بكر بن الصديق وعمر بن الخطاب، وهو ما يُعتقد أنه تزايد من خصومهم عليهم.
رغم التحديات و المشاكل التي عاشتها طائفة العكاكزة، إلا أنها تمكنت من الحفاظ على بعض من معتقداتها وتقاليدها. اعتقد العكاكزة بإمامة المهدي بن تومرت ومهديته، واعتبروا أن تكفير المذاهب الاسلامية والامتناع عن أكل ذبائحهم والصلاة خلفهم كان جزءًا من معتقداتهم. ومع مرور الوقت، أصبح من الصعب التعرف على آراء الطائفة بدقة بسبب المبالغات والتأويلات التي أدخلها الفقهاء في وصفهم.
الآراء التي كانت تُنسب إلى الطائفة التومرتية شملت إنكار الصفات الإلهية واعتبار لمس ذوات المحارم من نواقض الوضوء. ويُقال أنهم كانوا يفضلون المهدي على الخلفاء الراشدين وأنهم ينكرون الصفات الإلهية. ومع ذلك، فإن بعض هذه الآراء قد تكون نتاجًا لمبالغات الخصوم ومحاولاتهم لتشويه صورة الطائفة.
يتلخص تاريخ العكاكزة في تبني جزء من المغاربة لمذهب الشيخ أحمد بن يوسف الراشدي خلال القرنين 10-11 هـ/16-17 م. ومع وجود طائفتين مختلفتين بنفس الاسم، أدى ذلك إلى الخلط بينهما وتضارب آراء العلماء حولهم. بعد القضاء عليهم في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، استمر بعض الناجين من العكاكزة في الحفاظ على معتقداتهم حتى مطلع القرن العشرين.
نجمي عبد الله، معلمة المغرب، ج18، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2003
حجي محمد، الحركة الفكرية في عهد السعديين، ج 1، منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، مطبعة فضالة
النجار عبد المجيد، المهدي بن تومرت أبو عبد الله محمد بن عبد الله المغربي السوسي المتوفي سنة 524ه/1129م – حياته وآراؤه وثورته الفكرية والإجتماعية وأثره بالمغرب-، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الاولى
حجي محمد، الحركة الفكرية في عهد السعديين، ج 1، منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، مطبعة فضالة
النجار عبد المجيد، المهدي بن تومرت أبو عبد الله محمد بن عبد الله المغربي السوسي المتوفي سنة 524ه/1129م – حياته وآراؤه وثورته الفكرية والإجتماعية وأثره بالمغرب-، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الاولى