معلومات عن المقال
مقال إسهامات بلاد المغرب في الحياة العلمية الأندلسية في العصر المرابطي (448-541هـ/1056-1147م) هو للكاتب طهير عبد الكريم كتب في مجلة القرطاس جامعة حسينة بن بوعلى الشلف
مقتطف من المقال
يتفق معظم الدارسين لتاريخ المغرب في العصر المرابطي أنّ أبواب المغرب أصبحث مفتوحة أمام انتقال عدد كبير من أعلام الأندلس إلى العدوة المغربية وتشهد على ذلك كتب الطبقات والتراجم التي أكدّت لنا هذه الحقيقة ، حيث لقي هؤلاء التكريم والترحيب من ولاة الأمر، خاصة منهم الذين كانوا في مرتبة الشيوخ ممّن تحملوا مشقة في سبيل نشر العلم و التدريس والإفادة، ولاشك أنّ وجود هؤلاء ببلاد المغرب قد سهل ارتحال طلاب العلم إليهم .
انتقل إلى بلاد المغرب خلال العصر المرابطي الكثير من العلماء الأندلسيين، وهم يحملون كثيرا من العلوم والمعارف الدينية، ففي مجال التفسير شجع الأمراء المرابطين انتقال علماء التفسير الأندلسيين ، ليتعاونوا مع المفسرين من علماء المغرب في هذا العلم ومن أهم العلماء الأندلسيين الذين اشتغلوا بعلم التفسير بمدينة مراكش المفسر الأندلسي ابن الخصال الغافقي ، الذي استقر بمراكش ما يقرب من ثلاثين عاما في عهد علي بن يوسف بن تاشفين. وتدين بلاد المغرب إلى رجال العلم الأندلسيين ، الذين بذروا فيها البذرة الأولى الخاصة بالاشتغال بعلم القراءات خلال الحكم المرابطي ، ومن العلماء الذين تصدروا تدريس علم القراءات بمدينة فاس وأقرأوا بها علم القراءات والتجويد ، محمد بن قرقاشش من أهل طليطلة"، ومن الذين بذلوا جهودا علميّة لتدريس هذا العلم وتطويره في الأندلس عندما كانت تحت راية المرابطين محمد أغلب بن أبي الدوس الذي كان يمارس مهنة التعليم، والإقراء داخل مراكش.
تحفل كتب التراجم والطبقات بعدد لا يحصى من الأسماء لعلماء الحديث، الذين هجروا من الأندلس إلى بلاد المغرب و اشتغلوا بتدريس الحديث حيث استوطن حواضر بلاد المغرب عدد كبير من علماء الحديث القادمين من الأندلس، بتشجيع من الأمراء المرابطين، ومنهم عبد الله بن محمد بن ابراهيم بن قاسم بن منصور اللخمي قاض الجماعة بمراكش، وعبد الرحمان بن محمد بن الصقيل الأنصاري الذي استوطن عاصمة المرابطين، وكان له عناية خاصة بعلم الحديث وروايته "، ومحمد بن علي بن الصقيل الأنصاري من أهل مدينة شاطبة، قام بتعليم علم الحديث بمدينة فاس ، أما مالك بن يحي بن وهيب فدرّس بمراكش علوم الحديث.
وفي مجال علم الفقه وأصوله كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد جد الفيلسوف المعروف أنبه فقهاء المالكيّة ذكرا في عصره، كان ذا مكانة خاصة عند أمير المسلمين علي بن يوسف، بل ارتبط بالدولة المرابطية بشكل كبير ، وساهم مساهمة هامة في تدعيمها وخدمتها"، أخذ عنه عدد لا يحصى من طلبة العلم ومنهم علماء بلاد المغرب، كالقاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي ، بحيث كانت تأتيه إلى الأندلس أسئلة من مختلف مدن الغرب الإسلامي. ومنها سبتة، مراكش، كما تردد على المغرب ومارس بها نشاطا علميا ".
كما توافد على جامع القرويين بفاس للقيام بتعليم اللغة العربية مجموعة من العلماء من بينهم محمد بن حكم بن أحمد بن باق السرقسطي الذي أخذ عنه الكثير من الناس فنون اللغة18، وأبو إسحاق ابراهيم بن أبي الفضل بن صواب الحجري الشاطبي ، وهو أستاذ نحوي كان من أهل المعرفة بالعربية و اللغة والأدب، تجوّل في البلاد ملما بالعربية " ، وهناك طائفة كبيرة من الكتاب الأندلسيين ممّن جمعوا بين النظم والنثر ، وعملوا في البلاط المرابطي، ومنهم محمد بن سليمان الكلاكي الإشبيلي المعروف بابن القصيرة، وقد كان كاتبا ليوسف بن تاشفين ، وابنه علي من بعده، أما ابن الجدّ الفهري المعروف بالأحدب، فقد استدعاه عليّ بن يوسف بن تاشفين إلى مدينة مراكش، وألحقه بديوانه، ومن الكتاب الذين خدموا الدولة المرابطية، ابن عبدون، ابن أبي الخصال، وابن الصيرفي ، وابن خاقان، وابن القبطرنة ونبغ على يد هؤلاء نخبة من الكتاب من الذين بلغوا مرتبة رفيعة في فن الكتابة وخدموا بلاط الدولة المرابطية، ومنهم أحمد بن محمد بن عطية القضاعي، وأبي عقيل بن أبي جعفر بن عطية القضاعي.
وبالرغم من اتهام المرابطين باضطهاد الفلسفة، فقد وجد بعض الفلاسفة في البلاط المرابطي، مثل أبو بكر محمد بن الصائع المعروف بإبن باجة ، الذي استصحبه الأمير المرابطي يحي بن يوسف بن تاشفين إلى فاس، وقضى معه عشرين سنة في منصب الوزارة "، ومن الفلاسفة الأندلسيين كذلك الذين احتضنتهم مراكش مالك بن وهيب توفي بمراكش سنة.
ورثت الأندلس إرثا كبيرا في مجال الطب على عهد المرابطين، لذلك يمكن اعتبار هذا العهد عصر لازدهار الطب بالمغرب والأندلس ، ولا شك أن بلاد المغرب استفادت من أطباء الأندلس، حيث كانت هذه البلاد خاضعة لسلطات ،مراكش، وتكوّنت جماعة من الأطباء التفت حول الأمراء المرابطين، وكان لها أثر في تطوّر الطبّ وإزدهاره ببلاد المغرب، ومن أهم هؤلاء الأطباء الأندلسيين الذين عملوا بالطب في المغرب على عهد المرابطين ، أبو العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان، الذي استدعاه الأمير يوسف بن تاشفين إلى البلاط، وبقي بعد وفاة يوسف طبيبا لإبنه علي.