التاريخ والتراث من وجهة نظر تاريخية سوسيولوجية بقلم طالب الباحث محمد البكري والطالبة الباحثة جميلة المرزوق.
فقرات من حوار مع الأستاذة جميلة المرزوق هذه المرة عن التاريخ والتراث.
سؤال: يقول الشاعر لويس أَراغون "لولا الشعر لأُصبنا جميعًا... بالسكتة القلبية." هل تصح هذه القولة في البحث التاريخي؟
جواب: لولا التاريخ لأصبنا جميعا بالسكتة الدماغية أو لنقل بالزهايمر. التاريخ جزء لا يتجزأ من شخصية كل واحد منا، فأقل التفاصيل في حياة كل منا ضرورية، اسمه وتاريخ ميلاده والمدينة التي ولد فيها، كل واحد منا يحمل معه تاريخه في ذاكرته ووثائقه الخاصة، وهذا التاريخ الشخصي هو جزء من تاريخ أكبر، وتفصيلاته هي التي تكون التاريخ العام. بدون تاريخ، لن تكون لدينا بوصلة لنعرف من نحن، ولا لفهم الحاضر واستشراف آفاق المستقبل. ولن تكون لدينا أدوات للتعرف على هوياتنا وانتمائنا.
سؤال: لكن هناك من يقول ما جدوى العودة إلى التراث العربي والإسلامي الذي شهد نكوصا وتجارب غير ناجحة في الإصلاح وحتى التجارب الناجحة هي في الأصل فاشلة وبطيئة في ظل التقدم السريع للغرب؟
جواب: العودة إلى التراث لها دوافعها ومبرراتها، فالحضارة مبنية على الاستفادة من تجارب الماضي في كل المجالات وتطويرها، وبالنسبة للتاريخ، فكونه علما يهتم بالماضي، يعطيه مجالات أرحب، لا تعطى لأي علم من العلوم الأخرى. هناك حقب كثيرة وشخصيات وحوادث يكتنفها الغموض، بسبب عدم تسليط الضوء عليها من المؤرخين السابقين، والبحث في التراث/ التاريخ، يقدم فائدة للباحثين بشكل عام. إن المقارنة لا تفيدنا في معالجة المواضيع التراثية، كما أن دراسة التراث لا يجب أن تكون اعتباطية، فليس كل ما هو قديم مهم، وإضفاء الأهمية عليه يجب أن يكون بمبررات علمية معقولة. العودة إلى التراث لا تعني تحقيق النصوص فقط، ولا اكتشاف المخطوطات، ولكن لا بد من الاختيار الدقيق أثناء التعامل حتى لا تبقى هذه العودة شكلية وبدون فائدة.
هناك بشكل عام نكوص في المغرب عن البحث في التراث، باستثناء التراث الديني، وذلك راجع لصعوبة التعامل مع التراث الذي يتطلب تكوينا خاصا، وخاصة في مجال تحقيق النصوص، وهو يعكس الإحباط الذي يعانيه الباحثون من توالي الإخفاقات، وعدم وعيهم بالدور الذي يجب أن يقوموا به لتوظيف هذا التراث توظيفا سليما، للدفع بالبحث التاريخي المغربي قدما إلى الأمام.
سؤال: هل نحن في حاجة للتراث في ظل العولمة؟
جواب: نحن دائما بحاجة إلى التراث، ولكن ليس بصفة مجردة، يجب أن نحدد الجوانب المطلوبة من هذا التراث، فالتراث مثل التاريخ، كهف عميق الأغوار، تجد فيه عينات من كل شيء، منها المفيد وغير المفيد، والطيب والخبيث، والصالح والطالح، فالاختيار ضروري، ويجب أن ينصب على الجوانب المفيدة من هذا التراث. ومع تعاظم الدور الذي تقوم به وسائط الاتصال الواسعة، في ظل العولمة، فإن الاهتمام بالتراث، والتعريف به، وفهمه، ودراسته، يقدم خدمات كبيرة للشعوب العربية. وما كان يتم سابقا على فترات تتجاوز العقود، أصبح ممكنا القيام به في ساعات وأيام، فالمواطن في كندا أو الصين أو روسيا مثلا، يستطيع أن يتعرف على تاريخ وتراث دول لم يكن يعرفها على الخريطة، مثل المغرب، وخاصة إذا توسلنا لذلك بالنشر باللغات السائدة في العالم مثل الانجليزية والإسبانية والفرنسية.