في العصرين المرابطي والموحدي، شهد المغرب إشعاعًا علميًا استثنائيًا في مجالي الرياضيات والفلك، حيث برزت أسماء لامعة من العلماء المغاربة الذين ساهموا في تطوير هذين العلمين وأثروا في العالم الإسلامي وأوروبا على حد سواء. تميزت هذه الفترة بازدهار العلوم الرياضية والفلكية بفضل الهجرات الأندلسية التي أسهمت في نقل المعرفة وتعزيزها في المغرب، مما جعل البلاد مركزًا علميًا يُشار إليه بالبنان. في هذه المقالة، سنستعرض أهم الإنجازات والإسهامات التي قدمها العلماء المغاربة خلال هذين العصرين، مسلطين الضوء على أهم الأسماء والأعمال التي أثرت على تطور العلوم في المغرب والعالم.
إسهامات العلماء المغاربة في الرياضيات والفلك خلال العصرين المرابطي والموحدي
شهد المغرب في العصرين المرابطي والموحدي نهضة علمية كبرى، تميزت بتقدم ملحوظ في علوم الرياضيات والفلك، متأثرة بشكل كبير بالهجرات الأندلسية التي ساهمت في إرساء دعائم هذا النبوغ العلمي. ولعب العلماء المغاربة دورًا محوريًا في نشر وتطوير هذه العلوم، حيث برزت أسماء كبيرة مثل مالك بن وهيب الذي كان فقيهًا وقاضيًا ومستشارًا علميًا للسلطان علي بن يوسف بن تاشفين، وكان من الأعلام الذين أولوا اهتمامًا خاصًا بالرياضيات[1].
العصر الموحدي: صحوة علمية
في العصر الموحدي، ازدهرت علوم الجبر والحساب ونظرية الأعداد، وبرزت أسماء مثل أبو بكر الحصّار، صاحب العديد من المؤلفات الهامة مثل "البيان والتذكار في عِلم مسائل الغُبار" و"الكامل في صناعة العدد" و"الكتاب الصغير". كما تميز العلاّمة ابن الياسمين الفاسي، الذي برع في الهندسة والمنطق والتنجيم والحساب، بمؤلفاته مثل "رَجز في الجبر" و"تلقيح الأفكار"[2].
ابن المنعم العَبْدري، من جهته، أسس لفرع جديد في الرياضيات العربية يُعرف اليوم بـ"التحليل التآلفي"، حيث تناول في كتابه "فقه الحساب" دراسة عدد الكلمات التي يمكن تكوينها من حروف أبجدية اللغة العربية مع اعتبار الحركات والسواكن[3].
ازدهار العلوم الفلكية في المغرب
علم الفلك كان له شأن كبير في المغرب، حيث تأسست مدرسة فلكية مغربية نشطت في القرنين 11 و12، وركزت على مجالات الأرصاد والحسابات وصناعة الآلات الفلكية. من أبرز علماء الفلك في هذه الفترة ابن باجّة التِّجِيبي، الذي برع في العديد من العلوم وكان له تأثير كبير في الغرب الإسلامي[4].
ابن طفيل وابن رشد ونور الدين البطروجي هم أيضًا من العلماء المغاربة الذين واصلوا مسيرة التطور الفلكي، حيث قدم البطروجي نظامًا فلكيًا غير بطلمي أثر بشكل كبير على النهضة الأوروبية[5].
استمرار النبوغ إلى القرن السابع عشر
لم يتوقف النبوغ الرياضي المغربي عند العصر الموحدي، بل استمر إلى القرن السابع عشر مع بروز محمد بن سليمان الروداني، الذي كان نجمًا في المصنّفات الفلكية ورائدًا في اختراع الآلات المتعلقة بالوقت. اشتهر الروداني بمؤلفاته التي تعد من أمهات الكتب في هذا المجال[6].
ورغم قلة المصادر التي تتناول تراجم العلماء في هذا المجال وقلة الاهتمام بالمخطوطات التي صدرت عنهم، إلا أن ميل العلماء المغاربة إلى الرياضيات والحساب كان نابعًا من ارتباطهما بتطبيقات شرعية ودينية، حيث اعتبرا علمين جليلين يساعدان في التعرف على الفرائض والسنن، فضلاً عن الحاجة الدنيوية إليهما.
العلوم الفلكية في التاريخ المغربي المعاصر
استمر اهتمام المغاربة بعلم الفلك والتوقيت حتى عهد الحماية الأجنبية، حيث برزت أسماء مثل محمد بن عبد الله المؤقِّت المراكشي، الذي ألف "مجموعة اليواقيت العصرية" في عام 1930، وهو من المصنفات الرائدة في مجال التوقيت[8].
ختامًا، رغم التراجع الذي شهدته هذه العلوم في فترة من الفترات، إلا أن إسهامات العلماء المغاربة في مجالي الرياضيات والفلك خلال العصرين المرابطي والموحدي شكلت علامة فارقة في تاريخ العلوم، وتركت أثرًا لا يُنسى على النهضة العلمية في العالمين الإسلامي والأوروبي.
المراجع:
[1] الصلابي علي، الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة – مصر، الطبعة الأولى 2003.
[2] ابن خلدون عبد الرحمن، المقدّمة، ص: 473.
[3] بدوي عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، الجزء الأول، الطبعة الأولى، بيروت – لبنان، ص: 11.
[4] مجلة المحجة، العدد 416، "علم التوقيت بالمغرب الأقصى تراث علمي عتيد يحتاج إلى بعث وتجديد". 17 مارس 2014.
[5] مجلة زمان، النسخة العربية، عدد مايو 2020.
[6] إصلاح الفلك النظري في المغرب ثورة أم ثورة مُضادة؛ العلم والفكر العلمي بالغرب الإسلامي في العصر الوسيط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 94. تنسيق بناصر البعزاتي، ط1، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2001.