الحسن الوزان (ليون الإفريقي) .. حياته رحلاته وانتاجاته الفكرية

   يعتبر الحسن الوزان الذي عرف عند الأوروبيين بليون الأفريقي من أبرز أيقونات الجغرافيا وأهم رحالة عالي ظهر في العهد الوطاسي بالمغرب (القرن 16) . قد تميزت مؤلفات الحسن الوزان (ليون الإفريقي) بالدقة كما كان لانتاجاته الفكرية أثر كبيرعند الأوربيين حيث تعرفوا على مناطق في افريقيا كانت مجهولة. فكيف كانت حياة و رحلات الحسن الوزان (ليون الإفريقي)؟ و ما هي مميزات كتاباته؟

نشأة الحسن الوزان (ليون الإفريقي) و بداياته

      كان الحسن الوزان أندلسي المولد مغربي النشأة والتكوين ، واسم والده محمد الزياتي ،  ازداد بغرناطة بين سنة 1489م و 1495، أما لقب الوزان فقد أطلق على أحد أسلافه إذ كان يقوم بمهمة الوزن العمومي (1) ، ولما استولى الاسبانيون على غرناطة سنة 1492 هاجرت عائلة الحسن الوزان إلى فاس حيث تابع هذا دراسته بالقرويين ، واستعان على المعاش بالعمل ككاتب في مارستان فاس ، وقد قام الحسن الوزان بأسفاره الأولى بالمغرب إذ أدى عدة مهات لحساب السلطان الوطاسي محمد البرتغالي وهو ما يزال حدثا ، وخلال هذه الأسفار جمع أشعارا نقلها من قبور الموتى في مختلف الأماكن وقدمها إلى أخ السلطان ، كما سافر وهو صغير السن إلى القسطنطينية ، وفي سنة 1514 كلفه محمد البرتغالي القيام بمهمة الاتصال بحاکم آسفي البرتغالي ، والظاهر أن ذلك يرجع إلى معرفته المبكرة للغة البرتغالية  وهو من أصل أندلسي وقبل هذه الفترة أمكنه أن يزور تمبكتو بصحبة عمه وكان الحسن لا يتجاوز 17 سنة ، حيث قام عمه هذا بسفارة لدى ملك السودان الغربية أسكيا محمد نوري وبعد أن قام بأسفار أخرى عبر المغرب ، توجه إلى مصر عن طريق شرقي التشاد ، ثم عاد إلى المغرب عن طريق البحر بعد أن بلغ به المطاف إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج أواخر سنة 1515، وأثناء ذلك زار القسطنطينية.

نشاط الحسن الوزان (ليون الإفريقي) و رحلاته

     قام الحسن الوزان بنشاط دبلوماسي وسياسي عظيم لحساب الوطاسيين وهكذا شارك في مفاوضات بين أمير هنتاتة الناصر بن يوسف الهنتاتي ومحمد البرتغالي، كما فاوض أمير سوس و حاحا أحمد الأعرج أول ملوك السعديين، وحاکم آسفي البرتغالي (سنة 1514) واتصل بعد ذلك بأمير تلمسان أبي عبد الله محمد وبالقرصان عروج التركي، ثم تابع سفره إلى تونس ولكنه لم يتمكن من مقابلة سلطانها الحفصي. وقد تابع طريقه إلى القسطنطينية وكان قدومه إلى مصر سنة 1517، وفي رجوعه إلى المغرب توقف في طرابلس الغرب سنة 1518 ولما وصلت السفينة التي كانت تقله إلى جربة اعترضها قراصنة من صقلية وقادوها إلى إيطاليا، ثم قدموه هدية إلى البابا ليون العاشر في يناير 1520 (927ه) وسموه بجوهانس ليود مهدیسیس Johaninus leo de Medicis أما هو فلقب نفسه بيوحنا الأسعد الغرناطی، ثم دعاه الإيطاليون فيما بعد بليون الأفريقي.

الحسن الوزان أو ليون الإفريقي في ايطاليا و مؤلفاته هناك

    استقبل البابا الحسن الوزان (ليون الإفريقي) استقبالا طيبا وأعجب بثقافته ، وتمسح الحسن الوزان للأسباب نجهلها ، كالضغط أو مجرد الرغبة في رضا البابا الذي عاش الحسن تحت كنفه ثم تحت رعاية أحد الكرادلة وكان يعلمه العربية التي كان يقوم بتدريسها أيضا في جامعة Bologne . وأثناء ذلك درس اللاتينية والإيطالية ثم قام بتأليف عدد من الكتب التي تعتبر فذة في بابها ومنها :

1. قاموس عربي عبراني لاتيني ألفه ببولوني سنة 1524 لأحد الأطباء اليهود .
2. كتاب عن مشاهير العرب وضعه سنة 1527.
3. تاريخ حديث عن أفريقيا ، ولا تزال الجهود متواصلة للعثور على نسخة كاملة منه لنشرها .
4. وصف افريقيا وهو الكتاب الوحيد الذي تم تداوله من بين كتبه حتى الساعة وقد ألفه وهو في نحو الأربعين من عمره وحصل هذا الكتاب على شهرة فائقة لدى المسيحيين وقد تم نشره منذ سنة 1550 بالبندقية على يد أحد المفكرين الإيطاليين J . B . Ramusio ومن المؤكد أن الحسن الوزان قد ألفه بالإيطالية لكنه اعتمد على مؤلفات مخطوطة بالعربية وقد ضاع أثرها ، وفي سنة 1556 ظهرت ترجمة لاتينية وأخرى فرنسية لهذا الكتاب ، واعتبرت الترجمة اللاتينية رديئة . وكان المخطوط الإيطالي الذي وضعه الحسن الوزان نفسه هو الذي تم نشره على يد J. B . Ramusio ولكن النسخة الأصلية تعد مفقودة حتى الآن، وإنما ظهر مخطوط بالمكتبة الوطنية بروما منذ 1931م منحطة في أسلوبه عن طبعة راموسیو . وقد رجع الكتاب من جديد إلى الفرنسية عن هذه النسخة مع مقابلتها بنشرة راموسيو على يد A . Epaulard ، ونشر بباريس سنة 1956م مع تعليقات في منتهى الأهمية . أما الترجمة العربية فتعتبر ترجمة محمد حجي التي أصدرت سنة 1983 أحسن واحدة لحد الأن حيث  ترجم من الفرنسية و الايطالية الى العربية .

والكتاب في الأصل يتألف من ثلاثة مجلدات ضخمة خصص أحدها لآسيا وثان لأوروبا وثالث لافريقيا . وهو الذي اكسب المؤلف شهرة خالدة . ومجمل القول أنه يتألف من تسعة أقسام :

1. معلومات عامة عن افريقيا جغرافية واجتماعية.
2. وصف ناحية حاحا وسوس ومراكش وجزولة ودكالة وهسكورة وتادلا .
3. وصف ناحية تامسنا وإقليم فاس واز غار والهبط والريف والصحراء الشرقية والحوز .
4. وصف ناحية تلمسان.
5. مملكة بجاية وتونس.نوميديا (الصحراء الجنوبية الشمالي افريقيا) وصحراء ليبيا .
6. السودان.
7. مصر.
8. أهم أنهار ونباتات وحيوانات وأسماك ومعادن افريقيا .

والأقسام الثلاثة الأولى هي التي تهم المغرب بالذات ، وتمثل نحو نصف صفحات الكتاب المذكور . وطريقة العرض لديه أن يتحدث في نظرة عامة جد مقتضبة عن الناحية التي سيصفها . ثم يتناول مدنها وقراها وجبالها واحدة واحدة . وقل أن يخلو وصفه لمدينة أو قرية من ذكر عدد سكانها , كما يعطي نظرة كافية عن حياتها الاجتماعية من سکنی وملبس وطعام وعادات ويصف نشاطها الاقتصادي . وقد يتحدث عن حكامها وعن أصل بنائها وكثيرا ما يصف حيواناتها ونباتاتها وأخلاق أهلها ، وإذا كانت مدينة كبيرة تعرض لوصف عمرانها وآثارها ، ولعل أبدع ما قدمه في هذا الباب وصفه لمدينة فاس ومكانها : فقد شغل هذا الوصف صفحات عديدة وتناول كل ما يتعلق بالمظهر التاريخي والاجتماعي والفكري للمدينة ، وهكذا تحدث عن بنائها وتطورها السياسي ووصف بدقة أسواقها ومساجدها ومتاجرها وعاداتها في المطعم والملبس وحفلاتها وألعابها وطريقة التعليم بمدارسها واختصاصات الموظفين بها وبلاط الملك بها ، ومستشفياتها وحماماتها وفنادقها الخ ...

ويعتبر کتاب الوزان (ليون الإفريقي) في وصف افريقيا إلى جانب كتابي مرمول وليفيو سانوطوLivio sanuto أهم المصادر الرئيسية التي اعتمد عليها الأوروبيون في اكتشاف النواحي المجهولة بافريقيا  .

نبذة عن أسلوب الوصف لدى الوزان (ليون الإفريقي)

   من أسلوبه في الوصف قوله  :

"تيدسي مدينة عظيمة ذات أربعة آلاف موقد (أي عائلة) وقد بناها الأفارقة على بعد ثلاثين ميلا من شرقي تارودانت وستين ميلا من البحر وعشرين ميلا من جبال الأطلس ، وهذه الناحية ذات خصب وإنتاج : وينبت بها عدد من المزروعات وقصب السكر والنيلة . وبها ناس يتجرون مع بلاد السودان . والسكان يعيشون في أمن ، والرجال طيبون متحضرون والحكم عندهم جمهوري إذ السلطة في يد ستة أشخاص بالاقتراع ويغيرون كل ستة أشهر .

وبجانب المدينة يمر نهر سوس الذي يبعد عنها بثلاثة أميال وبها كثير من الصناع اليهود كالصباغين والحدادين وغيرهم ، وفيها مسجد يتوفر على قومة ومستخدمين والقضاة والأساتذة والفقهاء تؤدي الجماعة أجورهم. ويقام بها سوق كل سبت يجتمع به العرب والقرويون وسكان الجبال ، وقد استسلمت تدسي سنة 920 إلى الشريف (السعدي) التي قام بها إمارته" .

 

    أما فيما يتعلق بنهاية الحسن الوزان فإن بعض المراجع كمحمد حجي مترجم الكتاب تؤكد أنه لم يقم طويلا بإيطاليا إذ رجع منها حوالي سنة 1528 إلى تونس وعاد إلى الإسلام. أما الطبعة الرابعة من نشرة راموسيو فتقول أنه مات بروما قبل سنة 1550 .

(1)  لقب الوزان  ليس له علاقة بمدينة وزان بل هي مشتقة من الوزن و الوزان وظيفة مرتبطة بالتدقيق في أوزان ما يستخلص في الجبايات

- حركات إبراهيم، المغرب عبر التاريخ، الجزء الثاني، نشر وتوزيع دار الرشاد الحديثة، الطبعة الثانية 1994.