علاقة البيئة بالإنسان حسب ابن خلدون

البيئة والانسان البيئة والإنسان عبر العصور pdf البيئة والإنسان عبر العصور البيئة والإنسان pdf البيئة والإنسان كتاب البيئة والإنسان علاقات ومشكلات من منظور اجتماعي بين البيئة والإنسان البيئة والإنسان الصراع بين البيئة والإنسان البيئة والسكان وحقوق الإنسان البيئة وصحة الإنسان في الجغرافيا الطبية pdf البيئة وصحة الانسان تعريف البيئة و نشاط الانسان البيئة ملاذ الإنسان ومكان عيشه وممارسته نشاطاته مقدمة عن البيئة والإنسان، ابن خلدون و الجغرافيا البشرية 

يعتبر ابن خلدون الذي ظهر في القرن الرابع عشر الميلادي  من الذين تطرقوا إلى علاقة البيئة بإلانسان، رغم أنه كان من المؤرخين ومن فلاسفة التاريخ . ويظهر ذلك بوضوح في مقدمته التي فلسف فيها التاريخ ودرس فيها المجتمعات البشرية دراسة علمية ، واهتم بالعمران البشري والحضر ، و بالعصبية العنصرية و القبلية ، وما إلى ذلك من موضوعات متعددة يضيق حصرها هنا.

 




وما يهمنا من مقدمة ابن خلدون والفصل الأول من الكتاب الأول : الخاص بالعمران البشري ، ودراسة الأقاليم الجغرافية وتأثيرها في حياة الإنسان ، إذ يذكر ابن خلدون في المقدمة الثانية من هذا الفصل الأول الأقاليم السبعة ومظاهرها وحاد و دها ، ويذكر في المقدمة الثالثة:


 «أن المعمورة من هذا المنكشف من الأرض إنما هي وسطه لإفراط الحر في الجنوب منه والبرد في الشمال ... فانه اذا كانت العلوم و الصنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات وجميع ما يتكون في هذا الأقاليم الثلاثة المتوسط ( الثالث والرابع والخامس ) مخصوصة بالاعتدال وسكانها من البشر أعدل أجسامة وألوانا و أخلاقة وأديانا - حتى النبوات فإنما توجد في الأكثر فيها ، ولم نقف على خبر بعثة في الأقاليم الجنوبية ولا الشمالية و ذلك أن الأنبياء والرسل إنما يختص بهم أكمل النوع في خلقهم و أخلاقهم ... وأما الأقاليم البعيدة من الاعتدال مثل الأول والثاني والسادس والسابع فأهلها أبعد عن الاعتدال في جميع أحوالهم فبناؤهم بالطين والقصب وأقرانهم من الذرة والعشب وملابسهم من أوراق الشجر يخصفونها عليهم أو الجلود . وأكثرهم عرايا من اللباس ... وأخلاقهم مع ذلك قريبة من خلق الحيوانات العجم حتى ينقل عن الكثير من السودان أهل الإقليم الأول أنهم يسكنون الكهوف والغياض ويأكلون العشب وأنهم متوحشون غير مستأنسين يأكل بعضهم بعضا وكذلك الصقالبة ... »ص69-70

 


ويفسر ابن خلدون اختلاف أهل اليمن وحضرموت والاحقاف وبلاد الحجاز واليمامة وما إليها من جزيرة العرب في الإقليم الأول والثاني عن باقي مكان هاذين الإقليمين بإحاطة البحار الجزيرة العرب من جهات ثلاث مما «أثر في رطوبة هو أنها فنقص ذلك اليبس والانحراف الذي يقتضيه الحر، وصار فيها بعض الاعتدال بسبب رطوبة البحر .... »

 


ويسخر ابن خلدون من الآراء التي تنادي بتفسير سواد بشرة السودان ( يقصد السود ) بانتسابهم إلى حام بن نوح الذي دعا عليه أبوه فظهر أثر دعوته في لونه وفيما جعل الله من الرق في عقبه - ويرى في القول بنسبه السواد إلى حام « غفلة عن طبيعة الحر والبرد وأثرهما في الهواء ... ذلك أن هذا اللون شمل أهل الإقليم الأول والثاني من مزاج هوائهم للحرارة المتضاعفة بالجنوب . فإن الشمس تسامت رؤوسهم مرتين في كل سنة - قريبة أحدهما من الأخرى - فتطول المسامته عامة الفصول فيكثر الضوء لأجلها ويلح القيظ الشديد عليهم وتسود جلودهم لإفراط الحر ... »ص71

 


وفي المقدمة الرابعة - في أثر الهواء في أخلاق البشر - يرى أن « من خلق السودان ( يقصد السود أو الزنوج ) على العموم الخفة والطيش وكثرة الطرب - فنجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع - موصوفين بالحمق في كل قطر» ، ويفسر ذلك بأثر الهواء الحار على أمزجتهم وأرواحهم فتكون أسرع فرحا وسرورا وأكثر انبساطا ، ويجيء الطيش على أثر هذه .


بعكس ذلك المناطق الباردة كأهل فاس في المغرب إذ « تری أهلها مطرقين إطراق الحزن - وكيف افرطوا في نظر العواقب حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة ويباكر الأسواق لشراء قوته اليومي مخافة أن يرز أشياء من مدخره ، وتتبع ذلك في الأقاليم والبلدان تجد في الأخلاق أثرا من کیفیات الهواء »، وينكر ابن خلدون إنكارا تامة آراء المسعودي في تفسير السبب في صفة السودان وطيشهم وكثرة الطرب فيهم - وإرجاع ذلك إلى ضعف أدمغتهم وما نشأ عنه من ضعف عقولهم - ويرى ابن خلدون أن هذا كلام لا محصل له ولا برهان فيه . ص73



وفي المقدمة الخامسة من الفصل الأول يدرس اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم ويرى ابن خلدون أن أهل المناطق المقفرة الذين يفتقدون الحبوب والغذاء الجيد « أحسن حالا في أجسامهم وأخلاقهم من أهل السهول المنغمسين في العيش - فألوانهم أصفى وأبدانهم أنقى وأشكالهم أنتم وأحسن و أخلاقهم أبعد من الانحراف وأذهانهم أثقب في المعارف والإدراكات ،.. والسبب في ذلك أن كثرة الأغذية ورطوباتها تولد في الجسم فضلات رديئة ينشأ عنها كثرة الأخلاط الفاسدة العفنة ، ويتبع ذلك انکساف الألوان و قبح الأشكال، وتغطي الرطوبات على الأذهان والأفكار بما يصعد إلى الدماغ من أبخرتها الرديئة فتجيء البلادة و الغفلة والانحراف عن الاعتدال ... » ولذلك « فإننا نجد أهل الأقاليم المخصبة العيش الكثيرة الزرع والضرع والأدم والفواكه ينصف أهلها غالبا بالبلادة في أذهانهم والخشونة في أجسامهم .. ».ص74-75



قد لا نوافق ابن خلدون في الوقت الحاضر على كثير من آرائه - ولكن إذا تذكرنا الزمن الذي كان يعيش فيه ابن خلدون ، والمدارك والمعارف الجغرافية والبشرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت لأدركنا مدى الجهد الذي بذله ابن خلدون في الربط بين هذه النواحي الاجتماعية والبشرية - وبين البيئة الطبيعية - وخاصة المناخ ، ولعل أحسن ما في مقدمة ابن خلدون فلسفته للتاريخ واستخلاص قواعده من دراسته للاحداث التاريخية - وخاصة في العصور الإسلامية . وفي دراسته لحياة البدو والحضر وفي المقارنة بينهما في تاريخ النشأة وفي اختلاف الأخلاق والطباع والعادات و التقاليد الاجتماعية وما إليها .


 
فؤاد فواز محمد الصقار و محمد رشيد الفيل - اصول الجغرافيا البشرية ، الطبعة الأولى، وكالة المطبوعات الكويت ، ص31-34  

تعليقات