تحميل كتاب الفكر الواقعي عند ابن خلدون - ناصيف نصار بصيغة pdf مجانا
معلومات عن الكتاب
عنوان الكتاب : الفكر الواقعي عند ابن خلدون .
صاحب الكتاب : ناصيف نصار.
الطبعة : الأولى 1981.
دار النشر : دار الطليعة بيروت.
مقتطف من الكتاب
"ضرورة دراسة نشوء المشكلة. لقد حقق التأريخ للفلسفة تقدمة عظيما إذ حاول التغلب على ثنائية الوجهة التطورية والوجهة المذهبية أو النظامية. فالبحث عن تماسك الكلام لا يمكن اجراؤه بدون البحث عن تأثرات الفيلسوف وتموجات فكره في أثناء تکونه وتناميه. وقد اختصر هنري جوهيه ذلك بقوله : وأن تواصل التطور نیس سوى طريقة أخرى للتعبير عن تماسك النظام ).
ولكن، ينبغي الإقرار بأن التطور والنظام لا يتطابقان أبدأ على وجه التام. فالنظام الفلسفي ، أو ذو الطابع الفلسفي ، تعبير عما يرغب صا حبه فيه من توحید فکره والواقع أكثر مما هو تعبير عن وحدة محققة تماما. مما يعني أن التوفيق بين مقتضيات الوجهتين لا يخلو عند التطبيق من صعوبات جدية. ففي كل حالة ، ينبغي الاهتداء إلى نوع التكييف والتطويع اللازمين لكي تنفذ الدراسة بقدر ما يمكن الى أعاق عملية الخلق الفكري وصميمها . فكيف يمكن تطبيق هذا المنهج العام في دراسة فكر ابن خلدون؟
واقعة أولى تفرض نفسها فرضا، وهي أن مجمل فكر ابن خلدون موجود في مؤلفه الضخم، (كتاب العبر)، الذي تصوره وكتب القسم الأكبر منه بين سنة ۷۷۹/۱۳۷۰ وسنة ۱۹۷۸۹/۱۳۸۲.
والكتاب الأول من كتاب العبر)، وهو المعروف باسم (المقدمة)، تم انجازه ، بحسب قول ابن خلدون نفسه، «بالوضع والتأليف قبل التنقيح والتهذيب في مدة خمسة أشهر آخرها منتصف عام تسعة وسبعين وسبعاية (2). وهو الذي يشتمل على أفكار ابن خلدون الجديدة . وإذن ، فالوجهة المناسبة لدراسة المقدمة) هي الوجهة النظامية. آن الطابع الفذ المفاجيء الذي تتسم به ( المقدمة بالنسبة الى حياة ابن خلدون والى مجمل الثقافة العربية الاسلامية ، مضاف إليه الأحكام في تأليفها ، يدعو مؤرخ الفكر الى الاهتمام رأسة بوحدة الأفكار التي تشتمل عليها من وجهة حركتها الداخلية.
اننا نقبل هذه النتيجة بدون تحفظ ، ومع ذلك، لا نستطيع الابتداء بالبحث على هذا المستوى . إذ يستحيل مباشرة دراسة فكر ابن خلدون، رغم كل الظواهر، بدون اعتبار جدي لكل المرحلة التحضيرية التي سبقت إبداع (المقدمة). فالسؤال الذي يجب علينا الاجابة عنه، قبل أي سؤال آخر، هو: لماذا أصبح ابن خلدون في لحظة معينة من حياته مؤرخ وعالم اجتماع ؟ الإجابة عن هذا السؤال البسيط المباشر هي المفتاح لفهم تأليف ابن خلدون. إذا أهملت ، فإنه يتعذر فهم فكر ابن خلدون على حقيقته. وعلى العكس ، فإن نوعيتها تحدد نوعية تفسير الفكر الخلدوني في مجمله.
يعزز هذا الاعتبار نوعان من الأدلة . يتعلق الأول منهما بالدراسات الخلدونية ، والثاني بطبيعة التجربة الكلية التي عاشها ابن خلدون . وفي الواقع، لم يتوصل معظم دارسي فكر ابن خلدون والمعلقين عليه الى الاحاطة إحاطة شاملة به(۱). إذ بهرتهم أصالة (المقدمة) وأبعادها ، فلجأوا إلى تجزئة بنيانها وتحليل كل جانب من جوانبها على حدة، في ضوء اهتماماتهم الخاصة أو بالنسبة إلى قطاعات محددة من قطاعات المعرفة. وكانت النتيجة تراك في الدراسات والمقالات التي ، رغم فائدتها من زاوية خاصة، لا تخلو من تشويه لفكر ابن خلدون الحقيقي وسوء إدراك المعنى كل جانب من جوانبه داخل بنيته الشاملة. وحتى الدراسات الشاملة لا تنجو من هذا النقد، إذ أن ما يميزها عن غيرها إنما هو عدد الجوانب المعالجة فقط . ولا نجد فيها اهتماما بالروابط الأساسية التي تشكل هیکل (المقدمة)، بالطبع، هناك صعوبات مهمة تحول دون وصول البحث إلى المرام بسهولة ، ليس أقلها تعقد المادة الخلدونية والايجاز في كثير من المواضع والتشابك في تفاصيل بعض الأجزاء ، ومن جهة ثانية ، ينبغي الاعتراف ببعض التقدم في التعمق في عدد من النقاط الهامة. ولكن، رغم ذلك، يبقى العيب الرئيسي لتلك الدراسات قائمة وملخصه أنها تعتبر (المقدمة) ."