أرجع ابن خلدون قيام الدول في المغرب الوسيط إلى عنصرين أساسين هما العصبية القبلية والدين، فالعصبية عند ابن خلدون هي التلاحم والتماسك الاجتماعي الذي يجمع قبيلة أو مجموعة بشرية تنتمي لجد مشترك أو متخيل و الدين هو المحفز لإلتحامها والمبرر لإخضاع قبائل أخرى ومجموعات أخرى . و يظهر أن هذه النظرة سليمة بالنسبة لهذه الفترة على الأقل اعتمادا على التجارب التي لاحظها ابن خلدون ولاحظناها معه:
1- الأساس الأول لقيام الدولة : الدين
بالنسبة
للجانب الديني أو المذهبي الذي هو أساس شرعية الدولة الإسلامية؛ يتجلى في جملة من
النقط:
موضوع النسب:
وهو بالنسبة للمرابطين الصنهاجيين الذين يدعون الانتماء إلى العنصر الحميري اليمني
(أي غير القرشي) حاولوا اكتساب الشرعية بالارتباط الشكلي بالخلافة العباسية
أما الموحدون فقد اعتبر مهديهم من سلالة الرسول خلفاؤه بنو عبد المومن الانتساب إلى الأصل القرشي رغم الخؤولة في زناتة.
وبالنسبة للمرينيين الزناتيين حاولوا البحث عن
مشروعية للحكم، بالانتساب إلى الأصل المصري الذي تنتمي إليه قريش، وتدعيم هذا
بالاهتمام بالشرفاء والعلماء والصلحاء والجهاد في الأندلس.
وبالنسبة للجانب الديني أو المذهبي:
نجد للمرابطين كان الأساس المذهبي لحركتهم هو المذهب
المالكي اعتمادا على شروح علماء القيروان خاصة (فروع المذهب). وقد أدخل إمامهم عبد
الله ابن ياسين أفكارا جديدة على هذا المذهب لا علاقة لها بمذهب مالك الأصلي؛ وقد
اتخذ هذا الأسلوب لمواجهة المخالفين وأهل البدع المنتشرة في المغرب خصوصا بدعة
برغواطة ا .
أما الموحدون
فقد التفوا حول ابن تومرت الذي ادعى المهدوية والعصمة مستفيدا من مذاهب دينية
وسياسية متنوعة كون منها مذهبه الخاص، وإن كان الغالب عليه الاتجاه الأشعري.
بينما عاد
المرينيون إلى تبني المذهب المالكي في الشريعة والأشعري في العقيدة بعد تنقيته من
الشوائب المهدوية، بحيث رسخوا من جديد المذهب السني الذي استمر بعد ذلك قرونا.
بالنسبة
لموضوع الجهاد:
جاهد المرابطون أولا في وثنيي بلاد السودان (أقصى جنوب الصحراء)، ثم في برغواطة حتى قضوا على إمارتها ومذهبها، ثم في الأندلس بعد أن عرفت ضغطا نصرانيا متزايدا عليها في ظل ملوك الطوائف، وظل المرابطون يدافعون عنها حتى في أحلك ظروفهم. ا .
أما الموحدون
فقد اعتبروا أنفسهم الموحدين الحقيقيين الله، وكل من سواهم كافر وجب جهاده قبل
جهاد الروم والكفرة، ثم ورثوا العمل الجهادي في الأندلس إلى أن عجزوا عن ذلك في
أواخر عهدهم.
وبالنسبة
للمرينيين بدأوا بالعمل الجهادي في الأندلس حتى قبل فتح مراكش، وبعد ذلك ظلوا
يمارسونه باسلوبين: بالتدخل العسكري المباشر، وبواسطة القبائل المرينية المتطوعة
التي تشكل منها في الأندلس ما سمي بفرقة "الغزاة"
وهكذا لم تسقط
الأندلس بيد النصارى إلا بعد ضعف العمل الجهادي المغربي، بالانشغال بالمشاكل
الداخلية الطويلة الأمد، وبسد النصارى أبواب المضيق في وجه المغاربة بدءا باحتلال
سبتة سنة 818 ها/1415م.
2- الأساس الثاني لقيام الدولة هو العصبية القبلية
بالنسبة للمرابطين؛ فقد اعتمدوا على عصبية صنهاجة الصحراء الرعوية التي اجتمعت على دعم القبائل الأساسية: لمتونة ومسوفة وكدالة، فنالت هذه القبائل امتیازات إدارية وعسكرية . واقتصادية على حساب العصبيات الأخرى. فلما تفككت هذه العصبية ضعف أمر الدولة المرابطية أمام الإسبان وأمام الحركة الموحدية .
بالنسبة للموحدین؛ اعتمدوا على عصبية مصمودة الجبلية المستقرة، حيث تمكنت الحركة الموحدية من الانتصار بواسطة هؤلاء فنالوا الامتيازات الخاصة التي تميزهم عن باقي القبائل؛ فلما وقع الانشقاق داخل هذه العصبية ضعفت السلطة المركزية وتفككت أجراء الدولة الواسعة وسهل على المرينيين القضاء عليها.
بالنسبة للمرينيين؛ وجدوا في قبائل بني مرين (الزناتية) الرعوية الأساس البشري
للزحف إلى داخل المغرب الأقصى والحلول محل دولة الموحدين، إلا أن هذه القبائل ظلت
تعاني من منافسة قبائل زناتية أخرى استقلت بتلمسان، ورفضت عودة منطقتها إلى حضن
المغرب الأقصى. وسيتم سقوط الدولة المرينية على يد طائفة زناتية من داخل
المجموعة المرينية هم بنو وطاس قبل أن يتمكن السعديون من إعادة توحيد المغرب
الأقصى تحت نفوذهم
إضافة إلى هذين العاملين الأساسين لنشوء الدولة يمكن إضافة عوامل اقتصادية ملائمة (التجارة الصحراوية مثلا بالنسبة للحركة المرابطية)؛ كما يضاف عامل آخر خارجي هو ضعف وانقسام : الخصوم، كما هو حال أمراء الطوائف في المغرب والأندلس بالنسبة النشوء الدولة المرابطية، حيث سهل التغلب عليهم